الكرامة
والحرية كان العنوان العريض والسبب الرئيس لثورة فبراير المجيدة والتي حقق فيها
الشعب الليبي العظيم انتصاره التاريخي على الظلم والطغيان واسترد كرامته وانتزع
حريته المسلوبة منذ عقود، ولكن لا يخفى على الجميع أن هناك أسباباً أخرى كثيرة لا
تقل أهمية عن السبب الرئيس لاندلاع هذه الثورة وعلى رأسها البطالة المنتشرة بشكل
واسع بين الشباب الليبي ولاسيما الخريجين منهم.
فحسب
دراسة لمركز بحوث العلوم الاقتصادية فان البطالة السافرة في ليبيا وصلت إلى 30 %
إذا أضفنا إلى هذه النسبة البطالة المقنعة (الموجودة في القطاع العام) فيمكن أن
تفوق النسبة 50 % وهذا رقم مخيف مرشح للانفجار مرة أخرى، وإذا علمنا أن نسبة
السكان تحت سن 15 سنة هو في حدود 33 % حسب إحصائيات 2006 م، فان المشكلة ستتفاقم
وتزيد تعقيداً في المستقبل القريب وبالتالي فالوضع خطير وقد ينفجر في أي لحظة
ويهدد الأمن والسلم الاجتماعي الهش أصلاً، مما يستوجب على الحكومة القادمة أن تضع
مشكلة البطالة وعلاجها من أولوياتها القصوى.
وبالرغم
من تعافي إنتاج النفط في ليبيا والتقديرات التي تقول إن الاقتصاد الليبي سيحقق
أعلى مستوي من النمو الاقتصادي في العالم للعام 2012 م، حسب ما أوردته (مجلة
الايكونوميست) وسيصل النمو إلى 23 %، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أننا سننجح في
تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة والرفاه الاقتصادي ما لم نقضي على مشكلة
البطالة أو نحد منها على اقل تقدير.
وهنا يأتي
السؤال الذي يفرض نفسه وهو: كيف نعالج مشكلة البطالة المنتشرة بين الشباب؟
إن
التشخيص السليم للمشكلة يؤدي إلى العلاج السليم لها، وتشخيص مشكلة البطالة في
ليبيا تتطلب منا البحث عن منبع البطالة في ليبيا والتي تتمثل حسب الدراسات والواقع
المنظور في الجامعات والمعاهد العليا فهي تقذف بالآلاف سنويا من خريجين يحملون
شهادات وتخصصات لا تتلاءم ولا تتوافق مع متطلبات واحتياجات سوق العمل الليبي، أي
أن هناك خلل كبير وواضح بين عرض وطلب القوى العاملة في سوق العمل، كما أن السياسات
الفاشلة للنظام البائد ركزت على الكمية في مخرجات التعليم وأهملت النوعية، وتم
تعيين الخريجين لاعتبارات اجتماعية وسياسية دون أي اعتبار للمعايير الاقتصادية مما
سبب في ارتفاع نسبة البطالة المقنعة بالقطاع العام وانعكس ذلك على ضعف الأداء.
يضاف إلى كل ما سبق أن الأعداد الكبيرة من الخريجين تعزف عن الولوج في العمل
بالقطاع الخاص أو ميدان العمل الحرفي ولا ترضى بديلاً للوظيفة الحكومية.
وهذه بعض
الخطوات التي يمكن اتخاذها لعلاج مشكلة البطالة:
- مراجعة السياسات التعليمية للدولة والتنسيق بين وزارتي التعليم العالي ووزارة العمل والتأهيل، والتخطيط الجيد بينهما والمبني على البيانات والإحصاءات الدقيقة لوضع رؤية مستقبلية مدروسة بعناية لاحتياجات سوق العمل الليبي من تخصصات جامعية، ويمكن في هذه الحالة إلغاء بعض التخصصات الجامعية واستحداث تخصصات أخرى حسب بيانات العرض والطلب في سوق العمل.
- تحسين مناخ الاستثمار في الاقتصاد الليبي لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية فالاستثمار هو العمود الفقري لخلق فرص العمل، وهنا ندعو الحكومة إلى جلب كل المدخرات الليبية والموجودة بالخارج لتوظيفها في مشاريع استثمارية حقيقية في الداخل توفر فرص عمل للشباب العاطل ويستفيد منها أبناء الوطن، بدلا من إيداعها بالبنوك الأجنبية والحصول على (فوائد ربوية).
- دعم القطاع الخاص وجعله شريكاً للقطاع العام في عملية التنمية الاقتصادية وليس منافساً له، لما له من دور كبير في امتصاص أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، وحفز الشباب على الالتحاق به وإصدار كافة الإجراءات والقوانين التي تنظم العمل بالقطاع الخاص بما يضمن الحقوق الكاملة للعاملين به.
- تنمية القطاعات المهملة في الاقتصاد الليبي ومنها القطاع السياحي والذي لوتم استغلاله الاستغلال الأمثل سيجذب أعداداً كبيرة من الخريجين العاطلين عن العمل.
- تفعيل دور السياسات المالية والنقدية في الاقتصاد الوطني من خلال تطوير النظام الضريبي بما يواكب متطلبات المرحلة الراهنة وإنشاء مصارف إسلامية تكون حافزاً للشباب العاطل والراغب في الخوض في العمليات الاستثمارية المشروعة (المرابحة، المشاركة،المضاربة).
- على الحكومة تشجيع وحفز الشباب على الانخراط في ميدان الأعمال الحرفية (والتي يعزف عنها الخريجين) وذلك من خلال توجيههم نحو معاهد التدريب المهني والفني ومنحهم امتيازات خاصة أثناء الدراسة لترغيب الشباب على الالتحاق بها لسد العجز الكبير في السوق من هذه المهن وتخفيف الضغط المتنامي على الجامعات.
- منح قروض ( بدون فوائد ربوية ) وبفترة سماح مناسبة للشباب العاطل عن العمل وتشجيعهم على الخوض في المشروعات الاستثمارية الحقيقية (الصغرى والمتوسطة) تقديم كافة التسهيلات لهم من اجل إنجاحها.
وأخيراً
يجب على الحكومة عدم ترك أي مواطن عاطل عن العمل فريسة لشبح الفقر دون منحه إعانات
البطالة إلى أن يجد فرصة عمل، ويجب أن تكون الإعانة متمشية مع تكاليف المعيشة بما
يضمن مستوى معيشي لائق للشخص العاطل وتحفظ كرامته.
أ. صقر
الجيباني
كلية الاقتصاد / جامعة عمر
المختار
المصدر: ليبيا المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق