الأحد، يناير 16، 2011

فِي الْحَيَاءِ ـ من كتاب أدب الدنيا والدين للشيخ أبى الحسن على بن محمد الماوردى

اعْلَمْ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مَعَانٍ كَامِنَةٌ تُعْرَفُ بِسِمَاتٍ دَالَّةٍ كَمَا قَالَتْ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا: تُخْبِرُ عَنْ مَجْهُولِهِ مَرَآتُهُ وَكَمَا قَالَ سَلَمُ بْنُ عَمْرٍو الشَّاعِرِ:

لاَ تَسْأَلْ الْمَرْءَ عَنْ خَلاَئِقِهِ        فِي وَجْهِهِ شَاهِدٌ مِنْ الْخَبَرِ

فَسِمَةُ الْخَيْرِ الدَّعَةُ وَالْحَيَاءُ، وَسِمَةُ الشَّرِّ الْقِحَةُ وَالْبَذَاءُ، وَكَفَى بِالْحَيَاءِ خَيْرًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخَيْرِ دَلِيلاً، وَكَفَى بِالْقِحَةِ وَالْبَذَاءِ شَرًّا أَنْ يَكُونَا إلَى الشَّرِّ سَبِيلاً.

وَقَدْ رَوَى حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الايمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ}. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعِيُّ فِي مَعْنَى الصَّمْتِ، وَالْبَيَانُ فِي مَعْنَى التَّشَادُقِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الاخَرِ: {إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ}.

وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {الْحَيَاءُ مِنْ الايمَانِ وَالايمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ}. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: حَيَاةُ الْوَجْهِ بِحَيَائِهِ، كَمَا أَنَّ حَيَاةَ الْغَرْسِ بِمَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ الْعُلَمَاءُ: يَا عَجَبًا كَيْفَ لاَ تَسْتَحْيِي مِنْ كَثْرَةِ مَا لاَ تَسْتَحْيِي وَتَبْقَى مِنْ طُولِ مَا لاَ تَبْقَى. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:

إذَا قَلَّ مَاءُ الْوَجْهِ قَـلَّ حَيَـاؤُهُ        وَلاَ خَيْرَ فِي وَجْهٍ إذَا قَلَّ مَاؤُهُ
حَيَاؤُك فَاحْفَظْهُ عَلَيْك وَإِنَّمَـا        يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْكَـرِيمِ حَيَـاؤُهُ


وَلَيْسَ لِمَنْ سُلِبَ الْحَيَاءَ صَادٌّ عَنْ قَبِيحٍ وَلاَ زَاجِرٌ عَنْ مَحْظُورٍ، فَهُوَ يَقْدَمُ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَأْتِي مَا يَهْوَى، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ. رَوَى شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الاولَى: يَا ابْنَ آدَمَ إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ}. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ إغْرَاءً بِفِعْلِ الْمَعَاصِي عِنْدَ قِلَّةِ الْحَيَاءِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ مَنْ جَهِلَ مَعَانِيَ الْكَلاَمِ وَمُوَاضَعَاتِ الْخِطَابِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إذَا لَـمْ تَخْـشَ عَـاقِبَـةَ اللَّيَـالِـي        وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَـلاَ وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْـــشِ خَيْرٌ        وَلاَ الدُّنْيَا إذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْـرٍ        وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ


وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاشِيُّ[1] فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحِ دَعَاهُ تَرْكُ الْحَيَاءِ إلَى أَنْ يَعْمَلَ مَا يَشَاءُ لاَ يَرْدَعُهُ عَنْهُ رَادِعٌ. فَلِيَسْتَحِي الْمَرْءُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ يَرْدَعُهُ. وَسَمِعْت مَنْ يَحْكِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ إذَا عُرِضَتْ عَلَيْك أَفْعَالُك الَّتِي هَمَمْت بِفِعْلِهَا فَلَمْ تَسْتَحِ مِنْهَا لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا فَاصْنَعْ مَا شِئْت مِنْهَا. فَجَعَلَ الْحَيَاءَ حَكَمًا عَلَى أَفْعَالِهِ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ؛ وَالاوَّلُ أَشْبَهُ لأَِنَّ الْكَلاَمَ خَرَجَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَخْرَجَ الذَّمِّ لاَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ. لَكِنْ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ بِمَا يُضَاهِي الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: {مَا أَحْبَبْت أَنْ تَسْمَعَهُ أُذُنَاك فَأْتِهِ، وَمَا كَرِهْت أَنْ تَسْمَعَهُ أُذُنَاك فَاجْتَنِبْهُ}.

وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَعْنَى الصَّرِيحِ فِيهِ وَيَكُونُ التَّأْوِيلُ الاوَّلُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَصَحَّ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهَا مُتَّفِقَةَ الْمَعَانِي بَلْ اخْتِلاَفُ مَعَانِيهَا أَدْخَلُ فِي الْحِكْمَةِ وَأَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ إذَا لَمْ يُضَادَّ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَيَاءَ فِي الانْسَانِ قَدْ يَكُونُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدِهَا: حَيَاؤُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: حَيَاؤُهُ مِنْ النَّاسِ. وَالثَّالِثِ: حَيَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ.

فَأَمَّا حَيَاؤُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَالْكَفِّ عَنْ زَوَاجِرِهِ. وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ فَكَيْفَ نَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ؟ قَالَ: مَنْ حَفِظَ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَتَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَذَكَرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، فَقَدْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ}. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَبْلَغِ الْوَصَايَا.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، مُصَنِّفُ الْكِتَابِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي: فَقَالَ: اسْتَحِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ. ثُمَّ قَالَ: تَغَيَّرَ النَّاسُ. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: كُنْتُ أَنْظُرُ إلَى الصَّبِيِّ فَأَرَى مِنْ وَجْهِهِ الْبِشْرَ وَالْحَيَاءَ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ الْيَوْمَ فَلاَ أَرَى ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَصَايَا وَعِظَاتٍ تَصَوَّرْتُهَا، وَأَذْهَلَنِي السُّرُورُ عَنْ حِفْظِهَا وَوَدِدْت أَنِّي لَوْ حَفِظْتهَا. فَلَمْ يَبْدَأْ بِشَيْءٍ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَيَاءِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلَ مَا سَلَبَهُ الصَّبِيُّ مِنْ الْبِشْرِ وَالْحَيَاءِ سَبَبًا لِتَغَيُّرِ النَّاسِ، وَخَصَّ الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِيهِ بِالطَّبْعِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. فَصَلَّى اللَّهَ وَسَلِمْ عَلَى مَنْ هَدَى أُمَّتَهُ، وَتَابَعَ إنْذَارَهَا، وَقَطَعَ أَعْذَارَهَا، وَأَوْصَلَ تَأْدِيبَهَا، وَحَفِظَ تَهْذِيبَهَا، وَجَعَلَ لِكُلِّ عَصْرٍ حَظًّا مِنْ زَوَاجِرِهِ، وَنَصِيبًا مِنْ أَوَامِرِهِ. أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى قَبُولِهَا بِالْعَمَلِ، وَعَلَى اسْتِدَامَتِهَا بِالتَّوْفِيقِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاَثَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِظْنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {اسْتَحِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْيَاءَك مِنْ ذَوِي الْهَيْبَةِ مِنْ قَوْمِك}. وَهَذَا الْحَيَاءُ يَكُونُ مِنْ قُوَّةِ الدَّيْنِ وَصِحَّةِ الْيَقِينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {قِلَّةُ الْحَيَاءِ كُفْرٌ}. يَعْنِي مِنْ اللَّهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {الْحَيَاءُ نِظَامُ الايمَانِ فَإِذَا انْحَلَّ نِظَامُ الشَّيْءِ تَبَدَّدَ مَا فِيهِ وَتَفَرَّقَ}. وَأَمَّا حَيَاؤُهُ مِنْ النَّاسِ فَيَكُونُ بِكَفِّ الاذَى وَتَرْكِ الْمُجَاهَرَةِ بِالْقَبِيحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ اتَّقَى اللَّهَ اتَّقَى النَّاسَ}. وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ أَتَى الْجُمُعَةَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ انْصَرَفُوا فَتَنْكَبَّ الطَّرِيقَ عَنْ النَّاسِ، وَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَحِي مِنْ النَّاسِ.

وَقَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:

وَلَقَدْ أَصْرِفُ الْفُؤَادَ عَنْ الشَّيْ        ءِ حَيَــاءً وَحُبُّهُ فِي السَّـــــوَادِ
أُمْسِكُ النَّفْسَ بِالْعَفَافِ وَأُمْسِي        ذَاكِرًا فِي غَدٍ حَدِيثَ الاعَادِي


وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحَيَاءِ قَدْ يَكُونُ مِنْ كَمَالِ الْمُرُوءَةِ وَحُبِّ الثَّنَاءِ. وَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلاَ غِيبَةَ لَهُ}. يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، وَظُهُورِ شَهْوَتِهِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ مُرُوءَةَ الرَّجُلِ مَمْشَاهُ وَمَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ وَمَجْلِسُهُ وَإِلْفُهُ وَجَلِيسُهُ}. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَرُبَّ قَبِيحَةٍ مَا حَـالَ بَيْنِــي        وَبَيْنَ رُكُوبِهَـا الا الْحَيَــاءُ
إذَا رُزِقَ الْفَتَى وَجْهًا وَقَاحًا        تَقَلَّبَ فِي الامُورِ كَمَا يَشَاءُ


وَقَالَ آخَرُ:
إذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا        وَتَسْتَحِي مَخْلُوقًا فَمَا شِئْت فَاصْنَعْ

وَأَمَّا حَيَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ بِالْعِفَّةِ وَصِيَانَةِ الْخَلَوَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لِيَكُنْ اسْتِحْيَاؤُك مِنْ نَفْسِك أَكْثَرَ مِنْ اسْتِحْيَائِك مِنْ غَيْرِك. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ عَمِلَ فِي السِّرِّ عَمَلاً يَسْتَحِي مِنْهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ فَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ قَدْرٌ. وَدَعَا قَوْمٌ رَجُلًا كَانَ يَأْلَفُ عِشْرَتَهُمْ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ، وَقَالَ: إنِّي دَخَلْت الْبَارِحَةَ فِي الارْبَعِينَ وَأَنَا أَسْتَحِي مِنْ سِنِي. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
فَسِرِّي كَإِعْلاَنِي وَتِلْكَ خَلِيقَتِي        وَظُلْمَةُ لَيْلِي مِثْلُ ضَوْءِ نَهَارِيَ

وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحَيَاءِ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضِيلَةِ النَّفْسِ وَحُسْنِ السَّرِيرَةِ. فَمَتَى كَمُلَ حَيَاءُ الانْسَانِ مِنْ وُجُوهِهِ الثَّلاَثَةِ، فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الشَّرِّ، وَصَارَ بِالْفَضْلِ مَشْهُورًا، وَبِالْجَمِيلِ مَذْكُورًا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَإِنِّي لِيُثْنِيَنِي عَنْ الْجَهْلِ وَالْخَنَى        وَعَنْ شَتْمِ ذِي الْقُرْبَى خَلاَئِقُ أَرْبَعُ
حَيَاءٌ وَإِسْلاَمٌ وَتَقْــوَى وَطَاعَــةٌ        لِــرَبِّي وَمِثْلِي مَـنْ يَضُــرُّ وَيَنْفَـــعُ


وَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِ وُجُوهِ الْحَيَاءِ لَحِقَهُ مِنْ النَّقْصِ بِإِخْلاَلِهِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَلْحَقُهُ مِنْ الْفَضْلِ بِكَمَالِهِ. وَقَدْ قَالَ الرِّيَاشِيُّ: يُقَالُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الشَّعْرِ:

وَحَاجَةٌ دُونَ أُخْرَى قَدْ سَخَتْ لَهَا        جَعَلْتُهَا لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْوَانَــا
إنِّي كَأَنِّي أَرَى مَـنْ لاَ حَيَـاءَ لَـــهُ        وَلاَ أَمَانَةَ وَسْطَ الْقَوْمِ عُرْيَانَا


[1] هو أبو بكر القفال الشاشى، من كبار الفقهاء والمحدثين، ونسب إلى الشاش، وعني بمذهب الشافعى. توفي سنة 366 هجري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق