تاريخ
ليبيا وباختصار
بقلم: يونس الهمالي بنينه
وطن كبير
شاسع يضم أكبر شاطيء على البحر المتوسط.. موقع جغرافي رائع أقرب إلى أوروبا من
الدول الأوروبية إلى بعضها البعض.. ويعتبر المنفذ الأوروبي لأفريقيا.. تضاريس
متنوعة تشتمل على جبال وهضاب وسهول ووديان وواحات وأراض زراعية وأراضي صحراوية ..
أرض خصبة تمتد من الساحل إلى حوالي 70 كلم في اتجاه الدواخل.. وبسبعة أضعاف خصوبة
الأراضي الأوروبية كما يقال في كتب التاريخ.. سكانها مهجنون من العرب والأمازيع
والتبو والطوارق في نسيج رائع هائل منسجم رغم محاولات خلق الفتن.. بلاد غنية تتمتع
بمخزون أفضل أنواع النفط والغاز.. معادن وثروات أخرى تحت الأرض لم تستكشف حتى
الآن.. أجدادنا تركوا لنا الأثار التي يقبع أكثر من 90% منها تحت الأرض.. ومع كل
ذلك لا يزيد عدد سكان ليبيا عن الـ 6 ملايين نسمة.
ولكن أنظر
إلى حال ليبيا اليوم!!!
تركها لنا
الطاغية نسخة مصغرة من أفغانستان.. دمار وخراب.. وفوضى..لا أحد يعرف ليبيا إلا بربطها بإسم الطاغية..
نحتاج إلى
من ينظم صفوفنا ومؤسساتنا لننطلق في بناء ليبيا من ثرواتها وبأيدي أبنائها..
ولنقفل الطريق على المخربين اللصوص والمجرمين..
هناك أمور
كثيرة يجب أن نعرفها عن وطننا لنفهم ما يدور حولنا.. لنلتقط رأس الخيط..
يجب أن
نقرأ ونعرف تاريخنا أولاً فربما سيكشف لنا الكثير مما يدور في أروقة السياسة وفي
رؤوس السياسيين..
علاقات
الدول يا إخواني هي "مصالح" لا غير..
وكيف لنا
أن نعرف تاريخنا وهو متناثر هنا وهناك، على صفحات كتب المؤرخين والمستكشفين
العالميين، بعضها يقبع على أرفف المكتبات بدون استكشاف بعد. أنا شخصياً احتفظ
بأسماء كافة المراجع تقريباً من الكتب والوثائق التي صدرت عن ليبيا منذ أيام
هيرودوت (484 قبل الميلاد) وإلى الآن.. كتب ووثائق بجميع اللغات.. كما تضم مكتبتي
كتب تاريخية قديمة من قبل مؤرخين ومستكشفين.. ولكن أريد من يُساعدني على جمعها
وتبويبها وتصنيفها وترجمتها لتبقى كنزاً للوطن.. للأبناء والأحفاد..
هذه
المهمة اعتبرها حملة تشبه الحملات العسكرية فهي تحتاج إلى جهود الوطنيين المخلصين
ونية صادقة في بناء الوطن ليبيا الجديدة.. تحتاج إلى تفويض من الدولة ورعاية هذه
المهمة الصعبة..
هناك
الملايين من الوثائق التاريخية التي تنام في الأرشيف التركي تتعلق بحوالي 400 عام
من تاريخنا منذ قيام العثمانيين بطرد الإسبان في عام 1551 م وحتى احتلال إيطاليا
لليبيا في عام 1911. وهناك "أكوام" من الوثائق التاريخية التي قام
الجنود الإيطاليون بحذفها من نوافذ السرايا الحمراء في عام 1911 لتقع في مياه
البحر بالقرب من حيطان السرايا، أحد الضباط الإيطاليين عرف قيمتها التاريخية فقام
بانقاذ ما استطاع انقاذه منها ولا أعرف شخصياً أين هي الآن. هناك كتب ووثائق في
أسبانيا وفي البرتغال وفي مالطا وفي بريطانيا وفي الولايات المتحدة وفي تركيا وفي
بلدان أخرى كثيرة..
هناك تحف
وأثار ليبية قيّمة جداً ولا تُقدر بمال، بعضها تمت سرقته وبعضها أهداه يوسف القره
مانللي ووالده وجده إلى دول أخرى يطلب ودها ورضاها بعد أن تورط في القرصنة وقتل
واستعباد الأوروبيين والأمريكيين، فبعض أعمدة مدينة لبدة تنتصب الآن كدعامات
لكنائس فرنسية، وهناك أثار في المتاحف البريطانية والإيطالية وغيرها.. وما خفي كان
أعظم..
نفس
العملية التي خبرها صاحبنا بومنيار. خبرها يوسف القره مانللي في ذلك الوقت..فأراد
أن يكفر عن ذنوبه مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين بعد أن تفاجأ بقوتهم
فاصبح يبذر ثروات ليبيا هنا وهناك لإرضائهم.. والطاغية بومنيار فعل نفس الشيء بعد
أن تركوا له الحبل لفترة طويلة يسحبه كما يشاء، سحبوه منه فجأة وبقوة هزت كيانه،
فأصبح يمنح العقود التجارية هنا وهناك أيضاً لإرضائهم.. فدمرت ليبيا في كلتا
الحالتين..
لا يمكن
أن نُسمي ليبيا دولة لها سيادة إلى أن نُعيد أثارنا وتُحفنا ومُقتنياتنا إلى
بلادنا بحكم القوانين الدولية أو حتى بشرائها من جديد. هذه ملك لأبنائنا وأحفادنا
ومكانها الطبيعي هو الأرض التي شُيدت عليها.. فحتى رأس فينوس الجميلة آلهة الجمال
التي وجدوها في مدينة شحات في أواخر شهر ديسمبر عام 1913 بعد هطول أمطار شديدة
نزعت الكثير من الرمال الصحراوية المتراكمة فوق هذا التمثال بفعل الزمن..فرأس هذا
التمثال لا يزال موجوداً في مكان ما ويستحق البحث عنه لتكتمل الصورة لهذه الجميلة.
هناك تحف
أخرى من الذهب والألماس وغير ذلك قام بسرقتها "علي برغل" الذي سُمِّيَ
بهذا الإسم لأنه كان يغذي جنوده بالبرغل أو ما نسميه بالليبي في البادية بـ
"البركوكش". جاء علي برغل بـ "فرمان" مزيف مستغلا الحرب التي
كانت قائمة بين يوسف باشا القره مانللي ووالده، ليطردهما معاً إلى تونس ويدخل
طرابلس فاتحاً منتصراً "وهذه الحادثة تشبه قصة الطاغية بومنيار بالضبط وإن
اختلفت الأحداث". قام علي برغل بإرهاب السكان ومطاردتهم في كافة شوارع طرابلس
وقراها وسرقة ما يملكون من مجوهرات وغير ذلك .. ثم خرج باسطوله بما ثقل من الكنوز
الليبية التي اغتصبها عنوة من السكان ومن خزينة السرايا الحمراء وآخر مرة شوهد
فيها اسطوله كان بالقرب من مصر الكنانة.
الله.. يا
إخوة.. التاريخ حقاً يُعيد نفسه..
ولنعد إلى
تاريخ ليبيا الشيق الذي يشبه قصص ألف ليلة وليلة، حتى في ملابس القره مانلليين ذات
القلنسوات السلطانية والسيوف المطرزة بالألماس والملابس ذات الألوان الزاهية
والأحذية "السبابيط" الجلدية ذات المقدمات المعقوفة أي الملتوية إلى
الخلف التي تشبه سباط سندباد البحري.
والله تاريخ
شيق فعلاً.. ولكنه مليء بالمآسى والظلم والقهر الذي عاناه الشعب الليبي على مر
التاريخ..
ولمن لم
تسمح له ظروفه ووقته بقراءة تاريخ ليبيا، أهدي اليكم ما يلي من حقائق تاريخية
موثقة:
لنبدأ من قديم
الزمن:
هناك من
يقول أن إسم ليبيا مشتق من إسم قبائل (الليبيو) على وزن (الليبيو والتيبو والتحنو
والمشواش). ولكن الحقيقة ليست كذلك، فربما قبائل الليبيو اشتقت إسمها من إسم ليبيا
نفسه، أي أن إسم ليبيا جاء أولا فاشتق السكان اسم ليبيا لوصف قبيلتهم بقبائل
الليبو.
الإسم: ليبيا
أطلق
اليونانيون على بلادنا إسم (ليبيا) لأنها كانت تعني في اللغة اليونانية القديمة
(المطر)، أي أن كلمة "المطر" في اللغة اليونانية القديمة هي
"ليبيا"، حيث كان اليونانيون يعتقدون بأن المطر يأتيهم من ليبيا. المرجع
التالي المذكور في كتاب (الميثالوجيا الأغريقية) الذي صدر في جزئين:
The Greek Myths By Robert Graves- (The
Folio Society) Vol I Page 185:
عشق
اليونانيون ليبيا وبنوا فيها المدن وأثرت في حضارتهم، وبطبيعة الحال نعرف من
التاريخ أن الرومانيين طردوا اليونانيين من ليبيا، ثم عاثوا في الأرض فسادا،
فباديء ذى بدء قضوا على نبات السلفيوم في منطقة الجبل الأخضر والذي كان في ذلك
الوقت بمثابة النفط الآن في ليبيا، فاسعاره "أغنت حكام هذه البلاد (1)*ويقال
أنهم قضوا على هذه النبتة الرائعة بسبب الضرائب الباهضة التي كانت تجبيها روما على
"مستعمراتها" في ذلك الوقت واستفادتها من الأموال الطائلة التي تأتي من
ضرائب السلفيوم في ليبيا.
بفضل
الثروات التي جناها الليبيون من نبات السلفيوم بنى الكثير منهم قصوراً فارهة على
ضفاف نهر "الليث" ذو المياه السحرية، والذي وجدت أثاره الآن في بنغازي،
وهذه قصة أخرى ربما اتطرق اليها يوما ما.. حيث كانت بساتين بنغازي توصف في العالم
القديم بأنها آخر جنات الله على الأرض. واحتفظ بالكتاب الذي ذكر ذلك.
السلفيوم
نبات عجيب تشتمل خصائصه على استخلاص أدوية مختلفة لعلاج كافة الأمراض المتفشية في
ذلك الوقت، فكانت الدول تدفع الغالي والرخيص في سبيل شرائه وجلبه إلى بلدانها
لعلاج مرضاها. تخيل أن ليبيا كانت صيدلية العالم في ذلك الوقت.
حدود ليبيا:
يذكر
المؤلف في هذا الكتاب أن حدود ليبيا في قديم الزمان تبدأ من الشرق بمحاذاة نهر
النيل وتنتهي غرباً في سرت الصغرى التي تقع في تونس. ونحن نعرف من التاريخ
والخرائط الجغرافية القديمة أن سرت الكبرى تقع في بلادنا وتمتد من مدينة سرت
الحالية وتنتهي كما ذكرنا في سرت الصغرى. انظر المرجع التالي (الخريطة)، وبذكر
ازدواج الأسماء فإن هناك أيضاً مدينتان تسميان لبدة إحداهما لبدة الكبرى Leptes
Magna
في بلادنا والأخرى لبدة الصغرى Leptis
Minor
التي هي قرية الآن في تونس.
كما أن
قارة أفريقيا لم تكن تُسمى بـ "أفريقيا"، بل كانت تسمى بـ
"ليبيا" {أنظر الخرائط القديمة إحداها وردت أعلاه} حتى أن كثيراً من
الخرائط التاريخية العتيقة لا تزال تحمل إسم "ليبيا" لوصف القارة
الأفريقية بأكملها. ثم سميت فيما بعد على الخرائط بإسم مزدوج (أفريقيا ـ ليبيا
سابقاً).
لعبت
ليبيا دوراً رئيسياً في استكشاف أواسط أفريقيا، حيث كانت البلدان التي تقع في
أواسط أفريقيا عصية على المستكشفين الأوروبيين الذين حاولوا استكشافها من ساحل
العاج والبلدان القريبة منها المطلة على البحر، ولكن الدخول إلى أواسط أفريقيا عن
طريق البحر كان هو الموت بعينه، فالأحراش كانت تحرسها جيوشاً جرارة من البعوض التي
فتكت بكافة المستكشفين البريطانيين والفرنسيين. وهكذا أصبح لبلادنا ليبيا دور كبير
في اكتشاف أواسط أفريقيا فقد كانت بالفعل بوابة أفريقيا.
ولكن ما
كان ينتظر أولئك المستكشفين في صحراء ليبيا كان أهول، بسبب العطش والمرض وفقدان
الطريق للوجهة المستهدفة ألا وهي "بحيرة تشاد ونهر النيجر ومدينة الذهب
(تمبكتو Timbuktu)" أو (تنبختو) قبل ذلك. كان المستكشفون الفرنسيون
والبريطانيون قد سمعوا بمدينة تنبختو وهي مدينة الذهب عن طريق زيارة الإمبراطور
"منسا موسى" في عام 1325 م الذي قرر الخروج إلى الحج لزيارة بيت الله في
جيش جرار من الخيل والإبل المحملة بصفائح ضخمة من الذهب. حتى أنه أغرق سوق القاهرة
بالذهب فأصبح سعره رخيصا جداً. كان الأمبراطور منسا موسى يمتاز بالكرم فكان يوزع
الذهب هنا وهناك، حتى أنه بعد أن عاد إلى القاهرة في طريقه من الحج إلى تنبخو أصبح
يستلف المال من معارفه هناك، وهو الذي جلب معه أطنان من الذهب.
سمعت
بريطانيا وفرنسا بذلك فقررت البحث عن هذه المدينة ورصدت فرنسا جائزة كبرى لمن
يستطيع أن يستكشف موقع هذه المدينة. أرسلت المستكشفين الفريق تلو الآخر، وقامت
جمعية الجغرافيا البريطانية أيضا بارسال مستكشفين أفراداً وجماعات، فكانوا يموتون
بالملاريا عن بكرة أبيهم.
أخيراً
وصلوا إلى حل منطقي وهو إرسال مستكشفيهم عن طريق الصحراء الليبية الخالية من
البعوض.. ومن هنا بدأت علاقتنا ببريطانيا وفرنسا. بدأ مسكتشفوها في زيارات إلى
طرابلس حيث ساعدهم قناصلتهم هناك في شرح المخاطر واعطائهم الخرائط والمال وكانوا
في سباق رهيب للفوز بمعرفة موقع هذه المدينة. من هنا تستطيع أن تقرأ قصص رائعة
لهؤلاء المستكشفين مثل قصة الحب التي وقعت فيها إبنة القنصل البريطاني
وارينجتون(إيمّاEmma ) مع ابن القنصل الفرنسي ذلك الشاب الذي مات في مقتبل العمر (22
عاما) حزناً على حبيبته إيمّا، لأن والد إيما القنصل البريطاني رفض تزويجها منه،
حيث كان في حرب شعواء مع القنصل الفرنسي والد هذا الشاب الوسيم.
لم يمر
وقت طويل حتى جاء إلى طرابلس المستكشف السكوتلندي الأسكندر لينج الذي كان يبحث عن
المال والشهرة واستكشاف "تنبختو" إذا اسعفه "البخت". كان
الأسكندر لينج والجميلة إيمّـا يمتطيان جواديهما ويخرجان في نزهات نهارية عابرين
مسارب مزارع وبساتين طرابلس التي تسيجها نباتات (الهندي ذات الأشواك والثمار
اللذيذة).
رفض
وارينجتون أن يزوج إبنته الرقيقة الجميلة بمستكشف ربما سيموت في الطريق إلى تنبختو
فتترمل إبنته.. فنصحه بدبلوماسية إنجليزية لا تخطأ: "يمكنك أن تتزوج من إبنتي
بعد أن تعود من رحتلك الإستكشافية". ولم يمر وقت طويل حتى أرسل برسالة إلى
وزارة الخارجية البريطانية، ولم تطلب منه ذلك بطبيعة الحال، ولكنه وارينجتون وأسلوبه
في التعامل مع الجميع: "ستبقى إبنتى بريئة صافية كما الثلج الأبيض". أي
أن السيد لينج لن يلمسها حتى يعود سالما ليتزوج منها بشكل رسمي.
وكان على
حق فقد وصل السيد لينج إلى تنبختو ولكن السكان هناك قطعوا رأسه وسرقوا أوراقه
وخرائطه التي اختفت إلى هذا اليوم.
الم أقل
لكم أنه تاريخ يشبه قصص ألف ليلة وليلة؟
*****
يحفظ لنا
التاريخ حقيقة أننا بالفعل أجداد الأسبان (الأيبيريين) فالإنسان الأسباني الحديث (الأيبيري
Iberian) أصله من ليبيا – أنظر الرابط التالي
الذي يثبت ذلك قطعاً فالأسبان أصلهم ليبي – نهاية السطر الأول وبداية السطر
الثاني:
ولكن
للأسف الشديد كانوا هم السبب في تحطيم مدينة لبدة وكسر تماثيلها ومبانيها خلال
الفترة القصيرة التي احتلوا فيها طرابلس في عام 1510م ثم تركوها لفرسان القديس
يوحنا كما يؤكد ذلك المرجع:
The Hill of the Graces - DARF Publishers Limited - London
لو القينا
نظرة بسيطة على تاريخ الإنسان منذ ملايين السنين لوجدنا أن هناك الكثير من
المعلومات الموثقة التي تقول بأن تاريخ الإنسان أصلاً منشأه أفريقيا (ليبيا) حسبما
ذكر في كتاب " The Jouney of Man By Spencer Wells" وترجمة الكتاب "رحلة الرجل" وليس "رحلة
الإنسان" كما سيعتقد المترجم البارع، حيث يقصد بها تتبع جينات الرجل في
أفريقيا وليس المرأة" - فالرجل هو الذي يُحدد نوع الجنين ذكراً كان أم أنثى
بإذن الله طبعاً - وهو من يمكن تتبع جيناته.
كما أن
تنقل الإنسان جغرافيا لم يكن في إتجاه واحد فقط، بل كان مدا وردا، فانطلق الإنسان
من أفريقيا ( ليبيا ) إلى أوروبا وآسيا وغيرها، ثم بعد أن بدأ يبني حضارته وأجاد
التنقل بالسفن، عاد من أوروبا ومن آسيا ليختلط من جديد مع بني جنسه في أفريقيا كما
فعل الجرمنت والرومان واليونانيون وغيرهم، (وربما هي حالة مستأصلة في جينات
الإنسان ليعود من حيث أتى مثل الطيور المهاجرة، فهناك من يقول إن الأمازيغ أصلهم
(كلتيين) أي من اسكوتلندا وأيرلندا وربما العكس هو الصحيح كما ذكرت أعلاه، وفعلا
هناك بعض الأمازيغ ذوي البشرة البيضاء والشعر الأحمر والعيون الزرقاء، وأيضا أهل
تواتة في ليبيا يقال أن أصلهم من الدول الإسكندنافية، المرجع:
كتاب (The Arabs in Tripoli By
Alan Ostler)
ولكن يجب
أن نضع في الإعتبار أن هذه المعلومات وأن وردت في كتاب فإنها لا تعني صحة مصداقيتها
بل يجب دراستها والتأكد من صحتها، وأنا أذكرها هنا فقط لأنني وجدت أنها تعني
بتاريخ بلادي وأهل بلادي، وأنها مثيرة فعلا بحقائقها الجديدة التي لم أكن أعرفها
من قبل.
الصورة لأحد السكان القدماء (الأمازيغ)
وبالحديث
عن تنوع سكان البلد الواحد وتلاحمهم وانسجامهم وانصهارهم، فإنني حينما أنظر إلى سكان
القارات الخمس، أجد أن هناك الكثير من السكان بل الأغلبية منهم هم سكان غير أصليين
حتى وقت قريب جدا (خمسمائة سنة على الأكثر) بالمقارنة مع بلادنا – مثل أستراليا
ونيوزيلندا، وأمريكا الشمالية بما فيها كندا، وامريكا الجنوبية بدولها التي تنحدر
من الجنس (الأسباني) لدور أسبانيا في استكشاف (العالم الجديد) وهي القارة
الأمريكية بشقيها الشمالي والجنوبي.. ثم قيام بريطانيا باستكشاف استراليا
ونيوزيلندا وبعض الجزر الأخرى.
وإن كان
هؤلاء المستوطنون الإستراليون والنيوزيلنديون وغيرهم ينحدرون من أجناس أوروبية من
بريطانيا وأيرلندا وبعض الدول الأوروبية، إلا أنهم أبوا إلا أن يبنوا لأنفسهم هوية
جديدة خاصة بهم رغماً من الفارق الكبير وعدم سهولة تمازجهم مع بعضهم البعض لإختلاف
تركيبتهم البيولوجية (الأباريجونيز والبيض في استراليا والماوريز والبيض في
نيوزيلندا) واختلاف العادات والتقاليد، فحاول هؤلاء السكان أن ينصهروا مع السكان
الأصليين في تركيبة واحدة، وأصبحوا يفتخرون ببلدانهم الجديدة وتقاليدهم الجديدة
وإن كانت قريبة من تقاليد البلدان التي أنحدروا منها – فأصبحت لهم لهجاتهم الخاصة
بهم وملابسهم وتقاليدهم الجديدة، وأصبحوا يتفاخرون بأنهم ينافسون البلدان الأم في
أشياء كثيرة وتجدهم يتكاتفون خارج بلدانهم ويقدمون أكبر المساعدات لبعضهم البعض،
وكما قامت استراليا مؤخراً بتنبيه بريطانيا وبالحرف الواحد: (أنا يا أمي كبرت الآن
وقادرة على حماية نفسي بنفسي فأنا أريد الإستقلال عنك) - إلا أنهم بعد إجراء استفتاء
قرروا البقاء داخل إطار التاج البريطاني في الوقت الحالي – ولكن لن تطول المدة حتى
تسمع بأن استراليا اصبحت جمهورية لا تتبع التاج البريطاني.
ولنعد إلى
بيت القصيد وهو نحن الليبيون – أنا وأنت – الذين ننحدر من أصول عربية وأمازيغية
وزنجية ورومانية ويونانية – ((ؤ خوذ بالك من رفض هذه الفكرة لأن هناك فحوصات ال DNA)) التي لا تكذب – فالجهوية والعنصرية
أصبحت ماضي فقط ــ فنحن الآن نتاج هؤلاء كلهم – رضينا أم أبينا، هذه هي الحقيقة
التي يجب أن نفتخر بها – ويجب أن نبتعد عن الجهوية البغيضة والتي تصدر بطبيعة
الحال من ظلم وتسلط قبيلة على قبيلة أو شخص ضد شخص، إلا أنها حتما ستنتهي حينما
نصل إلى درجة من التفاهم والوعي الواسع بالمخاطر التي تحيق بنا من الخارج لتصبح
مشاكلنا الداخلية تافهة لا أهمية لها – وعليه يجب علينا أن نفتخر بعراقتنا كليبيين
وأن نجد حلولا لمشاكلنا السياسية والمدنية – فنحن لسنا ببلد يبلغ عدد سكانه مئات
الملايين ليدافع عن نفسه، بل لا نزيد على الستة ملايين نسمة لم نقم حتى بتنظيم
صفوفنا وتقوية سواعدنا للدفاع عن الوطن بدون مساندة من الغير.. وبلادنا كبيرة
وغنية بكنوز لم نكتشفها.. وتحيط بنا الذئاب الجائعة التي يسيل لعابها لإلتهام
نفطنا وخيراتنا القابعة في باطن الأرض أو فوق سطحها سواء كانت من الأثار أو
المعادن أو من الزراعة وشواطئنا الجميلة وثرواتنا البحرية بما فيها الإسفنج.
من
المعلومات المذكورة أعلاه نستطيع أن نستنتج أن الليبي هو خليط من كل هؤلاء،
فالأمازيغ الأشاوس هم السكان الأصليون بحق وحقيقة وهم الذين رفضوا كافة أنواع
الإستعمار، سواء كانت من الجرمنت أو اليونانيين أو الرومان. رفضوا الخنوع والخضوع،
وقاوموا كافة هؤلاء المستعمرين الذين يختلفون عنهم في اللون والعرق والدين، وحينما
ضُـيِّق عليهم الخناق فضلوا الجوع والفقر والمرض بالهرب بعيداً إلى الجبال بدلا من
العيش تحت وطأة المستعمرين، فحفروا بيوتهم تحت الأرض أو في الكهوف وطوروها فأصبحت
لهم منظومات رائعة للاحتفاظ بمنتوجاتهم الزراعية طيلة أيام السنة وحمايتهم من
الغزاة والطامعين، وهذه المنظومات تثير إعجاب المستكشفين الأجانب والسواح على حد
سواء.
الصورة
التالية: العرب أحفاد القبائل العربية التي فتحت ليبيا وطردت الرومان وانصهرت في
القبائل الأمازيغية في ليبيا
الصورة
الواردة على الصفحة التالية:
الأكراد
الذين أتي بهم الأتراك بالمئات أو ربما الآلاف إلى ليبيا خلال نهاية القرن التاسع
عشر. المرجع كتاب:
Life in Tripoli , By George E. Thompson, 1894
والكتاب
يحتوي على صور لمالطيين ويونانيين وزنوج، وبالطبع هم من الأقليات القليلة، إلا
أنهم ذابوا الآن في المجتمع الليبي حتماً.
جاء العرب
إلى ليبيا ليس فقط خلال الفتوحات الإسلامية، بل قبل سبعة قرون من بزوغ فجر
المسيحية (عدد الناشيونال جيوغرافيكس الذي ذكرته في بداية المقالة).
ولكن
عندما جاء العرب خلال الفتوحات الإسلامية وجد الأخوة الأمازيغ فيهم ضالتهم
المنشودة منذ آلاف السنين (المرجع كتاب الأستاذ الدكتور فرج نجم (القبيلة والإسلام
والدولة)، فهم يشبهونهم في اللون والتقاليد والعادات فدخلوا الإسلام وحاربوا جنبا
إلى جنب مع إخوانهم الجدد ففتحوا الأندلس بقيادة الأمازيغي طارق بن زياد، وعلى مر
السنين اختلط العرب بالأمازيغ والأمازيغ بالعرب من خلال التزاوج مما ولّـد تصاهر
مثل تصاهر المعدن النقي، فلم تعد تعرف الأمازيغي من العربي، وخير دليل على ذلك
الملابس والعادات والتقاليد وأنواع الأطباق "الشهية" التي يتناولها سكان
ليبيا، وأكثر من ذلك لا يمكنك فرز العربي من الأمازيغي إلا إذا ذكر أحدهما نسله.
هذا إضافة
إلى مكونات أخرى شكلت في مجموعها الإنسان الليبي الحديث: فالجرد والعباءة أصلها
بربري، والطاقية الحمراء (الشنة)، يقال أن أصلها روماني ولكن طورها الليبيون
بإضافة (المعرقة). والفرملة والبنطلون (السروال) من اليونان وتركيا، والطربوش الذي
يرتديه الطرابلسيون في الحفلات وأغاني المالوف (الطربوش بالشنوارة) هو تركي الأصل
(والشنوارة هذه لها مغزى لمرتبة الشخص). وملابس النساء هي خليط بين الملابس
الرومانية (الرداء) إلى الأزياء الأخرى المتشابهة مع ملابس الأمازيغ والملابس
السعودية الآن، والمجوهرات في العالم العربي.
هذا
بالنسبة للملابس، أما بالنسبة للمأكولات: فالكسكسي والبازين هي مأكولات شعبية
رئيسية أمازيغية، والبراك (الدولمة) من اليونان وتركيا، والرز باللحم الخ... من
الخليج العربي، والمكرونة من إيطاليا ولو أنه يقال أن الإيطاليون اخترعوها من
"المقطّع" الليبي.
إذاً..
الليبي هو نوع خاص من البشر لا شبيه له إلا في ليبيا (ولا مكان له إلا ليبيا) فإن
عاش خارجها فهو الجسد فقط أما الروح فهي هناك ترفرف جناحاتها فوق مهد الطفولة
والصبا، وهذه حقيقة يجب الإفتخار بها فنحن هم نحن، أي أن حضرتي وحضرتك هم من يطلق
عليهم (ليبي). فكيف يمكن الآن لإيطاليا أو غيرها أن تستل سيف روما القديم لتقول:
"أنا هنا لأعيد ليبيا إلى الإمبراطورية الرومانية؟!" هذا هو الجنون
بعينه بل هو الطمع الذي كلنا نعرف عواقبه، فشعبهم دفع ثمنا باهضا ودفعنا نحن
أضعافه لأنها معركة لم تكن متكافئة ولكن انتصرنا فيها رغم كل ذلك.. فعلى مر
التاريخ ربما نُضطهد ولكننا دائما نخرج نحن المنتصرون بإذن الله.
أنظر حولك
في شوارع ليبيا، في أسواقها، في مدارسها وجامعاتها، وفي أي مكان منها، ستجد بشر من
كافة الأطياف، وإن كان بعضهم يستطيع أن يثبت أنه أمازيغي أصيل، وأن ذاك يستطيع أن
يثبت أنه عربي أصيل و... و... ربما.. ولكن حاول أن تجرى فحوصات الدي أن أيه DNA على كل هؤلاء ولنرى سردا تاريخيا
لتركيبة الإنسان الليبي، الليبي المهجن بأفضل أنواع البشر (أرى الدول الغربية الآن
تأتي بكافة سكان المعمورة لتهجين سكانها وهم الأكثر منا علماً وتكنولوجية في الوقت
الحالي، وعليه لا بد وأنهم رأوا مصلحتهم في تهجين سكانهم، فالعالم أصبح كما نعرف
قرية صغيرة ولا مفر من التخالط، ولكن نحن الليبيون سبقناهم بآلاف السنين، نحن
مهجنون أفضل تهجين، أنظر حواليك لتشاهد كافة أطياف البشر ولكن للأسف لم نكتشف هذه
المعلومة بعد، وإن اكتشفناها لم نستفد منها بعد.
إذا لا
مفر من التسليم بأن هناك أناس وشعوب اختلطت بنا على مر التاريخ بسبب الحروب
والتجارة والتصاهر، خاصة في المناطق الغربية من ليبيا والعهد القرماناللي ليس
بالبعيد، فالأسرة القرمانللية نصفها دم تركي، والعهد العثماني جاء بكثير من
الأتراك الذين تزاوجوا مع الليبيين وأتوا بالأكراد والألبان والسوريين واللبنانيين
واليمنيين وغيرهم من الأخوة العرب الذين هم أيضا كانوا خليطا من أجناس كثيرة
لقربهم من البحر المتوسط وأسيا الخ... كما أن الليبيين في عهد الأسرة القره
مانللية كانوا يأتون بالسفن التي يأسرونها ليبيعوا ركابها الأوروبيين في سوق
النخاسة في المدينة القديمة بطرابلس، وكثير من نسائهم يشتريها ليبيون يتزوجونهن،
وعلى سبيل المثال السفير الليبي الحاج عبدالرحمن في عهد يوسف باشا القرمانللي الذي
أشترى أسيرة يونانية جميلة وتزوجها وأنجب منها ثلاث بنات بينهن (للا عويشة) على ما
أذكر. أين أبناء وأحفاد هؤلاء بيننا يا ترى؟!
ثم أن
قائد بحرية يوسف باشا القره ماناللي في ذلك الوقت كان اسكتلندي، ولو أنه دخل
الإسلام وتزوج بنت يوسف باشا القرمانللي إلا أنه علّم يوسف باشا شرب البراندي،
فكان الباشا يصلي بالنهار (ويقرطع) في البراندي بالليل: المرجع: كتاب مذكرات
الآنسة تاللي 10 سنوات في بلاط طرابلس.
وبتطرقنا
إلى كافة الأحداث التاريخية التي رسمت تركيبة الإنسان الليبي فإنه لاشك قد أصبحت
لنا هويتنا الليبية الفريدة والخاصة بنا، وعليه يمكننا أن نقول لإيطاليا: (هذا هو
الدليل، نحن سكان ليبيا لنا هويتنا الخاصة ولا نتبع أحد لا في التركيبة ولا في
الجغرافيا ولا في الدين) فلا تبحثوا عن الذرائع في المستقبل.
هذه هي
بلادنا ليبيا الغالية، ومواطنوها أنا وأنت ــ لنا شخصيتنا الخاصة.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يونس
الهمالي بنينه
بريطانيا
نوفمبر 2011م
* 1 (مجلة
الناشيونال جيوغرافيكس عددها الصادر في يونيو 1930 –
بارك الله فيك سرد جميل
ردحذف