عرض وتحليل أ. خلف عبد الرءوف
أولا ً: تعريف بالمؤلف
الأستاذ محمد عبد الشافي كاتب وأديب وناقد مصري معروف بتوجهاته الإسلامية.. له العديد من المؤلفات الأدبية.
ثانيا ً: تعريف بالكتاب
أدونيس، كمال أبو ديب، عبد الوهاب البياتى، أحمد عبد المعطى حجازي، لويس عوض ،غالى شكري، جابر عصفور.. ومن قبلهم فرح أنطون، وسلامة موسى، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين.
وغيرهم ممن تطول بهم القائمة السوداء من دعاة التغريب والحداثة، من السادرين في ظلمات الجاهلية بدعوى العلم والتنوير.
هؤلاء وغيرهم من دعاة التغريب ورواد مدرسة الحداثة في الشعر والأدب وما يدعون إليه وما يدعونه.. وأهدافهم ما ظهر منها وما بطن، أو قل أهداف الذين اصطنعوهم واستعملوهم لمحو ذاكرة الأمة وتدمير عقائدها والاستخفاف بلغتها وآدابها وتحويل العقل العربي إلى وعاء تصب فيه نفايات الفكر الغربي وكناسته.
هؤلاء وما يدعون إليه ومن وراءهم موضوع كتاب "الصفحات السود" للأستاذ محمد عبد الشافي.
الكتاب يقع في 263 صفحة من القطع المتوسط.. ومؤلف من قسمين الأول منهما بعنوان "تجليات المشهد التغريبي".
والقسم الثاني بعنوان "أولياء التغريب.. ورهبان الحداثة".
يكشف لنا المؤلف في القسم الأول "تجليات المشهد التغريبي" خيوط المؤامرة الاستعمارية التي نسجت مطلع القرن العشرين من قبل القوى الاستعمارية.. من أجل تذويب وطمس الهوية الإسلامية والعربية.
ويستعرض المؤلف من خلال فصول القسم الأول الأسلحة التي استخدمها الاستعمار وأعوانه من المنتسبين إلى الأدب والفكر وأهدافه والميادين التي خاض فيها معركته وما زال.
العربية في مواجهة العواصف
كانت اللغة العربية غرضا ً توجه له الطعنات في كل بلد حل فيه الاستعمار الأوروبي.. ويرجع الكاتب سبب ذلك إلى ما تمثله اللغة العربية من رمز وعنصر من عناصر توحد الأمة فكريا ً وثقافيا ًً، وكونها لسان التنزيل ووعاء الإسلام.. والصلة التي تربط الأمة بتراثها الفكري والأدبي.
فقد راح الأولون من رواد التيار التغريب يروجون الدعايات والأباطيل ضد اللغة العربية من العجز عن استيعاب مفردات ومصطلحات العلم والحضارة الحديثة، ونسى هؤلاء أن هذه اللغة هي التي ترجمت إليها حضارات الفرس والهند.. وهى التي استوعبت الفلسفة الإغريقية بكل تعقيداتها وعقدها.. وأن أوروبا التي تقوم حضارتها على أساس هذه الفلسفة لا تعرف حتى الآن ترجمة لاتينية للفلسفة الإغريقية.. وأن اللغة العربية ظلت لغة الحضارة لأربعة عشر قرنا ً من الزمان.
ويرصد الكاتب المدارس والرموز الفكرية التي خاضت المعركة ضد اللغة العربية ويبرز في هذا المضمار المستشرق الانجليزي وليم ولكوكس، وصبيان التغريب وعملاء الاستعمار أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى الذي وصف اللغة العربية بأنها "لغة ميتة ".. وينقل عنه قوله: "إن الفصحى في اعتقادي كانت لغة الكتابة فقط، أي لغة ميتة حتى في زمن نزول القرآن، ولكن تعليم العربية في مصر لا يزال في أيدي الشيوخ الذين ينقعون أدمغتهم نقعا ً في الثقافة العربية، أي في ثقافة القرون المظلمة..".
وفى بلاد الشام وجد المستشرقون والمبشرون من يعينهم في حملتهم على اللغة العربية أمثال الدكتور أنيس فريحة وسعيد عقل.
وقد انبرى للدفاع عن اللغة وآدابها جمهرة من الأدباء الحقيقيين المخلصين لها.. من أمثال مصطفى صادق الرافعي والمنفلوطي والعقاد والمازني وجاويش وعبد الرحمن شكري وغيرهم.
طوفان المذاهب والنظريات الوافدة
كانت معركة اللغة العربية بما ترمز إليه من موروث عقائدي وفكري وحضاري تمهيد وتهيئة لما تبعها من موجات تغريب الثقافة والآداب والفنون وعلمنة الفكر.. والتي صاحبت الحملات العسكرية وفترات الانتكاس والانهزام التي واجهت الأمة.
فبعد أن كان أدبنا العربي أدبا ً إسلاميا ً تربويا ً يقوم على أساس من القيم والأخلاق، راح تحت وطأة الزحف الثقافي الغربي يتخذ أشكالا ً وأغراضا ً أخرى ليست وليدة تطور اجتماعي أو ثقافي طبيعي.. ولكنها نقل وتقليد أعمى لمدارس ومذاهب أنتجتها عوامل الحياة والحضارة الأوروبية بما أنتجته من حروب مروعة ـ الحربين العالميتين ـ والتي دمرت معظم موروث الحضارة الإنسانية.
هذا الواقع الأوروبي الذي شهد طغيان العقل والعلم نتجت عنه ردة فعل تمثلت في ظهور المذاهب الفكرية الرافضة لكل ما هو معقول وواقعي ومألوف وأخلاقي.. بعد أن هزت الكارثة كل القيم والثوابت فظهرت العدمية واللامعقول واللاواقع وتفشت شحنات القلق والضياع والغربة والانكفاء على الذات، وشاع الرمز والغموض حتى صار صبغة وطابعا ً للآداب الأوروبية شعرها ونثرها.
في هذه الفترة ظهر في أدبنا العربي ما سمى بـ " الشعر الحر" أو "الشعر الحديث" ـ تحديدا ً في الأربعينيات ـ كمحاولة للتجديد.. واختلفت أهداف أصحابه مابين التواصل مع التراث أو القطيعة معه.
لكنه اتخذ من قبل أبواق الغرب أنموذجا ً للقطيعة مع كل موروث الأمة وأداة لترسيخ القيم والأفكار والمذاهب الأدبية والفكرية الغربية.
لقد تحول الشعر الحديث إلى أنموذج للتمرد ليس على العمود الخليلي وبحوره وتفعيلاته وقوافيه فقط.. ولكن على الماضي بكل تجلياته الفكرية والأخلاقية والدينية.
فها هو جبران خليل جبران في كتابه "المجنون" يدعو إلى هدم المعتقدات والقيم والأفكار والماضي بكل ما فيه من تراث.
لقد انغمس شعراء الحداثة رويدا ً رويدا ً في المذهب الرمزي بأفكاره الغيبية اللاواعية تقليدا ً لشعراء الفرنسية "بودلير، وريمبو، ومالارميه".. لتنقلب الرمزية إلى سريالية ممعنة في الغموض واستبعاد العقل والإيغال في الأسطورة والخرافة والاغتراب والقطيعة مع الواقع والماضي والعقل في آن، كل ذلك باسم "الحداثة".
ضحايا الحداثة.. ومآتم الحداثيين
الأكثر خطورة في الحداثة أنها لم تعد غزوا ً فكريا ً خارجيا ً.. وإنما صارت مدرسة في الأدب العربي بعد أن اعتنقها المستغربون والعملاء وقبضوا الثمن سرا ً وعلانية، فراحوا يرددون كالببغاوات والعجماوات بوعي وبغير وعى كل خزعبلات وهلاوس الأدب الأوروبي بإلحاده وكفرياته وتمرده على كل المحرمات والمقدسات.. مكتسية بثوب عربي لقيط.
فقد عمد هؤلاء المتشاعرين إلى ما أسموه "بتفجير اللغة" أي تحرير لغة الشعر من قواعد النحو ومن معانيها السائدة وتركيباتها التقليدية مع تفريغ القصيدة من أي غرض أو موضوع، فالغموض والإبهام والإغلاق والتيه هو جوهر الشعر عندهم وهو جوهر الإنسان أيضا ً.
يقول كمال أبو ديب أحد كهان الحداثة وسدنتها:
"الحداثة هي أرض الضياع، تيه بلا علامات، تيه جسده أدونيس في خلق مهيار الذي لا أسلاف له وفى خطواته جذوره. من هذا المنظور تصبح الحداثة لا احتجاجاً على السلطة الدينية، أو رفضا لها، أو صراعا ً معها وحسب بل انسلاخا ً منها، وانتماء لما يقع خارجها. هكذا تعيش الحداثة في مناخ الحرية المطلقة بلا قيود أو قوانين مسبقة تضبطها.. هكذا تنتهي الحداثة إلى نقطة اللاعلائقية، لتصبح انقطاعا عن الماضي .. وانفصاما ً عن الحاضر".
وينقل المؤلف عن " خالدة سعيد" زوجة زعيم الحداثيين وشيطانهم الرجيم "أدونيس" قولها:
"عندما كان طه حسين وعلى عبد الرازق يخوضان معركة ـ زعزعة الأنموذج (تعنى الكتاب والسنة) بإسقاط صفة الأصالة فيه، ورده إلى الموروث التاريخي، فيؤكدان أن الإنسان يملك موروثه ولا يملكه هذا الموروث ويملك أن يحيله إلى موضوع للبحث العلمي والنظر، كما يملك حق إعادة النظر فيما اكتسب صفة القداسة (القرآن والحديث) وحق نزع الأسطورة عن المقدس، وحق طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة".
لقد فر الحداثيون من كل الموروث الحضاري والعقائدي والأدبي لأمتهم بحجة كسر القيود وتحرير العقل والإبداع من التقليد والرتابة، فإذا بهم قد وقعوا فيما أرادوا الفرار منه فصاروا عبادا ً لمدارس فكرية ونظريات فلسفية ضيقة مختنقة مغلقة لا ينفكون عنها.. تصب كلها في بوتقة العبثية واللامعقول.. ولا تنفك عما رسمه سلفا ً أمثال كافكا وبيكيت وسارتر وفولكنر وآلان روب جرييه.
لقد رفضوا بحور الشعر العربي، وأبو أغراضه، وتمردوا على موضوعاته ليقعوا في حفرة ضيقة عنوانها الغموض والإغلاق.
يقول الدكتور عبد الحميد إبراهيم، هازئا بالحداثيين:
"أقرأ للواحد من نقاد الحداثة فكأنني قد قرأت للجميع وأقرأ كتاب الواحد منهم فكأنني قرأت جميع كتبه".
كناسة الشعر
هكذا يصف الكاتب شعر الحداثيين بينما يصفه الأستاذ رجاء النقاش الناقد الأدبي المعروف بـ "شعر العبث".
وينقل الكاتب عن كتاب "ثلاثون عاما ً مع الشعر والشعراء" للأستاذ رجاء النقاش قوله:
"هذه المدرسة التي يتزعمها أدونيس اعتمدت على أفكار القوميين السوريين القديمة في معاداة العروبة، واعتمدت من جانب آخر على أساليب التعبير المليئة بالألغاز والرموز المغلقة ....".
وينقل الكاتب طرفا ً من شعر الحداثيين ليدلل على تفاهته وعبثيته أمثال أدونيس وأنسى الحاج وتوفيق الصايغ وأمجد ريان، وسوف أقتصر هنا على عرض بعضه.
فهذا أدونيس زعيم الحداثيين في إحدى قصائده يقول:
مكان ولادتي
1930الشمس قدم الطفل
عرفت أقل من امرأة
لأنني تزوجت بأكثر من امرأة
عرفت أقل من رجل
لأنني تزوجت بأكثر من رجل
أعلنا..
الزواج غبار..
لكن ..
مثل يرقة تتحول إلى فراشة..
هكذا يتحول الزواج.
إلى زهرة من العشق.
ويقول توفيق الصايغ:
أريدني عدما في قبعة
وأريدك عينين منومتين وأصابع رشيقة
تعبث بالقبعة وبالرائين وبي
وتبعثني أرنبا ً ينط.
زنادقة الشعر الحديث
ليس هذا الغثاء وحده هو نتاج الحداثة بل ذهب الحداثيون إلى ما هو أقبح من ذلك من اجتراء على الدين وقدح في الذات الإلهية.. تناولها الكاتب في الفصل التالي.
لقد قام شعر الحداثيين على أساس من رفض الشريعة الإسلامية والسخرية من الأنبياء وقلب الرموز الإسلامية، وتشويه دلالتها.. وفى المقابل إشاعة الرموز الوثنية اليونانية، مثل : سيزيف وبرومثيوس وأوديب وعيون ميدروزا وزيوس وأبوللو وأفروديت ... إلخ.
فإذا استلهموا شيئا ً من التراث العربي فلا يقعون إلا على ما فيه من شذوذ وانحرافات أمثال السهروردى والحلاج وأبى نواس والديلمى وبشار.
ويعرض الكاتب لنماذج من كفريات الحداثيين المسماة زورا ً وبهتانا ً شعرا ً من أمثال بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وصلاح عبد الصبور، وبلند الحيدرى والفيتورى، وأحمد عبد المعطى حجازي وغيرهم من ملاحدة الحداثة.
وسأكتفي بثلاثة نماذج منهم فقط مما ساقهم الكاتب.
يقول بدر شاكر السياب في إحدى قصائده:
فنحن جميعا أموات
أنا ومحمد والله
هذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
عليها يكتب اسم محمد والله
على كسر مبعثرة من الآجر والفخار
فيا قبر الإله على النهار
ظل لألف حربة وفيل
ويقول عبد الوهاب البياتى في ديوانه "كلمات لا تموت":
الله في مدينتي تبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرد طريد
أراده الغزاة أن يكون
لهم أجيرا ً شاعرا ً قوادا ً
يخدع في قيثارة المذهب العباد
لكنه أصيب بالجنون
ويقول شيطان الحداثة الرجيم "أدونيس":
رقصت للأفول
لجثة الإله
لا الله أعبد ولا الشيطان
ما القسم الثاني من الكتاب فقد اختار له الكاتب عنوان
كلاهما جدار
هذا غيض من فيض تعج به دواوين الحداثيين وتسود به صفحات مجلاتهم القبيحة الأجيرة "حوار" و "فصول" و "شعر" و "مواقف".
ومما قاله نزار قباني في نقد شعر الحداثيين:
"والشعر الجديد يحاول أن يقتصد في كل شيء.. في الحبر.. وفي الورق، وفي الوزن وفي النحو، وفي الصرف، وفي قواعد اللغة العربية، بحيث تخرج من الوليمة وأنت مصاب بفقر الدم.. وفقر الشعر.. وفقر الإيقاع. شعرنا الجديد عبارة عن ساندويتشات ليس في داخلها شيء سوى قشور لغوية وأخلاط كيميائية مجهولة التركيب، وتمارين إنشائية يمكن لأي تلميذ في المرحلة الابتدائية أن يكتب أحسن منها".
وشهد شاهد من أهلها
ما قاله نزار قباني قطرة في محيط مما سطره شعراء الحداثة ونقادها وسدنتها، عما أصاب مدرستهم من سقوط اعترف به أكثرهم، وقد تتبع الكاتب في هذا الفصل أقوالهم ورصد شهادات الحداثيين عن تهافت مدرستهم، من أمثال أحمد عبد المعطى حجازي وأحمد مطر، ونورى الجراح وشوقي بغدادي، وأمل دنقل، وبلغ حنق الشاعر فاروق شوشة على الحداثة وشعرائها من جيل السبعينات، أن قال: "إن جيل السبعينات هم صراصير يجب أن يداسوا بالأحذية"
ثم يورد الكاتب آراء طائفة من النقاد ممن ينتمون لمدرسة الحداثة، وآخرين ممن يرفضون هذه المدرسة أمثال الأستاذ عبد القادر القط، والأستاذ جابر الأنصاري، ومحمود أمين العالم وغيرهم.
ثم في نهاية هذا الفصل يلخص الكاتب في نقاط موجزة أوجه النقد والمؤاخذة والمطاعن التي وجهها النقاد إلى مدرسة الحداثة.
وينهى الكاتب بهذا الفصل القسم الأول من الكتاب .
ما القسم الثاني من الكتاب فقد اختار له الكاتب عنوان
"أولياء التغريب ورهبان الحداثة "
في هذا القسم من الكتاب يعمد الكاتب إلى رؤوس الفتنة وحملة لواء التغريب ودعاة الحداثة والتنوير من جيل الرواد ومن تبعوهم شر إتباع فيكشف أغراضهم الخبيثة ويثبت بالوثائق عمالتهم وخيانتهم لبلادهم ولدينهم ولتاريخ أمتهم.
ويبدأ الكاتب بفرح أنطون أحد زنادقة المدرسة البيروتية والتي ضمت صنائع التبشيريين أوائل القرن العشرين أمثال، شبلي شميل وجورجي زيدان ويعقوب صروف وسليم وبشارة تقلا وغيرهم من الشوام.
ويعرض الكاتب لتاريخ أنطون سعادة زعيم القوميين السوريين.. والذي أعدم بعد انكشاف عمالته وخيانته عام 1949.. وهو أستاذ أدونيس ومعلمه وهو الذي سماه بهذا الاسم بدلا ً من اسمه الأصلي "على أحمد سعيد".
أما فرح أنطون فقد أعلن ردته عن النصرانية وإنكاره لكل الأديان، وتبعه في ذلك سلامة موسى، بينما أعلن إسماعيل أدهم ـ أحد رواد جيل التنوير ـ ردته عن الإسلام وكتب مقاله الشهير "لماذا أنا ملحد" فرد عليه العلامة والمفكر الإسلامي محمد فريد وجدي بمقال بعنوان "لماذا أنا مسلم".
وسار في هذا التيار ـ التنويري ـ أحمد لطفي السيد وطه حسين دون أن يملك كل منهما جرأة إعلان ردته عن الإسلام أو إلحاده صراحة، وجاء من بعدهم ربيبهم لويس عوض ، وان كان مستمسكا بنصرانيته إلى درجة التعصب.. ولكنه نسج على ذات المنوال في تهجمه على الإسلام وعلى لغة القرآن.
وبرغم كثرة ما نظر هؤلاء وأتباعهم وثرثروا وسودوا من الصفحات وألفوا من الكتب.. إلا إنهم جميعا ً يكرر آخرهم ما قاله أولهم، الذي لا يعدوا أن يكون ترديدا ً لأفكار غلاة المستشرقين، يصل إلى حد النقل الحرفي أو ما يسمى بالسرقات الأدبية ليس للأفكار فقط.. بل لفصول كاملة وكتب بأكملها ضمنوها مؤلفاتهم ونسبوها لأنفسهم.
فنبذ اللغة العربية وتشويه تراثها ومعارضة الإسلام بعقائده وشرائعه وتزوير تاريخ الأمة، وفى المقابل الارتماء في أحضان المستعمر الغربي والاقتيات على نفايات أفكاره وفلسفاته.. هي الأغراض التي لم تنفك عنها كتابات التغريبيين والحداثيين من لدن أحمد لطفي السيد تلميذ اللورد كرومر وصديقه الحميم ونهاية بأدونيس وتلامذته ومريديه.
فالقوم لا يستحون من إعلان كفرهم وإلحادهم وعمالتهم للاستعمار الغربي وحبهم للصهاينة، ويعلنون ذلك صراحة أو ضمنا فلا تكاد تقع على كتاب لأحدهم.. أو حتى مقال هاجم فيه الاستعمار.. أو تعرض فيه لقضية فلسطين.. لينحى باللائمة على الاحتلال الصهيوني للأرض العربية وتهويد المقدسات الإسلامية أو يدعو فيه إلى وحدة الأمة.
لقد كشفت كتاباتهم عن مكنون نفوسهم، وأكدتها الوثاق السياسية وتقارير أجهزة الاستخبارات الغربية.
صورة العميد في الوثائق السرية
"الوثائق السرية" هو عنوان كتاب للباحث الأيرلندي البروفيسور "آدمز فيلدمان".. أعتمد فيه الكاتب على الوثائق السرية التي أفرجت عنها أجهزة الاستخبارات الفرنسية.. والتي تتناول الدور الذي لعبه بعض المثقفين العرب لحساب أجهزة المخابرات الأوروبية.. ومن بينهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
فيتناول قصة زواجه وتعميده ـ تنصيره ـ داخل إحدى الكنائس الفرنسية.. والدور الذي لعبه في مراحل حياته المختلفة وعلى تعدد مناصبه بدءً من التدريس بالجامعة.. وحتى توليه وزارة المعارف.
ويكشف فيلدمان عن دور طه حسين في زعزعة العقيدة الإسلامية.. والتشكيك في القرآن من خلال محاضراته في الشعر الجاهلي.. والتي جمعها بعد ذلك في كتاب يحمل نفس الاسم.. كان بمثابة نقل حرفي لكتابات بعض المستشرقين أمثال مرجليوث وجولدزيهير.
ويضمن الكاتب الجزء الثاني من كتابه أربعة فصول.. يعرض في كل فصل منها لواحدة من مجلات الحداثة الشهيرة الأربعة وروادها ومؤسسيها وظروف النشأة المريبة.. وارتباطها المباشر بأجهزة الاستخبارات الغربية وسقوط مؤسسيها وانكشاف أمرهم.
مجلة "مواقف" للشيطان الرجيم "أدونيس" والذي تصدى له الناقد الأدبي الكبير رجاء النقاش كاشفا فضائح أدونيس وتهافت منطقه.. وعداوته الصارخة لكل ما هو عربي وإسلامي.. وكرهه الشديد لمصر ونقمته عليها لما تمثله من كونها قاطرة للعروبة ورمز لها ـ العجيب أن وزارة الثقافة المملوكة لفاروق حسنى وجوقته كرمت أدونيس ـ .
لقد جرت هذه المقالات الأدبية على الأستاذ رجاء النقاش معركة حامية الوطيس مع صبية أدونيس ومريديه وعلى رأسهم جابر عصفور.. ولكن الكاتب الكبير أعلن إصراره على كشف الحقائق وخوض المعركة على حد تعبيره: "ولو وقفت وحدي في الساحة".
وراح النقاش في كتابه "ثلاثون عاما من الشعر والشعراء" يفند كتاب أدونيس الذي نال به درجة الدكتوراة "الثابت والمتحول" ويكشف مطاعنه على الثقافة العربية والتاريخ الإسلامي.
أما مجلة "شعر" لمؤسسها يوسف الخال اللبناني الذي راح يسب ويلعن كل ما هو عربي وإسلامي على رؤوس الأشهاد.. فقد تكفل بكشف عمالته للمخابرات الأمريكية ـ التي مولت له مجلته ـ الأب جاك أماتييس السالسى في كتابه "يوسف الخال ومجلة شعر".. كما تصدى له الأديب محمد الماغوط وقد كان ضمن مؤسسي المجلة مع جماعة يوسف الخال.. ثم انقلب عليهم لما تكشفت له أغراضهم الخبيثة.
أما مجلة "حوار" التي تزعمها لويس عوض بعد انتحار رئيسه أو قتله قتلة الكلاب، ثم هروب المؤسس الثاني لويس عوض بعد افتضاح أمره وانكشاف عمالته.. ثم عودته بعد ذلك لمواصلة أكاذيبه وضلالاته والسير على خطوات أستاذه سلامة موسى والتي يعرض لها الكتاب الذي بين أيدينا بالنقد والتفنيد.
لقد راح لويس عوض يزيف الحقائق والتاريخ فيخلع عن التاريخ العربي كل محمده.. وأن وجد فيه ما لا يسعه إنكاره فإنه ينسب الفضل فيه إلى الثقافة اليونانية أو الاستعمار الصليبي الذي كان بمثابة طاقة النور التي أشرقت على ظلمات البداوة العربية لتنقلها إلى نور المدنية الأوروبية.
كما يفرد الكاتب فصلا ً للرد على جهالات جابر عصفور التي ضمنها كتبه ومجلته التي لا يقرؤها سوى أربعة فقط.. "فصول" والذي تربع على عرش الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة.
وقد اعتمد الكاتب إلى جانب ما ذكرنا في الرد على أباطيل التنويريين وكشف عمالة الحداثيين على وثيقة هامة تمثلت في الكتاب الذي أصدرته الكاتبة الأمريكية "فرانسيز ستونر سوندرز" والذي كشفت فيه دور المخابرات المركزية الأمريكية {CIA} في تمويل أنشطة ثقافية ومهرجانات فنية وإنشاء مراكز ثقافية في جميع أنحاء العالم من خلال برنامج الحرب الثقافية الباردة.
كان الغرض منه في بادئ الأمر مواجهة المد الثقافي الشيوعي عقب الحرب العالمية الثانية تطورت بعد ذلك للسعي من خلال العملاء من المثقفين للترويج للنمط الأمريكي في الفكر والثقافة والسلوك.
لقد استطاعت الكاتبة الأمريكية كشف النقاب عن أسرار التحولات الثقافية الكبرى لدى الكثير من المثقفين العرب وفضح حقيقة توجهاتهم والأهداف التي يسعون لتحقيقها لحساب المؤسسات الثقافية الغربية التي أنشأتها ومولتها المخابرات الأمريكية.
وختاما أتمنى أن أكون قد أحسنت عرض هذا الكتاب القيم للأستاذ محمد عبد الشافي.. وإن كنت على يقين أن ما كتبته لا يغنى عن قراءة الكتاب.. وإنما يشجع عليه ويهيئ له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق