الأربعاء، أبريل 11، 2012

الادب والثورة....اسعد العقيلي

~ كثيرون حول السلطة.. قليلون حول الوطن} غاندي
من مزايا الثورات التي اشتعلت في الوطن العربي.. أنها أعادت إلى الواجهة الجدلية القديمة..(الشاعر والسلطان).. وبمعنى معاصر (المثقف والسلطة).. وأظهرت بشكل كلي الوضوح حالات الفصام الكثيرة.. بين أدب الكاتب ومواقفه.. ولن أتطاول على إبداعاتهم وإسهاماتهم الأدبية.. الثورات يا سادة وضعت ملفات موقفهم الفاضح مع الدكتاتوريات في أيدي الضحايا.. وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في سكب مقادير كافية من النور.
من السذاجة الاعتقاد بأن لقب المثقف الكبير.. وتحطيم الأرقام القياسية في الندوات.. وحفاوة الصحافة بالإنتاج الأدبي للكاتب.. تمنحه الحصانة حين يكتشف الناس انغماسه في عطايا السلطة.. ويتعاظم حجم الطامة حينما تكون السلطة هو معمر القذافي.. الذي سوف يدرجه التاريخ الإنساني مع شلة الرعب الأسطوري.. فرعون والنمرود ونيرون وغيرهم.
الكوني كان نموذجاً صارخاً.. اعني من قماشة كتاب السلطة.. يتحدث الآن عن دولة بلا قانون.. و انه لن يعود لتسليم رقبته.. هذا ما قاله الروائي الليبي الشهير.. الذي أعرب عن تشاؤمه الكبير من ثورات الشعوب العربية.. على هامش معرض أبو ضبي للكتاب..

هل كان ثمة قانون في عهد القذافي ؟..
حين كتبت (نزيف الحجر).. ولم نعثر في سطورها على اثر لنزيف الدم تحت بلاط معتقل بوسليم.. ونزيف الدموع.. ونزيف (عابد الغرياني) أمام عائلته.. ونشيج المدن الفائضة بالوجع.. وحطام أشرعة الأحلام الممزقة تحت سنابك العسكر..
وإذ تغيب في عوالم الأساطير وحكايا الجان المدهشة.. في كهوف وسفوح جبال اكاكوس الزاخرة بنقوش ما قبل التاريخ.. يشتعل الجبل الأخضر بقنابل النابالم المحرمة دولياً..وتعزل درنة عن العلم الخارجي.. ويتم اكتساحها بأكثر من أربعين ألف جندي.. تدك الجرافات منزل محمد الحامي ويجر (السفلة ) - استلف تعبيرك - أخته من محرمتها فيما ترى بيتها وقد تحول إلى كومة من الأحجار.. وأحجار متكومة أخرى.. بيت أخ المعارض المناضل أبريك سويسي.. وبيت المعارض المناضل محمد المقريف.. أم هذه أحجار لا تنزف برأيك؟..
ولماذا لم نسمع للسيد الكوني اعتراضا من أي نوع.. عن نزيف الوطن برمته؟.. كنت وقتها مُزدهياً.. مستمتعاً بالمزايا التي منحها لك اكبر طغاة العصر الحديث معمر القذافي.. فقد كان من ضمن مهام السفارة الليبية في سويسرا.. حين حولها القذافي مكاتب للعبث والغوغاء.. وأوكار للقتلة.. ومأوى للصوص.. أن تمنح السيد الكوني تذكرة سفر مفتوحة إلى حيث يرغب.. ندوات ومعارض دولية.. سائق خاص تحت طلب حضرته.. راتب معفي من الضرائب.. تذكرة قطار سنوية داخل سويسرا.. كله بالمجان.. برسالة ممهورة بختم من محمد المجدوب.. رئيس مكتب الاتصال باللجان الثورية.. تعرفون من هو محمد المجدوب.. وما هو مكتب الاتصال.. ومن هم اللجان الثورية بالطبع.. رسالة أخرى لتوفير خدمات للكاتب الموهوب.. بتوقيع السيد عبد الرحمن شلقم.. حينما كان أمينا للثقافة.. اصدر كتابا الآن عن أشخاص حول القذافي.. كان من الأجدر تسميتهم بيادق.. أو شخوص بلغة الأدب الروائي التي يجيدها السيد شلقم.. إذ يتحكم مؤلف النص في مسارات حياتهم وخواتيمها.. من ضمنها أداء دور وزير خارجية.. وكيف تجعله يتقن إشعال السجائر لفتى القمة الأول .. في ذروة تجلي الدراما السوداء الخانقة.
كان المعارضون الليبيون يتظاهرون في كافة المدن السويسرية.. ويعتصمون أمام البرلمان.. ويعلوا صراخهم منددين بفظائع القذافي أمام مبنى الأمم المتحدة بجنيف.. يطوفون بصور الضحايا.. ليرى العالم مأساة الشعب الليبي.. فيما غاب الكوني في حضرة الصحراء عن بعد.. إذ وفرت له السفارة كل ظروف الكتابة الهادئة.. في سفوح الألب.. مقارنة سريعة مع سويسرا التي تعيش فيها.. تخبرك عن طبقة الجحيم التي كان يعيش فيها الليبيون.. تعال يا سيدي ولن يطلب احد تعليقك من رقبتك.. فمثلك كثير.. ضمنوا أماكن متقدمة في مركب الثورة.. وقد يمسكون بالدفة ذات يوم.. بعد أن تقافزوا بمهارة لاعبي السيرك..حين غرقت مركب (الحل النهائي).. وصار شيخ الجلادين (موسى كوسة).. منشقاً فاضلاً.. ولن يعثر احد على ذريعة تجيز قتل الكاتب حين ينفصل أدبه عن مواقفه.
الصورة التي يريد أن ينقلها لنا أديب الصحراء ومع احترامي لإنتاجه الأدبي.. وجهده المبذول للتعريف بسحر الصحراء.. وأساطيرها هي أن "الثورة سرقها السفلة".. اتفق مع السيد الكوني بأنه هناك سفلة يسمونهم متسلقين.. نشطاء الفيس بوك أطلقوا عليهم لقب الطحالب .. وهذا جزء حقيقي من الصورة.. الخديعة التي يريد أن يمارسها السيد الكوني هو إهداء كتابه الجديد إلى ثوار 17 فبراير .. اذكر الأديب بسفلة حقبة القذافي.. الذين شوهوا الأماكن بالدم والرماد والجثث.. كان الكوني إذًاك يكتب عن (المكان الأسطوري).. في إبداعات القائد الملهم في كتابه (الأرض الأرض القرية القرية وانتحار رائد الفضاء).. ذلك في ندوة بعنوان (القذافي كاتباً ومبدعاً، وعبقرية الزعيم الأدبية).
كان هؤلاء السفلة هم من يمولون هذه المنتديات التي يسمونها ثقافية.. الذين بعثوا في نهاية ندوتكم التنويرية عن إبداعات الزعيم برسالة إلى "الأخ قائد الثورة".. تسبيحة الختام.. مروجي ثقافة الذل.. ~عصا الفقيه من الجنة}.. وبندقية الجنرال من الفردوس الأعلى... أوردت الحادثة مجلة الفصول الأربعة في حينها.
سأعيد ما رده عليك الأديب الاسباني.. باعتبارك رئيس لجنة التحكيم لجائزة القذافي الأدبية.. وكونك صديقه.. ~ إن الانسجام مع نفسي انتصر بشكل كبير على كل اعتبارات الامتنان والصداقة، فبعد مناقشة داخلية وجيزة بين الرفض والقبول اخترت الرفض، فشعرت أني تحررت إلى درجة قصوى من ثقل أمضني}
المسألة باختصار هي احترام الرجل للقيم التي يحملها وينادي بها في ندواته وكتبه.
لم يتحمل د محمد الحضيري أمين عام الجائزة الصفعة الأخلاقية.. التي سمع الناس دويها.. فبادر بالهجوم الثوري الكاسح.. على الخارجين عن طاعة الجائزة: ~ممن تسول لهم أنفسهم رفض جائزة القذافي، إن من يرفض الجائزة التي تُمنح من أموال الشعب الليبي الذي يحكم نفسه بنفسه منذ قيام الثورة الشعبية التي خطط لها وقادها معمر القذافي وفجرها في الفاتح من سبتمبر 1969 فعليه البحث لنفسه عن مكان خارج موكب الأدباء الذين سخروا أقلامهم لمناصرة الحرية والدفاع عنها في أي مكان من العالم}.
أين محمد الحضيري الآن؟.. ربما يكون قد أسعفه انشقاق موفق.. في حصوله على مركز محترم في العهد الجديد. 


~ وحاصرتنا قبعات الحقد، والأسلاك وكتب القانون والبنادق المشتعلة بالموت والهباء في بداية المسيرة الم تكن يا صاحبي مأساتنا، مريرة..}

17 فبراير يا سيدي كانت بالأساس إحياء لذكرى شهداء بنغازي.. الذين سقطوا أمام السفارة الايطالية برصاص امن القذافي في 2006.. قرباناً للغرب ليفكوا الحصار عنه.. لم نسمع منك عن هذه المجزرة شيئاً.. وأنت الذي تجيد الدفاع عن الذاكرة.. وتحيي كل تفاصيل سيرة حبات الرمال الصغيرة.. أم يجب أن تسحق هؤلاء عاصفة من غبار ذري فرنسي على رمال الصحراء.. حتى يجدوا مدفناً لائقاً.. وتأبيناً محترماً بين سطور سردياتك.
تمتلكون إمكانيات ومواهب رائعة في تتبع فظائع الاستعمار.. وفضح كبائر الامبريالية وصغائرها.. ولا احد ينكر المجازر التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر.. إذ جعلت من الصحراء مكاناً لتجاربها النووية ولكن الفظائع هي الفظائع.. والقتل هو القتل.. سوا تعلق بمجرم قادم من فرنسا.. أو مجرم منتحلاً صفة (زعيم عبقري) بأوراق ثبوتية ليبية.. والجريمة هي الجريمة.. سواء كانت في الصحراء الحارقة.. أو برصاصات غادرة فوق أرصفة الصقيع..والضحية هي الضحية ..محروقاً بإشعاع غربي على ضفاف بحر الرمال العظيم..أم متدلياً بحبل مشنقة أمام الجماهير.. معقودة بإحكام من عتاة اللجان الثورية.. بتحريض (المثقف) احمد إبراهيم.. ليكون عبرة لمن يجرؤ على الاعتراض على (النظرية).. المقدس الأحمر..الم تحرك أحاسيسك كارثة طعن أطفال مستشفى الأطفال في بنغازي بالايدز؟..ا لم تجدي وقفات أهالي ضحايا بوسليم الأسبوعية في لفت انتباهك..؟
الم يشعركم بالعار رفض الأديب الاسباني لجائزة القذافي للأدب..؟ ردها عليك قائلا أن موقفه الأخلاقي يمنعه من أن يقبل جائزة من دكتاتور.. الم تتأمل في موقفه وأنت صاحب التأملات الكبيرة؟..
تكتب عن الصحراء التي هجرها أهلها.. بعد أن تلوثت بالإشعاعات القاتلة.. لكنك تصاب بالعمى عن رؤية هجرات ألاف الليبيين.. الذين غصت بهم المنافي هربا من بطش راعي أدبك.. والمنفق على رفاهيتك..لماذا لا يلزم هؤلاء الصمت.. ويتدثرون برداء الندم.. وسوف اعبر عن امتناني العميق لهم.. لو أدركوا مزايا فضيلة الاعتذار.. وتعلموا ثقافة طلب الصفح..
اسعد العقيلي
لقراءة اللقاء مع الكونى راجع الرابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق