انتهى اليوم بمحاسنه ومساوئه.. الحرب في شمال
مالي لم تبدأ رغم كل توقعات الصحف.. وخفت حركة الشوارع المزدحمة بكل شيء هذه
الأيام: السيارات والبشر وأسواق “السعي” المتناثرة كلما أمكن.. وكاد السكون يخيم
على الحي الذي أقطنه لولا ذاك الأخرق الذي جعل إتلاف أعصابي هدفه الأول والرئيس..
إصرار عجيب على “تمتيع” سيارته عند جزيرة الدوران القريبة كل ليلة.. وسط صياح
وتشجيع بضعة عشرات من “الفاضيين” من أبناء الجيران.. أفكر بالدعاء عليه ثم أتذكر
أنه يدفع ثمن الإطارات من جيبه الخاص..
وهو لعمري عقاب يكفيه..
الحادية عشرة ليلاً..
تجلس ليبيا ككل ليلة خلف أجهزة الكمبيوتر.. وعبر
المواقع الاجتماعية تضع نقاطاً ما على الحروف المتناثرة على الخارطة شرقاً وغرباً
وجنوباً.. يرسم كل شخص الوطن كما يراه ويحلو له.. ثم يحاول تسويقه للآخرين عبر سيل
من المزايدات والمغالطات والشتائم.. فتصبح ليبيا “كيف الفصل الي عنده حصة فاضيه”..
الكثير والكثير من الآراء والضوضاء والإشاعات والأكاذيب.. ولا أحد يسمع.. ولا أحد
يفهم ما يجري على وجه التحديد.. بل ولا أحد يريد الفهم كذلك.. شد مستمر في
الاتجاهات ذاتها.. واحتقان يتلوه احتقان.. وفي كل احتقان المزيد من الضحايا..
الحادية عشرة ليلاً..
ذروة الحوار السياسي الليبي بأشكاله.. ترتفع
حرارة الـ”فيسبوك” بشكل ملحوظ ويرتفع معها ضغط المواطن الذي تعود النقاش بحدية
وانفعال.. وتتكرر مصطلحات بعينها بإسهاب: مركزية.. فيدرالية.. ثوار.. حرية..
المؤتمر الوطني.. أزلام النظام.. دماء الشهداء.. الحكومة.. وغيرها من المصطلحات
التي تعجن وتفرد حسب الأهواء والتيارات.. تطرح الحكمة جانباً.. ونواظب على التمسك
بمواقفنا بتعنت مهما ابتعدت عن الصواب والمنطق.. ويصبح كل منا عراب هذه الثورة بلا
منازع.. وربما بطلها كذلك..
الحادية عشرة ليلاً..
تتصاعد وتيرة التصريحات والبيانات والتسريبات من
أطراف البلاد.. ويستحيل الإعلام الليبي ساحة حرب لا حدود ولا أخلاق فيها.. يستباح
الجميع لأجل الجميع.. ويصير الآخر خائناً وعميلاً ومندساً إذا لزم الأمر.. يتراشق
الساسة بكل شيء عدا الأحذية في معظم الأحوال.. ويداومون على التغزل بالمواطن
الرائع مادام يملك صوتاً انتخابياً.. أو سلاحاً.. تعزف سيمفونية التملق بكل احتراف..
فتضيع الحقيقة على ألسنة الليبيين.. وتصير كلمة الحق
“الوجاعة” خطأً لا يحدث إلا نادراً.. وإن حدث فهو من مسؤولية مرتكبه فقط وعليه
مواجهة تبعاتها.. فلا أحد سيتحمل معك العقاب في بلد لا يريد سماع الحقيقة..
الحادية عشرة ليلاً..
هنالك في بقعة ما من هذا الوطن يقرر أحدهم أن
مجموعة ما قد صارت عبئاً ثقيلاً على هذه الدنيا وأنه قد حان الوقت لإنهاء حياتها..
تصف السيارات المحملة بحاصدات الرقاب بأشكالها.. وتحمل الأسلحة والعقول الفارغة
على الأكتاف.. تسير قافلة الموت في عتمة الليل لتصفية حساب ما.. قبلياً كان أو
مصلحياً.. لا فارق هنالك.. المهم أنهم سيطعمون مدافعهم المزيد من الأرواح..
تطير بعض الرقاب ويُيتم بعض الأطفال.. ثم يرجع
البقية إلى بيوتهم متفاخرين ببطولات وأمجاد توهموها.. ليجلسوا في انتظار انتقام
الضحية..
الثانية عشرة ليلاً ..
يزحف ما تبقى من الأمل خارج مكتبي الصغير..
أتأمل ببلاهة هذا الضجيج المرتسم على شاشة الكمبيوتر.. وأدرك أنني لن أزيده إلا
صخباً.. وأنه ما زادني إلا إحباطاً.. وأقنع نفسي بأن الغد سيكون أفضل.. وأبدأ في
البحث عن المخدة..
تصبحون على خير..
حفظ الله ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق