السبت، يناير 15، 2011

رسالة من تونس

"إذا الشعب يوما أراد الحياة"
اريبيان بزنس - في يوم الجمعة, 14 يناير 2011

فشل بن علي في قراءة الرسالة التي كتبها بالنار على جسده شاب تونسي مسحوق بين ملايين من العاطلين عن العمل، بعث برسالة حين سلبوا منه وسيلة قوته الأخيرة، لتنطلق شرارة ثورة الحرية.

محمد البوعزيزي اشعل النار في نفسه في الشهر الماضي احتجاجا على مصادرة الشرطة لعربته التي يبيع فيها بضاعته، مما تسبب في اندلاع احتجاجات واسعة في ولاية سيدي بوزيد التونسية وقد توفي ليل الثلاثاء بمستشفى الحروق البليغة بتونس.

كان سقوط زين العابدين بن علي متوقعا بعد سقوط الممرضات مغشيات على أنفسهن، لدى مشاهدة الرؤوس مفتوحة، ومن من هول التنكيل بالجرحى والقتلى على يد الشرطة التونسية.

وفيما تتسابق الدول الأوروبية لاستقبال زين العابدين مع "ملياراته"، يسري الرعب والتعيم الإعلامي (الرسمي) على أنباء ثورة الحرية في تونس في دول عربية وغربية كثيرة.

كيف قرأ زين العابدين الرسالة؟

وفقا لرويترز، زار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي البوعزيزي في المستشفى الاسبوع الماضي كما استقبل عائلته بقصر قرطاج وقال انه يتفهم احباط الشبان العاطلين، لكنه اضاف ان الشغب يضر بصورة تونس لدى المستثمرين والسياح الاجانب!

صورة تونس لدى الأجانب أهم من حقائق ومرارة ملايين العاطلين عن العمل وفقا لبن علي!

هل هذا الرد يمكن قبوله أو فهمه من قبل محمد الذي يعيل 17 فردا من عائلته لكن دولته تفضل أن تطرده لتتجمل أمام السياح والمستثمرين؟

وبن علي محق من جانب واحد وهو أن مصلحته العائلية وحاشيته تستدعي حماية المستثمرين وزيارته لمحمد بوعزيزي هي حركة علاقات عامة موجهة للإعلام المحلي، وقد انتهت صلاحية هذه "الحركات" منذ زمن بعيد.

يؤكد تعاطي الأنظمة القمعية مع شعوبها إنها لا تقرأ الرسائل ولو كتبت بحروف ضخمة، بل تخبئ رأسها كالنعامة بدلا من معالجة أزمات البطالة والفساد.

كالعادة، ألقى بن علي باللوم على حاشيته ممن "خدعوه" طوال عشرات السنين من حكمه المديد، ولم يكن مدركا سوء حال شعبه!

ورغم أن افتتح خطابه بالقول: "فهمتُ التونسيين" لكنه بقي حقيقة أبعد ما يكون عن فهم ما يجري قربه.

دليل عدم فهمه أنه ساوم بوعد بأنه لن يترشح عام 2014!

هل بواجه ضحايا الجوع والغضب وقمع السنين بوعد لا يستجيب للحد الأدنى من رغبات شعب اعتاد وعودا كاذبة من أول يوم تولى فيه زين العابدين السلطة؟

قبل ذلك، كانت قوى الأمن التونسية تقمع الإعلام وتحجب الإنترنت ولا تزال، وها هي تنكل بالمتظاهرين كالذئاب المسعورة حين تمسك بأحد الشبان التونسيين الأبطال، فهل خاف التونسيون من التنكيل والدماء والرؤوس التي سحقت وخرج الدماغ منها؟

على العكس، زداد إصراراها على طلب الحرية، كمن يشاهد أجساد أولاده تمزقها الجوارح، حتى الخانع والمستكين لن يسكت وقتها.

هتف التونسيون نشيدهم: "نموت نموت ويحيا الوطن"، من رائعة لحن الحياة " للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، التي استنهضت الهمم واستلهمتها ثورة تونس التي ستستعيد خضارها.

فهؤلاء المسحوقين رفضوا أن يكونوا انتحاريين، وهتفوا "نموت نموت ويحيا الوطن" هذه الصيحة تسمعها شعوب الشرق الأوسط وستكون هذه السنة حبلى بقصائد أخرى.

تخلي شركة العلاقات العامة الامريكية WMG، قبل أسابيع عن تجميل النظام، كان أيضا مؤشرا لسقوط بن علي، فالشركة التي تولت تجميل صورة النظام التونسي أنهت عقده برسالة إلى وزير الاتصالات سمير عبيدي، لأن الحكومة التونسية رفضت تنفيذ المقترحات والإصلاحات لتعديل حالها، مما جعلها "منتجا" غير مرغوب فيه من قبل شركة العلاقات العامة المذكورة.

فالحكومة التي تطلق النار على مواطنيها وتنتهك حقوقهم لا أمل فيها ولا يمكن تجميل نواتها القبيحة مهما دفعت من ثروات لخبراء "التجميل" والعلاقات العامة، وفقا لوثيقة إنهاء خدمات الشركة الموجودة على الرابط http://motherjones.com/files/wmg-tunisia-letter.pdf.

يفيد فحوى الوثيقة أنه لا يمكن تحسين صورة الدولة بصفات لا تتسق بالحقائق على الأرض خاصة أنها ترفض أي نوع من الإصلاحات الضرورية التي قدمتها استشارات تلك الشركة بل جرى تخريب كل الجهود التي قامت بها الشركة بإجراءات قمعية لا داع لها.
ولا يمكن لأحد أن يغفل دور وثيقة ويكيليكس : على الرابط  http://wikileaks.ch/cable/2008/06/08TUNIS679.html،

فهذه كشفت للتونسيين الذين تداولوها على نطاق واسع كيف حقق الفساد لحاشية الرئيس وتكسبهم منه، ثروات هائلة، من استباق خصخصة البنوك بمعلومات داخلية للاستثمار فيها لتحقيق أرابح طائلة بطرق غير شرعية، إلى تفاصيل البذخ والثروات الخيالية في طائرات ويخوت خاصة لأقارب الرئيس ممن يعبثون بالمليارات رغم أنهم لا يفقهون شيئا في السياسة ولا الاقتصاد ولا أبسط قواعد اللياقة مع خدم منازلهم، وفقا لبرقية السفير الأمريكي تلك.
لا غرابة أن يكلفهم طرد محمد بوعزيزي من حيه طردهم جميعا من تونس، فهم لا يقرؤون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق