الثلاثاء، أكتوبر 09، 2012

المؤتمر الوطني وتعديل الإعلان الدستوري وحدوده..... د. عبد الرازق المرتضي

ذكرت تقارير إخبارية أن المؤتمر الوطني العام  يتأهب  لمناقشة الإعلان الدستوري المؤقت، والأمل ألا يفتح ذلك الباب لمناقشة لانهاية منظورة لها لبقية أحكام الإعلان، وبشكل خاص  ذات الصلة  بإعداد الدستور الدائم، ويكفي ما حركته هذه الأحكام من تجاذبات  طيلة فترة المجلس الوطني الانتقالي.

ففي 5. 7. 2012 أصدر المجلس المذكور التعديل الدستوري رقم 3 لسنة 2012 م  قاضيا بتعديل الفقرة الثانية من البند السادس من المادة 30 من الإعلان الدستوري التي تناولت مراحل بناء الدولة.
                      
وأعتمد التعديل الاقتراع الحر المباشر  في تشكيل هيئة تأسيسية من غير أعضاء المؤتمر الوطني العام  تتولى صياغة مشروع دستور دائم للبلاد، وذلك  من ستين عضوا على غرار لجنة الستين التى شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951 م. ونص التعديل على تولي المؤتمر الوطنى العام تحديد معايير وضوابط انتخاب لجنة الستين والتى يراعى فيها وجوب تمثيل مكونات المجتمع الليبي ذات الخصوصية الثقافية واللغوية.
 
وانتقدت بعض الأصوات هذا التعديل وتوقيته المتأخر ومدى اختصاص المجلس الوطني الانتقالي بإصداره قبل انتخابات المؤتمر الوطني العام بقليل، وأعتبر التعديل مناورة سياسية حركتها على عجل، حسابات الربح والخسارة في انتخابات المؤتمر الوطني العام، وبالتالي السعي للنيل من اختصاصاته  لصالح هيئة تأسيسية تتيح انتخاباتها القادمة فرصة تلافي ما تم واسترداد المواقع.
 
وتصدت أصوات أخرى لهذا الطرح مثيرة خلفيات التعديل، منبتة الصلة بتطور الانتخابات وحساباتها الضيقة، وجذوره القديمة المتصلة بواقع الثورة ومستقبلها ومقتضيات الوحدة والمصلحة الوطنية العليا ودروس الممارسات الدستورية المتواترة.
وتملي المصلحة الوطنية تجاوز هذا  النقاش والمضي إلى الإمام في بناء الدولة الدائمة بما يكفل نهاية المرحلة الانتقالية في موعدها وبالتالى وضع حد لما يسودها من حالة عدم استقرار قاسية على البلاد وشعبها، ذلك لاسيما وأنه ليس في الأحكام النافذة من عيوب جوهرية تحتم إعادة النظر فيها بكل ما يستغرقه ذلك من وقت وجهد، إذا ما  راعينا الحقائق الأساسية التالية:
  • إن الأمر يتعلق بهيئة صياغة دستور دائم يمثل العقد الاجتماعي لكل الليبيين، وبذلك يمكن فهم اهتمام الجميع بهذه الهيئة وصلاحياتها، وسبب تعرض المادة 30 من الإعلان الدستوري لثلاثة تعديلات متتالية. ولم يكن  التعديل الأخير هو أول تعديل للمادة 30 المذكورة فقد سبقته، وقبل انتخابات المؤتمر الوطني العام بشهور،  تعديلات أخرى تناولت تشكيل الهيئة واختصاصاتها: لجنة لصياغة  الدستور تشكل وتعمل في إطار المؤتمر الوطني العام،  هيئة الستين التي يشكلها المؤتمر الوطني العام من غير أعضائه، إلى التعديل الأخير الذي جعل اختيار أعضاء هيئة الستين بالانتخاب وليس بالتعيين. وكان وراء جميع هذه التعديلات مطالب متواترة  لمكونات جغرافية واجتماعية هامة للشعب الليبي استمرت لشهور طويلة وكادت أن تعصف بعملية انتخاب هذا المؤتمر بل و تؤثر جديا على مستقبل الديمقراطية ووحدة الوطن. ومن هنا برر إصدار هذا التعديل والتعديلات السابقة بمقتضيات مصلحة وطنية عليا  متصلة بالوحدة الوطنية ومستقبلها. 
  • لقد أعتمد التعديل  الأخير الاقتراع الحر المباشر  في تشكيل الهيئة التأسيسية، ولا يوجد على مستوى المبادئ ما يسند الطعن في الانتخاب  كأسمى أساليب الديمقراطية والدفع باستبداله بالتعيين! إن انتخاب الهيئات التأسيسية، وهو السائد في ممارسات الدول بما في ذلك دول الجوار التواقة إلى الديمقراطية  ~ تونس مثلا }، هو  أساس الديمقراطية الحقيقية والضامن الاسمى لحقوق الجميع وحرية  ضحى من اجلها الشهداء، وهذا ما يظهره  تاريخ مجمل النظم الديمقراطية.
  • إن السعي  إلى توسيع الاختصاصات الدستورية الهامة للمؤتمر الوطني سيحيي ويلهب ذات  التحفظات والمشاغل السياسية التي أثيرت خلال فترة المجلس الوطني الانتقالي حول قواعد انتخاب المؤتمر المذكور. ذلك في الوقت الذي يتعين فيه إعداد الدستور بتوافق وطني بعيداً عن الاعتبارات السياسية والفئوية الوقتية الضيقة. وفي كل الأحوال فإن التوجه نحو تجاوز التعديل النافذ وإناطة اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية بالمؤتمر يفرض أن يقترن بوضع  ضوابط شفافة يلتزم بها تؤمن حسن اختيار أعضاء الهيئة  كهيئة تأسيسية  تختلف  شروط اختيار أعضائها جذريا عن شروط اختيار أعضاء  الهيئات النيابية التقليدية. وضمان الاستقلال التام للهيئة، كهيئة تأسيسية  يتعين ألا تخضع لأية إرادات أو مواقف خارجها.
  • تقتضي المصلحة الوطنية خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ ليبيا عدم إقحام مؤتمر ~ انتقالي } في مناقشات سياسية لن تنتهي سوى بإطالة مرحلة انتقالية صعبة من خلال إجراءات لا نهاية منظورة لها  بشأن أداة صياغة الدستور. إن هذه المصلحة  تملي  تركيز المؤتمر خلال المدة القصيرة المحددة له على اختصاصاته التشريعية/الحكومية كجهاز سياسي انتقالي منتخب يخلف مجلس وطني انتقالي غير منتخب، وهي العديدة  والهامة. و تبرز هنا بإلحاح مهام تصريف الأعمال وانتظام نشاطات المرافق العامة والمهام المتعلقة بالأمن والاستقرار وما يتصل بذلك حول  إنهاء المظاهر المسلحة كأولوية حيوية من أولويات عمله وعمل الحكومة القادمة. يضاف لذلك اختصاصات هامة أخرى بما في ذلك ما أنيط به بموجب التعديل الأخير للإعلان الدستوري من اختصاص مؤثر في بناء دولة المستقبل، وهو  تحديد معايير وضوابط انتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية  بما تكفل ـ وفق ما جاء في التعديل ـ تمثيل جميع مكونات المجتمع الليبي بكل خصوصياته الثقافية واللغوية. بذلك يؤدي المؤتمر رسالة  تاريخية هامة ويساهم بفعالية في بناء دولة القانون والديمقراطية المنشودة  من خلال معايير وضوابط شفافة تؤمن اختيار  كفاءات  وطنية تتمتع بحكمة ومسؤولية وطنية تسمو على الحسابات الانتخابية الضيقة.
  • على أساس ما سلف يتم  تناول  الأمور المعقدة التي تتضمنها أحكام الدستور، من خلال هيئة تأسيسية مستقلة تتوفر في أعضائها القدرة على وضع دستور دائم و تتفرغ  لصياغة واعتماد مشروع الدستور خلال المدة القصيرة المتاحة ~ لا تتجاوز مائة وعشرون يوما من انعقاد اجتماعها الأول }، ومن خلال قرارات تصدرها بأغلبية غايتها ضمان توافق وطني لا غنى عنه في إصدار الدساتير  ~ أغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد }. بذلك  نضمن فعالية أعمال إعداد مشروع دستور توافقي  وما ينطوي عليه من بحث ودراسة من خلال عناصر مؤهلة متوفرة في كافة المناطق الليبية وجامعاتها. بهذا تستبعد مخاطر الهيمنة السياسية أو حتى الاستبداد التي تنجم عن تركيز جميع السلطات، التأسيسية والتشريعية والحكومية، بيد كيان سياسي يضم تيارات وأجندات سياسية متباينة، ويتم وضع دستور جميع الليبيين من قبل هيئة مستقلة و شفافة تمثلهم جميعا لتعكف على إعداد دستور توافقي دائم.
د. عبد الرازق المرتضي
‎عضو لجنة القانون الدولي/‏‎ ‎جنيف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق