[ أمّا مسألة الانشقاق على النظام فلا تمنح صاحبها صك غفران، أو يمكن تشبيهها بمن يعتنق دين أو مذهب جديد ليجب ما قبله مهما كان ملف صاحبه قاتما من السواد، فعدم قبول المنشق سواء في بداية الثورة أم في نهايتها بما قام به اللانظام في ليبيا شيء يشكر عليه ويحسب له ويعزز من وطنيته وحبه لهذا البلد، ولكن لا يعطيه أولوية في الاستعانة به بل يبقى في كراسي الاحتياط، فقد تتم الاستعانة به وقد لا تتم، فقد أخذ حظه ونصيبه من المسؤولية، أما قول بعضهم بأنهم لا يريدون منصبا ولا جاها، في حين يقبل بل ربما يسعى بطريقة أو بأخرى للحصول على ذلك فهذا هو النفاق بعينه، فلم نسمع حتى الآن بأن شخص من المنشقين عرض عليه منصب واعتذر عنه لأنه يريد أن يتيح فرصة للأخرين أو لأنه أخذ نصيبه بل الكل يقول في قرارة نفسه هل من مزيد، من هنا تبقى الأولوية للكوادر من أبناء وبنات الأسر التي دفعت دماء أبنائها رخيصة من أجل تحرير هذا الوطن، أو دمّرت منازلها أو أصيب أبنائها بإعاقات أو تعرّضت فتياتهم ونسائهم للاغتصاب وما أكثرهم لفظاعة الكارثة، وللذين لم يعملوا مع النظام السابق في مناصب عليا أو متوسطة سواء بسبب أن الفرصة لم تتح لهم، أو أنهم تعذّروا بعدم المقدرة، أو فضّلوا البقاء بعدين عن النظام لصعوبة العمل بالطريقة التي كان يعمل بها ذلك النظام، والتي تجعل المسؤول أقرب ما يكون للعبد منه للإنسان الحر، فالمسؤول في ليبيا زمن القذافي معرّض للأهانة وربما لأكثر من ذلك حتى من شخص قد لا يساوى مليما كما يقول الليبيون وهذا ما دفع الكثيرون إلى العزوف وتجنّب تحمل المسؤولية المذلة طوال تلك الفترة وما أكثرهم أيضا.
ربما يقول قائل بأن ليس للمجلس أو المكتب التنفيذي في هذه المرحلة مفر من التعامل مع هؤلاء، فهذا القول مردود عليه إذا استثنينا من ذلك القطاع العسكري والأمني لحساسيتهما وشموليتهما لأسرار خطيرة وكثيرة كما ذكرنا آنفا، أما الحقائب الأخرى فلا يوجد ما يبرر الاستعانة بالوجوه القديمة التي مل وسئم الليبيون حتى من مجرد ظهورهم على الشاشة، فقد ارتبطت اسمائهم بكل ما لحق بليبيا من دمار اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، فليبيا غنية وغنية جدا بالكوادر المؤهلة والمتخصصة وذات الخبرة سواء في الداخل أو الخارج، القادرة على قيادة المرحلة الانتقالية بكل جدارة دون الحاجة إلى الوجوه القديمة، وإذا كان هناك من حاجة إليهم فيبقوا مستشارين وليسوا قياديين، فقد أخذوا حظهم من المسؤولية سواء أكانت هذه المسؤولية نعمة أم نقمة. ] سليمان ابوالهول - دبلوماسى ليبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق