الخميس، نوفمبر 24، 2011

الرجاء خطوة إلى الوراء... د. الطاهر خليفة القراضي

إنّ ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة، وُلِدتْ من رحم اثنتين وأربعين سنة من الظلم والجور والعسف والطغيان والفساد، ولذلك فإن هذه الثورة لن تعود إلى ممارسات ذلك العهد البغيض، بل إنها ستقيم دولة العدل والقانون والمساواة، ودولة الشفافية وحقوق الإنسان.
وهذه الدولة لن تقوم، ولن تتحقّق على أرض الواقع إذا تقدّمتْها وقادتها قيادات عهد القذافي. ومن هذا المنطلق، على كلٍّ منا أن يعرف قدر نفسه ويقف دونه؛ فإن كنتَ من أولئك الذين تورّطوا في ارتكاب جرائم قتل لأبناء ليبيا في الداخل أو في الخارج، فلا تحلم بأن تكون قياديًّا أو في الصف الأمامي في ظل هذه الدولة إلا إذا جاز لإبليس اللعين أن يحلم بالجنة، ولا تحلمْ بأنك ستكون في عربة قيادة قطار هذه الدولة، ولا تحلمْ حتى بأن تكون راكبًا في آخر قاطراته وعرباته. وإذا كنتَ متورّطًا في عمل إرهابيّ ضد أبناء الوطن من خلال الأجهزة الأمنية القمعية مباشرةً أو غير مباشرة مما جرّ على هذا الشعب الكثير من الويلات، والخسائر البشرية والمادية، فعليك أن تتأخر خطوة إلى الوراء.
وإذا كنتَ متورِّطًا في سرقات واختلاسات مالية سواءٌ من الأموال العامة للدولة، أو أموال الأفراد والخواص، فعليك أن تقدِّم نفسك طائعًا للقانون والعدالة لإرجاع المظالم لأصحابها، وعند ذلك يمكن أن يكون لك مكانٌ بين أفراد الشعب ولكن ليس في الصف الأمامي، بل عليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء.
وإذا كنتَ ممن يعرفون "من أين تؤكل الكتف" أو كنتَ وصوليًّا نفعيًّا متسلّقًا، فاعلم بأن الدولة الجديدة دولة حق وعدل، ودولة قانون ومساواة، فلن يكون بها مكانٌ للحُذّاق والمتحذلقين والنفعيين والانتهازيين مثلك، ولذلك "الرجاء خطوة إلى الوراء" لتفسحَ المجالَ لأولئك الشرفاء للنهوض بهذه الدولة وشعبها من بعد أن أوقعتَها أنتَ وأمثالك في هذه الهوّة السحيقة.
وإذا كنتَ ممن وصلوا إلى وظائف قيادية عبر ما كان يُعرف بمكتب الاتصال باللجان الثورية، أو عبر ما كان يُسمَّى بالمثابات الثورية، أو من خلال التنظيمات المشبوهة مثل اللجان الثورية، وحركة السابع من أبريل، وفِرَقِ العمل الثوري، فعليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء في انتظار أن تعود إليك تلك الآليات لعلك تتسلّقها من جديد، ولكن هيهات هيهات و"بيض الأنوق" أقرب لك مِن ذاك.
وإذا كنتَ من تنابلة السلطان الذين يحترفون التطبيل والتزمير، والذين يلعقون حذاء مَن أسموه بالقائد، والذين يلعبون دور إبليس الرجيم في تزيين الباطل للرئيس، فاعلم بأنك واحدٌ ممن مكّنوا القذافي من إحكام قبضته الحديدية لمدة أربعة قرون على هذا الشعب المسكين، واعلم بأنك واحدٌ من الذين صنعوا من القذافي واحدًا من أعتى الأباطرة والجبابرة المجرمين السفّاحين في العصر الحديث، وأنك واحدٌ من الذين أسهموا في تأخّر ليبيا علميًّا، وثقافيًّا، وصحيًّا، واقتصاديًّا واجتماعيًّا. وأما ليبيا ما بعد ثورة السابع عشر من فبراير فلن يكون بها قذافي آخر، لتصفّقَ له، ولن يكون بها مجرمٌ سفاحٌ آخر لتزيّن له أفعاله وجرائمه، ولذلك فإنّ بضاعتك ركدتْ، وكسدتْ، وبارت، وعليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء، قبل أن يُقالَ لك: "ارجع إلى الوراء؛ هذا ليس مكانك بل إنه مكانٌ لغيرك من الشرفاء".
وإذا كنت من أولئك الذين يتعاطون فكر القذافي، ويُسوِّقون له في المؤسسات العلمية والمعاهد والجامعات والمراكز البحثية، فعليك أن تتأخر إلى الوراء قبل أن يؤخِّروك، حيث قد حان وقت العلم والعمل ووقت الحق والحقيقة بدلا من الهراء والدجل والكذب الذي لا طائل من ورائه.
وإذا كنتَ تؤمن بفكر القذافي ونظرياته وهرطقته وشعوذته وأكاذيبه، وإذا كنتَ تحبُّ أن يكون حكمُ ليبيا حكمًا فرديًّا دكتاتوريا شموليًّا ولكنك لم تكن سببًا مباشرًا أو غير مباشر لإلحاق أيِّ ضررٍ أو أذًى بالوطن أو بالمجتمع أو بأيّ فردٍ من أفراده، ولم تكن واحدًا من المذكورين أعلاه، فإنك في حاجة إلى أن تتخلص مما ران على قلبك من الأقذار والشوائب التي تحتاج إلى فترة لا تقلّ عن ست سنوات للتّخلّص منها، وهذه السنوات الست هي الفترة الانتقالية لمدة سنتين، وفترة الحكم الأولَى لأول حكومة ليبية منتخبة ومدتها أربع سنوات. ولئلا تكون سببا في تعثّرنا وتأخرنا، فإننا نقول لك: "الرجاء خطوة إلى الوراء" في هذه الفترة إلى أن تكون قد شُفيتَ وتخلّصْتَ من هذه الأمراض.
وإذا كان من المفترض أن تنسحب وتتراجع وتتأخّر من تلقاء نفسك، ولكنك كابرتَ أو ظننتَ بأنك ستكون في مأمن، فلا تظنّنّ أن الليبيين مغفّلون أو سُذّجٌ أو بُسطاء، بل إنهم أذكياء، ونجباء. ولذلك فإنهم سيمهلونك الوقت الكافي، ولكنهم لن يمهلوك إلى الأبد، فلماذا لا تعرف قدر نفسك بنفسك، وتنسحب وتتراجع إلى الصف الأخير قبل أن يحين الوقت، ويُراق ماء وجهك عندما يقولون لك: "الرجاء خطوة إلى الوراء، هذا ليس مكانك إنه مكان الشرفاء".
د. الطاهر خليفة القراضي
جامعة الزاوية / ليبيا
algarradi@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق