الأحد، أكتوبر 07، 2012

كلمة الدكتور مصطفى بوشاقور أمام المؤتمر الوطنى ـ 7 أكتوبر 2012

السيد رئيس المؤتمر الوطني العام المحترم
السادة والسيدات الأعضاء المحترمون



يمر وطننا العزيز بمرحلة من أدق مراحل تاريخه المعاصر. لقد خلفت سنين الظلم والطغيان شروخا وجروحا عميقة في جسد هذا الشعب الأبي ولقد دمرت معارك التحرير الكثير من مقدراته وذهبت بالآلاف من أبنائه وبناته، نسأل الله تعالي أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يعافي الجرحى ويخفف آلامهم.


ليبيا الآن تأن من هذه التركة الثقيلة ومن هذه الظروف المعقدة وتستغيث بأبنائها وبناتها البررة أن يهبوا هبة واحدة لنصرتها وتضميد جراحها وبناء مستقبلها.

أن الأمهات الثكالى والبنات والأبناء اللذين فقدوا الأخ والأخت والأب المعيل المعين، والجرحى الذين فقدوا العافية، والأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد لينظروا اليوم إلينا جميعا بعين الرجاء والتوسل أن نكون على مستوى التحديات العظام التي تواجه الوطن في الأمن والاستقرار وبناء مؤسسات الدولة والدفع بعجلة التنمية والنهضة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. إن هذه الأيام بل هذه الساعات سوف تكون حاسمة في مستقبل الوطن وإن الأمل كل الأمل معقود في الله تعالى ثم في مؤتمركم الموقر أن يكون عند حسن الظن وأن يتحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه.
 
إنني عانيت كالآلاف من الليبيين غيري مرارة الغربة والتشريد وساهمت مع الكثيرين غيري في مقاومة نظام الظلم والقهر ثم عدت استجابة لنداء الواجب ورغبة في خدمة الوطن.
 
انه لشرف عظيم لي أن منحني مؤتمركم الموقر الثقة في تشكيل الوزارة ولقد بادرت في القيام بذلك بكل جهد وتفان، ولقد تواصلت مع كل الكيانات السياسية الممثلة في المؤتمر وكذلك مع المستقلين ومع العديد من شرائح المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني للتشاور والاسترشاد في تشكيل الحكومة وأريد أن أوضح النقاط الآتية:
  • لقد أعلنت من هذا المكان عندما قدمت برنامجي الانتخابي علي مجموعة من المبادئ التي سأخذ بها في تشكيل الحكومة. أولها أن تكون حكومة وفاق وطني تساهم فيها الكيانات السياسية والمستقلون ويراعي فيها التوازن الجغرافي للبلاد. دون أن تكون حكومة محاصصة وإنما تكون الكفاءة العالية هي المعيار الأساسي. شرعت من اليوم الأول في الاتصال بكافة كيانات السياسية وتشكيلات المستقلين من أعضاء المؤتمر. استجابت بعض الكيانات من البداية وبعضها تلكأ إلي ساعات قليلة علي موعد إعلان الحكومة. طالبت احدي تلك الكتل بأحد عشر حقيبة وزارية وطالبت أخرى بتسعة حقائب كما طالبت قدمت كتل المستقلين ترشيحات كثيرة من مناطقهم وكل يريد وزارة بعينها.
  • إن التشكيلة الوزارية التي تقدمت بها كانت نتيجة لجهد شاق تحريت فيه مصلحة الوطن العليا والتي لن أداهن فيها أحد مهما كان الثمن.
  • لم تكن تشكيلة مثالية وشابتها بعض الأخطاء. كنت علي استعداد بتعديلها بما يخدم مصلحة الوطن ولكن خرج بعض أعضاء المؤتمر قبل تلاوة أسماء المرشحين محتجين غاضبين وهوجمت بعد خروجي من القاعة بألفاظ لا تليق بهذا المؤتمر الموقر واتهمت بالخيانة والعمالة.
  • خرج علينا أعضاء المؤتمر في اليوم التالي لتقديم الحكومة لمناقشة سحب الثقة من رئيس الوزراء وكانوا قبلها بيوم واحد علي استعداد للمشاركة في الحكومة إذا لبيت طلباتهم.
  • يؤسفنى أنني لم أعد عندهم أهلا للثقة بسبب رفضي الاستجابة لطلباتهم الغير واقعية.
  • عندما شرعت في تعديل التشكيلة الوزارية وحاولت الاتصال بالكيانات السياسية دون جدوى لأنهم قد عزموا أمرهم لسحب الثقة والتقيت بكل ممثلي كثل المستقلين في المؤتمر وكذلك أعضاء المؤتمر الذين يمثلون المناطق المختلفة. فوجدت نفسي تحت ضغوط شديدة لان أشكل حكومة تخضع للمحاصصة المناطقية قبل الكفاءة. وأصبحت المساومات على المناصب الوزارية مقابل الأصوات لاعتماد الحكومة. ويعلن الاتفاق بين الكيانين السياسيين الكبيرين في المؤتمر على عدم اعتماد الحكومة مهما كانت التشكيلة الوزارية.
  • هذه الشروط التي أمليت علي لتشكيل الحكومة تتناقض مع المبادئ التي وضعتها لنفسي وأعلنتها من هذا المنبر يوم 11 سبتمبر الماضي. وأنا لست على استعداد للتنازل عن المبادئ والقيم التي أؤمن بها وعشت طوال حياتي على أساسها. فلقد رفضت أن أتنازل على هذه المبادئ أكثر من ثلاثين سنة في معارضة نظام المقبور عشتها بعيدا عن بلدي الحبيب وأهلي الذين ذاقوا ألوان الظلم من اجل مواقفي كما عانى أفراد الشعب الليبي جميعا.
  • أنا لم ارجع إلى ليبيا بعد الثورة المباركة لأكون رئيسا للوزراء إنما جئت حبا في خدمة هذا الوطن وأبنائه. أنا أظنني كسبت علما وخبرة خلال سنين الهجرة قد تساهم في بناء دولة حديثة يستحقها هذا الشعب الكريم. وكنت على استعداد لأخدم الوطن من أي موقع ولكن هناك من أبناء الوطن المخلصين من دفع بى للترشح لهذا المنصب وقبلت على مضض، ووضعت برنامجا كنت على يقين بان أحقق به الأمن في البلاد في مدة لا تتجاوز الستة أشهر وان يرى أبناء وطني التحسن الكبير في مناحي حياتهم خلال مدة هذه الحكومة. ولكن وجدت كل العراقيل من أعضاء المؤتمر والضغوط لكي أشكل حكومة غير قادرة على تنفيذ هذا البرنامج ولا التعامل مع التحديات التي تحدق بنا.
  • ليبيا الآن تواجه تحديات خطيرة تهدد استقرارها ووحدته الوطنية. فالموقف قد يتفجر في بني وليد إذا لم يعالج الأمر بحكمة والوضع في الجنوب متأزم وتداعيات الاعتداء على القنصلية الأمريكية قد يؤدي إلى تدخل أجنبي قد يدخل البلاد في دوامة لن يخرج منها. فبدل أن يرتفع المؤتمر الموقر إلى مستوى المسئوليه للتعامل مع هذه القضايا وتشكيل حكومة قادرة للتحدي لهذه الإحداث نجده يدخل في مناكفات وصراع سياسي بترك البلاد في فراغ سياسي لمدة لا يعلمها إلا الله وقد تضيع البلاد وهم في صراعهم على السلطة.
  • تحت هذه الظروف والضغوط التي تعرضت لها في تشكيل الحكومة أجد نفسي أمام هذا الموقف التاريخي الذي يمليه علي ضميري ومسؤوليتي أمام الله والوطن فإنني لن يكتب التاريخ علي أنني أسست مبدأ المحاصصة المناطقية في تكوين الحكومة. ولن ارضخ لهذه الضغوط مهما كان الثمن. فانا لست على استعداد لقيادة فريق وزاري تشكل ارضاءا لضغوط سياسية ومناطقية ولا بملك لا الكفاءة وروح الفريق القادر عل تحمل المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة. فلن أتحمل مسؤولية فريق وزاري لا أشكله بقناعاتي وخياراتي.
أريد أن أسجل هنا أن ليبيا أعظم واكبر مني ومن كل شخص أخر. أنا أتشرف بان أكون خادما لها ولأهلها وأكون خادما لأبناء مدننا العريقة خادما لمصراته الصامدة والزاوية العنقاء عقر المجاهدين وبنغازي مفجرة الثورة والزنتان الصامدة وخادما لمدن الجبل الأشم ومدن وقرى الجبل الأخضر واجدابيا والبريقة وأتشرف بان أكون خادما للكفرة وسبها والشاطئ وغات وكل مدن وقرى ليبيا الحبيبة.
 
ولا يفوتني هنا أن أقدم الشكر الجزيل لكل من وضع في الثقة ولأعضاء الفريق المتميز الذي عمل معي لإنجاح مشروع الحكومة. واعتذر لإخواني وأخواتي الذين تعرضوا للأذى والهجوم في أجهزة الأعلام لذكر أسماءهم كمرشحين للوزارة.
 
إزاء المخاطر التي تحيق بالبلاد والظروف الاستثنائية في العديد من المناطق فأنني قررت أن أتقدم إليكم بحكومة أزمة مصغرة من 10 وزراء صارفا النظر بالجملة عن أي اعتبار جغرافي.
 
إنني توخيت في هذا الفريق الكفاءة العالية والنزاهة والحزم والتجانس والقدرة علي تحقيق الأمن والاستقرار والدفع بعجلة الاقتصاد.
 
لقد بذلت ما بوسعي من جهد وتوخيت الأمانة أمام الله تعالي ثم النصيحة لشعبي ووطني.
 
أضع اليوم أمامكم هذه القائمة وأناشدكم أن تستمعوا إلي صوت الضمير وتغلبوا مصلحة الوطن.
 
يجب أن نرتفع جميعا إلى مستوي الظرف الذي تمر به البلاد وأن نعمل على تجنيب وطننا العزيز مزيدا من المخاطر والصعوبات وان نتقي الله في ليبيا واقعا ومستقبلا.
 
إن الشعب الليبي الذي اختاركم لهذا المجلس الموقر ومنحكم الثقة الغالية ينتظر منكم الآن أن توفوا الأمانة وتسمعوا إلى نداء الواجب.

وفقنا الله تعالى إلى الصواب ووهبنا القوة والحكمة والعون
عاشت ليبيا حرة أبية - المجد لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق