السبت، فبراير 08، 2014

التأزيم المفتعل...... عبدالمالك الصفراني

كأن بلادنا ينقصها المزيد من الانقسامات فأضيف إليها انقسام جديد بين مؤيد للتمديد ومعارض له، والتمديد هنا هو استمرار المؤتمر الوطني العام في عمله بعد يوم 7 فبراير 2014، اليوم الذي عدته بعض الأطراف السياسية والمدنية موعدا لنهاية لفترة عمل المؤتمر. يمكن مناقشة حقيقة هذا الموعد ومدى صحته دستوريا واستعراض الآراء القانونية حوله، لكن ما لا يحتاج إلى مناقشة أن هذا الموعد أصبح مطروحا بقوة كموعد سياسي وتعبير عن مطلب لأطراف سياسية وحراكات مدنية وله صدى كبير في الشارع بتأثير من الاعلام وقادة الرأي العام.
المؤتمر إذاً وجد نفسه أمام استحقاق سياسي ولحظة احتقان، وعليه أن يتعامل مع هذا الاستحقاق بحكمة ويتوصل إلى تنفيس هذا الاحتقان، فهل تمكن المؤتمر من ذلك؟ ليس تماماً حيث أن خارطة الطريق التي أقرها المؤتمر بأغلبية 146 صوتا جاءت متأخرة وعلى بعد أيام قليلة من الاستحقاق ولم تتمكن الخارطة من اقناع الأصوات المعارضة ولا تخفيف الاحتقان السياسي.
ولا يخفى أيضاً أن تكرار المحاولات داخل المؤتمر لسحب الثقة من الحكومة كان من عوامل خلق الاحتقان، فالأعضاء المطالبون بسحب الثقة لم يتمكنوا من الحصول على العدد الكافي من الأصوات، وكان من الخطأ الاصرار على هذا المطلب وطرحه أكثر من مرة تحت قبة المؤتمر ونقله لوسائل الاعلام.
وهذا يشير إلى خلل دستوري، فعملية سحب الثقة يفترض أن تنتظم اجرائيا وزمنيا، وفي حالة تخطي الحكومة للتصويت بسحب الثقة يعد ذلك بمثابة تجديد للثقة، ولا يسمح بإعادة طرحها للنقاش والتصويت إلا بمرور فترة زمنية تحدد في بعض الدول بعدة أشهر، وفي بعض الدول تكون الخطوة التالية بعد فشل سحب الثقة هي حل السلطة التشريعية وإعادة انتخابها، أما استمرار مسألة سحب الثقة مطروحة على الطاولة فقد سبب دخول العلاقة بين المؤتمر وحكومته في حلقة من انعدام الثقة وغياب التعاون وأزمة فراغ دستوري غير قابلة للحسم في أي اتجاه.
الأطراف المعارضة والمؤيدة لما سمي بالتمديد استعملوا جميعا اسلوب التأجيج وصناعة الأزمة والتهويل من العواقب والتخوف المبالغ فيه من المظاهرات أو التخويف منها، وهذا سلوك ينم عن عدم تقدير لخطورة العواقب وأهمها خيبة أمل المواطن في النخب السياسية وانصرافه عن المشاركة السياسية الحرة وهي أهم مكاسب الثورة، كما رأينا بوضوح في تدني الاقبال الشعبي على التسجيل في انتخابات الهيئة التأسيسية.
هناك من يبالغون في الدفاع عن المؤتمر بتشكيلته الحالية وبأسلوب عمله وقراراته، ويصل بهم الأمر إلى تخوين من يخالفهم الرأي، في حين أن المؤتمر نفسه ليس طرفا سياسيا واحدا ولا يمكن أن يكون كذلك فهو يجمع معظم الأطراف ولكل منها سياساته وايجابياته وسلبياته وخلافاته مع الآخرين.
هؤلاء في حاجة لأن نذكرهم بأن أداء المؤتمر هو السبب الأول في تعطيل وتمطيط الفترة الانتقالية، صراعات داخل المؤتمر شغلته عن تأدية مهامه الدستورية الرئيسية في وقتها، مماحكات بين الكتل جعلت ابسط المهام تحتاج شهورا لانجازها، تعطيل وتأخير قانون العدالة الانتقالية الذي يعالج الملف الأمني ويحقق الاستقرار، وعندما صدر القانون المنتظر وُضع في أحد الادراج ليطويه النسيان، حكومة شكلها المؤتمر وساهمت الكتل في عضويتها بدون برنامج واضح وبدون آلية فعالة للمساءلة، لجان المؤتمر الفرعية تحولت بشهادة بعض اعضاء المؤتمر الى مجموعات ضغط لأغراض شخصية أو جهوية، اتهامات لأعضاء بالسعي لأجل مصالحهم لدى الوزراء، واتهامات لآخرين بالتورط في تعيينات في السلك الدبلوماسي عبر الوساطة والمحسوبية، وغير ذلك كثير.
كان على المؤتمر أن يقوم مبكرا بدراسة الاعلان الدستوري وتعديله تعديلا جذريا وكافيا ليصبح خاليا من العيوب ويطبق مبدأ الفصل بين السلطات وتحديد الصلاحيات ويضمن الفاعلية والوضوح في وظائف المؤتمر وخاصة الرقابية منها، وكان يتوجب على المؤتمر تصحيح وضعه مبكرا بتعيين حد زمني اقصى لعمله، فلا توجد سلطة منتخبة تمارس عملها الى ما لا نهاية.
اما الان وقد وضعنا المؤتمر امام الامر الواقع ووصلنا الى محطة 7 فبراير (السياسية) بدون مخرج ديمقراطي فعلى اعضاء المؤتمر ان ينجحوا في تخفيف الاحتقان وأن يقنعوا الشارع بجديتهم في تسليم السلطة سلميا وديمقراطيا لمن سيخلفهم في هيئة تشريعية منتخبة وفي أقرب وقت ممكن.
أما خيار حل المؤتمر - وهو هيئة تشريعية منتخبة - وتسليم سلطاته التشريعية والرقابية والسيادية لفرد أو أفراد غير منتخبين فهذا خيار غير ديمقراطي بل نكوص عن الديمقراطية غير مبرر اطلاقا ولا يقبله من يتبنى الديمقراطية طريقا وحيدا لتداول السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق