الأربعاء، أبريل 11، 2012

قراءة في حقيقة تقسيم الدوائر الانتخابية (1).... د. عبد الحميد جبريل

نشر الدكتور الأمين بالحاج مقالته التي ستكون وثيقة في تاريخ ليبيا حول حقيقة ترسيم الدوائر الانتخابية لانتخاب المؤتمر الوطني ولا شك أن الرجل قد تحمل مسئولية كبيرة. وقد ذكر في بداية مقالته انه (يحاول أن يكون صريحا وصادقا)! نحن لا نريده أن يحاول بل يجب.
وأود في البداية أن اشكره علي صدقه وعدم مداهنته حول حقيقة ما جري. وما قاله لم يكن مجرد مقالة عادية وإنما وثيقة في حياة ليبيا وشهادة علي مرحلة بداية بناء الدولة الليبية وكيف كانت الأمور تجري. إن وضع هذه الوثيقة بمعمل التحليل سيعطى نتائج مهمة لقبول أو رفض قانون الانتخاب ومدي صحة تصميمه وبنائه علي قواعد وأسس قانونية وواقعية فقانون الانتخاب هو سبيل تأهل أعضاء المؤتمر الوطني لاجتياز امتحان الانتخابات للفوز بتذكرة الوصول إلي ذلك المؤتمر لتمثيل الليبيين بدرجة نائب ليدخل من فاز في ذلك الامتحان تاريخ ليبيا ويسجل كأحد صناعه المهرة ويعتز به من انتخبه لأنه رسم مستقبل ليبيا وكيف تكون دولة القانون والحقوق.





غير أن المعضلة منذ صدور القانون هو تحديد المدن المؤهلة لأن تكون ملعبا لتأهل أعضاء المؤتمر. وكلف المجلس الوطني وهو الوصي الشرعي علي السلطة في ليبيا د. الأمين بالحاج ليكون مهندس تعيين تلك المدن ولذلك من بداية مقالته ذكر أن قراراته كانت تحت إشراف المجلس ليحدد انه غير مسئول. فهل كان يشك في صحة وصدق ما صمم؟ لقد ذكر في بداية مقالته ووصفها بالخطوة الأولي انه اختص بتقسيم الدوائر وخلص من خلال تجارب الآخرين حول النظم الانتخابية إلي قوله: (من خلال المناقشات داخل اللجنة وبخبرتنا في المجلس الوطني في تقسيم أعضاء المجلس الوطني علي المدن، ومراعاة لواقع ليبيا من حيث اتساع المساحة وتوزيع السكان بشكل غير منتظم علي رقعة البلاد حيث أن أغلبية السكان موزعون في عدد محدود من المدن، من هذا خلصت اللجنة إلي اعتماد تقسيم الدوائر الانتخابية وفق معيار عدد السكان والمساحة الجغرافية وعرض الأمر علي المجلس ووافق عليه).
رأينا بعد نتائج التحليل
سنحاول في هذه المقالة تحليل الوثيقة التي قسمها د. بالحاج إلي ثماني خطوات وسنتبع منهجه بالرد علي هذه الخطوات.
الخطوة الأولي: ذكر السيد بالحاج انه واللجنة (لم يذكر بالحاج من هي اللجنة التي صاحبته) اعتمدوا ثلاث معايير في تقسيم الدوائر وهي:
المعيار الأول: خبرة بالحاج الشخصية في المجلس الوطني في تقسيم أعضاء المجلس علي المدن... فهل كان يقصد أن المقاعد تم تقسيمها علي أعضاء المجلس.. انه تقسيم لدوائر انتخابية ومقاعد لا تقسيم لحكومة ومحاصصة وما هو المقصود بخبرته الشخصية هل ليبيا أصبحت تحت طائلة خبرة مواطن واحد أم أن بالمجلس غلاظ شداد يهابهم الجميع يأخذون حصتهم أولا.
إن تقسيم المجلس الوطني أو اختياره بهذا الكم لدليل علي عدم توافق الليبيين فلو أن بينهم توافق لكان عدد محدود هم المجلس يمثلون كل ليبيا أما مجلس مكون من ما يزيد عن 50 عضوا فان احدهم لو تحدث دقيقة واحدة هذا يعني ساعة ولو تحدث احدهم 5 دقائق فهذا يعني خمس ساعات كيف يناقشون ويتحدثون في هموم ليبيا لا ادري. غير أن السيد بالحاج يعرفهم لأنه واحد منهم.
المعيار الثاني: (كما يقول بالحاج). مراعاة لواقع ليبيا من حيث اتساع المساحة وتوزيع السكان بشكل غير منتظم علي رقعة البلاد.. وضع بالحاج معيارين وهما المساحة والسكان وهو ما ذكره قانون الانتخابات معياري السكان والجغرافيا. غير أن ما يثير الاهتمام أن السيد بالحاج وصف معيار الجغرافيا باتساع المساحة وهذا واقع حقيقي. أما السكان فقد وصفه بأنه توزيع غير منتظم علي رقعة البلاد وهذا ما يثير الاهتمام.. ما الذي يقصده بالتوزيع غير المنتظم.. أعتقد انه قد وجد أن سكان المنطقة الغربية هم أكثر السكان لقد قال (انه قد عرض على المجلس رأى توافقي والمجلس وافق علي ذلك الرأى).. أن المعيار الجغرافي في تحديد الدوائر حسبما يعرفه القانونيين لسريان قانون الانتخابات هو توزيع مساحة البلاد بشكل متساوي دون النظر إلي عدد السكان وهو معيار حقيقي في حالة المؤتمرات التأسيسية مراعاة لطبيعتها فهو مؤتمر للتوافق علي مبادئ أساسية في العقد الاجتماعي.
وفي تقديرنا أننا لسنا في حاجة لحل توافقي.. ففي دراسة منشورة لعاملي السكان والجغرافيا في ليبيا أن توزيع المقاعد حسب نسبة السكان هو 51.5 % للمنطقة الغربية و30% للشرقية و14.5 للجنوبية و4.5 للوسطي.. وتوزيع المقاعد حسب الجغرافيا 51% للشرقية و13.5 للغربية و26.5 للجنوبية و9% للوسطي. فلو نظرنا إلي المنطقة الغربية والشرقية سنجد تعادل كامل بين المساحة والجغرافيا. ولو نظرنا لنوع الانتخاب الذي نود الوصول إليه إننا ننتخب لمؤتمر وطني وليس برلمانا وهذه معادلة لم تكن في ذهن مصمم قانون الانتخابات ولا مصمم الدوائر.. إن ما يعنيه المؤتمر الوطني شيء آخر غير ما يعنيه البرلمان. فالحل التوافقي للمزج بين عامل السكان والجغرافيا في حالة البرلمان شيء مقبول.
انتقاء النظام الانتخابي
إن النظام الانتخابي هو عملية فنية لتحديد كيفية تعبير المواطن عن إرادته في اختيار من ينوب عنه فهي لا تعدو عن كونها ترجمة الأصوات إلي مقاعد.. غير أن انتقاء النظام الانتخابي أو صناعته هي عملية سياسية بالدرجة الأولي يلعب السياسيون الدور الأساسي في تكوينه مراعاة لدرجة وقوفهم ضمن مكونات المجتمع فهم من يضع الرؤيا من خلف الستار أو المبادئ التي يستعملها القانونيون لصناعة نصوص القانون. والسياسيون في هذا الملعب قد لا يعيرون السياق الاجتماعي أهمية قصوى لأنهم يعرفون جيدا هشاشة النظام الحزبي اجتماعيا وبذلك يعتمدون قوة التأثير الشخصي في صناعة المبادئ المؤدية إلي بناء النظام الانتخابي قانونا.
ليس من المبالغة القول بأنه لا يوجد نظام انتخابي مثالي فلكل نظام مزاياه وعيوبه والاختيار بين نظام وآخر ليس اختيار بين نظام صالح وآخر طالح، بقدر ما هو ترجيح للنظام الأكثر ملائمة للظروف الموضوعية لتاريخ كل مجتمع وتقاليده وظروفه. فالنظام الانتخابي لا يمكن النظر إليه بعيدا عن المبادئ الدستورية التي سوف يؤسس لها والتحديات الواقعية التي تواجه النظام الديمقراطي هي مفهوم اجتماعي إن لم تحتويه القاعدة القانونية فإنها ستكون مستوردة أو مقلدة. وفي النهاية إن التكيف مع إحكام التاريخ الليبي الموضوعية تحتاج إلي فك رموز المجتمع الليبي لكي نبني سلطة حقيقية يرتضيها الجميع لا أن تبني السلطة علي قاعدة وهمية. هيئة تأسيسية منتخبة أو مبادئ دستورية قبل كتابة الدستور أو الانتخاب وفق المناطق الثلاث أو الأربعة بطريق التساوي لأننا ننتخب لمؤتمر وطني وليس برلمانا، فعدد السكان في مدينة ما مهما كثر فان شخصا واحدا يمكنه التعبير عن إرادتهم. وعدد السكان في مدينة ما مهما قل حجمه شخص واحد يعبر عن إرادتهم أم أن القاعدة مقلوبة... الأغلبية تعبر عما تريد.. ترك فئة صغيرة من المجتمع الليبي لم تعبر عن رأيها في كتابة الدستور سوف يثير من المشاكل ما لا يتصوره احد فالذي يسكن المدينة ليس كالذي يسكن القرية أو الواحة أو في حدود الصحراء فهل اجتمع الأغلبية لكي يكتبوا دستورا لهم.. إن حقيقة البرلمان أمر مختلف جدا فسوف تكون الأغلبية صاحبة الرأي إما في كتابة الدستور فهو عقد يجب أن يحضره الجميع الكبير والصغير.. عالم تابع للأمم المتحدة حتى وان تحصل علي اعلي الدرجات لا يساوي ليبي أكل التراب وشرب من ماء العيون ووقف في لهيب شمس ليبيا أما خبير الأمم المتحدة لم يعد سوي بنغالي تحصل علي شهادات عليا وترك بلده ليرتزق من غذاء الغرب لا يعرف حقيقة الليبيين ولا ظروفهم ولا ما يريدون دعون نلجأ إلي قاعدة المساواة لا آراء الآخرين.
المعيار الثالث: (كما يقول بالحاج) أن أغلبية السكان موزعون في عدد محدود من المدن. ومثار السؤال هنا هل نترك الفقراء أبناء ليبيا القرويون أم نراهم (حفايا) لا يستحقون حضور حفل توقيع العقد الاجتماعي ويعبرون عن إرادتهم.
المعيار الرابع: (كما يقول بالحاج) أن المجلس الوطني وافق علي عرضه. وفي هذه النقطة لا شك أن المجلس سوف يوافق لأن المصمم يعرف جيدا تركيبة المجلس العضوية كما قال. ولكنني لا اعرف ما يعني بمعرفته لتركيبة المجلس سوي أن فئة غالبة داخل المجلس. فقد نظر هو والمجلس إلي أن ليبيا تنقسم إلي أربع مناطق ولم يري الجميع أن ليبيا كلمة واحدة تقرأ من اليمين ومن الشمال وأننا نعقد اجتماع لكتابة عقد اجتماعي يسمي الدستور ونؤسس لدولة جديدة يرتادها الجميع بالتساوي الصغير والكبير، فالحرب قد ساوت بين الجميع، والمعتقد يلم الجميع أم أننا في الظاهر نقول ذلك وعند التوزيع نختلف حسب المصلحة. إن قانون الإرث يقول للذكر مثل حظ الأنثيين وهنا لا يقصد العدد وإنما يقصد التساوي عند التوزيع. فلم يفرق بين كبير وصغير ولم يراعي الحجم. كما أن قانون الانتخابات لم يأخذ بالموطن الانتخابي وهذه للإجابة على أن السكان موزعون بطريقة غير منتظمة على المدن الليبية. كل قوانين الانتخاب تأخذ بالموطن الانتخابي وهو إما موطن الإقامة أو موطن الميلاد أو الموطن الأصلي كما أخذ به قانون الانتخابات في ليبيا رقم 6 لسنة 64. فما هو الموطن الأصلي وما جدوى الأخذ به؟. لو نظرنا إلي إحصاء سنة 2006 لتبين لنا انه اخذ بمعيار الإقامة أي أن كل المواطنين تم حصرهم وفق إقامتهم وقت الإحصاء. إن مجتمع المدينة كمدينة بنغازي مثلا جمعتهم المصلحة ولم تجمعهم الانتماء الفعلي للمدينة، فأحدهم يعمل في مصلحة ما غير أن إرادته في التعبير تنتمي إلي مجتمعه الذي أتي منه.. وبذلك عند إعادته أو إلزامه بالترشح أو الانتخاب في موطنه الأصلي فذلك هو التعبير الحقيقي عن إرادة المجموع الذي ينتمي إليه فعليا وهو موطن الأب أو الجد. وسيتمكن سكان المدينة الفعليين من التعبير عن إرادتهم واقعيا.. نحن نبني لمؤتمر وطني ولا نبني لبرلمان. عندما ننتخب للبرلمان فإن موطن الإقامة سوف يكون جدير بالاهتمام وستكون الكثافة السكانية محل اعتبار. سيؤدي هذا المعيار وهو الموطن الأصلي إلي عدم تمركز الدوائر في منطقة دون أخري فمعظم سكان مدينة درنة وبنغازي وطرابلس من المدن المحيطة بها.
مؤتمر تأسيسي بني علي توافق اجتماعي وسكاني لهو أكثر صدقا من قواعد مختلطة تأثيرها في عقيدة الناس سلبا أكثر من إيجاد حل للخروج من مفترق الطرق لاختيار الوجهة الصحيحة.
أما الموطن الانتخابي فتلك معضلة يعاني منها القانون. وهي ركيزة أساسية لتعيين أين ينتخب المواطن وأين يرشح. نظر إليها المصممون علي أنها مشكلة ولم يضعوا لها العلاج لكي يخرج إلينا نظام البطاقة المغلقة متوافقا مع القانون... فعدم وجود الموطن الانتخابي سيؤدي إلي حضور نساء من غير مقر الإقامة إلي سجل الانتخاب والقيد فيه دونما مانع قانوني وسنراها في القائمة فالموطن سوف يحدد مكان الترشح وعند عدم وجوده يكون لكل امرأة حق الترشح في أي منطقة وستأتي ضمن القائمة وهي منتمية إلي تشكيل حزبي وسيواجه من يعترض أن التصويت للقائمة. سيكون السجل الانتخابي هو الموطن الانتخابي وهذه نظرية جديدة في علم القانون لتعريف الموطن (المادة 14 من قانون الانتخابات يجوز للمرشحين بالنظام الفردي تقديم طلبات ترشيحهم في أي من دوائر نظام الأغلبية كما تقوم الكيانات السياسية بتقديم أسماء مرشحيها). أي أن لكل مواطن ليبي حق التصويت وحق الترشح في أي دائرة شاء.
أما القانون المدني وهو القاعدة القانونية الأصل فقد عرف الموطن كقاعدة عامة هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة. إن الموطن الأصلي هو الموطن المعتاد حتى لا يقال أن الليبيين موزعين علي المدن بطريقة غير منظمة كما قالها السيد بالحاج.
لا يوجد لدينا قانون للأحزاب وتم الاعتراف بالأحزاب كواقع.. وتوجد لدينا مشاكل واقعية ولم يعترف بها وأهمها التوافق السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فقوة المال سيكون لها دور في عدم وجود الموطن الانتخابي. الموطن الانتخابي يعني التعبير الحقيقي عن إرادة المواطنين في موقع صندوق الانتخاب. أما سجل الانتخابات فهو مجرد تعبير عن الرغبة في الاشتراك فيها أما أن يتحول إلي تحديد للموطن قانونا فهذا تأصيل قانوني جديد.
د. عبد الحميد جبريل
مدينة شحات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق