الأحد، يناير 27، 2013

جايكم الخير يا ليبيين ولكن.... حسين التربي

نجلس في المقهى نتسامر.. نتفاخر.. نزايد.. نتباهى بما لدينا من موبايلات وسيارات وواسطات وخواتم وسلاح وحجج واهية.
نلتقي في العمل وفي الشارع وفي المؤتمر وفي المرابيع وفي المساجد والسكايب وفي الفيسبوك قبل الصلاة وبعدها نطلب الرحمة لشهداء الوطن والواجب والستر للآرامل واليتامي.. لكننا لا نفعل شيئاً من أجل أن لا يزيد عدد الشهداء والجرحى والآرامل وأطفال البراويط والنازحين والمفقودين والمحكوم عليهم مسبقاً بالنفي والخيانة والكفر.

فشهداء المستقبل والمنفيين و"الكلاب الضالة" الجديدة والمسروقة املاكهم وحقوقهم لا بواكي لهم بعد أن سحبنا منهم املاكهم وحق المواطنة، لنُرضي بذلك غرورنا وحقدنا وقصورنا الذاتي وفهمنا الخاطئ للقرآن الكريم ورغباتنا في الانتقام الأعمى التي تفرضها علينا سلاسل صنعناها بأنفسنا.
وفي جلسات الدفنقي والتلقيح والتحليق حول براريد الشاهي وفناجين المكياطة للتحليل السياسي وتحت سحابة دخان "الشيشة"، نتوقع حدوث المعجزات غداً بالظبط بعد صدور فتاوى المعصومين عن الخطأ السادة شيوخ حومتنا أطال الله أعمارهم ولحاهم كذلك.
لن ينجح اضراب خميسنا ولن ينجح اعتصام جُمعتنا ولا مسيرة سبتنا وفلاتر كتائب الافتاء وبوابات أولياء امورنا الكثر تترصدنا كما كانت فلاتر المثبات الثورية تتعقبنا وتسلبنا حريتنا وآدميتنا.
جايكم الخير يا ليبيين.. معجزة الحل النهائي ستحدث غداً وسيصبح كل شئ تمام التمام وميه الميه بشرط أن لا تتظاهروا ضد لجان أمنية تلوي رقاب الأبرياء لترهب المذنبين.. ولم لا وهي تتمتع بشرعية الباب العالي في القبض والتحقيق والتعذيب والمحاكمة وتنفيذ العقوبات!
جايكم الخير يا ليبيين بشرط أن لا تطالبوا بتفعيل نتائج اول انتخابات حرة عرفتوها بعد القضاء على الصقر الأوحد..وبشرط أن لا تطالبوا المؤتمر الوطني بمعرفة ما الذي حدث بالظبط في بني وليد وأن لا تطالبوا اعضاء المجلس الانتقالي السابق بمعرفة كل أسمائهم وخفايا تهريب احباب القذافي ومقتل عبد الفتاح يونس.
جايكم الخير يا ليبيين بشرط أن لا تسألوا الدكتور الكيب عن الذين قصدهم عندما قال علناً أنه هناك "جهات" تسيّر امور الحكومة..وبشرط أن لا تسألوا المستشار عبد الجليل بصفته قاضياً لماذا قال أن "اسلاميين" قتلوا اللواء عبد الفتاح بعد انتهاء خدمة المجلس الانتقالي ولم يقل ذلك عندما كان المجلس الانتقالي يحكم ليبيا أم أن ذلك كان سيؤثر في فرص نجاح بعض "المتأسلمين" في الانتخابات؟
جايكم الخير يا ليبيين وأموركم حتصبح مريقله بشرط أن لا تسألوا عما يحدث في امعيتيقة..وبشرط أن لا تسألوا عن سبب تمكين شركات فاشلة لدول الجوار في مدكم بعمالة ارحم من قرّا وورّا..وبشرط أن لا تسألوا عن استباحة بنغازي امام كل من هب وذب..وبشرط أن لا تنسوا التكبيييييييير ذهاباً وأياباً.. فالأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما فتى!
جايكم الخير يا ليبيين بشرط أن لا تطالبوا السيد المقريف بتقليص زياراته الى الخارج وأن لا تطالبوه بالتركيز فقط على "ادارة" جلسات المؤتمر.. وبشرط أن لا تطالبوا بمسائلة أعضاء المؤتمر عن تضييعهم لكل هذا الوقت من عمر المؤتمر وتوافقوا على اطالة عمر المؤتمر وثوريت العضوية ربما لأربعين سنة أخرى لأنه ما فيش حد خير من حد.. وحرية والله اكبر!
وبعد أن تم توزيع السلطة والسلاح على مليشيات الانقاذ المتحرك بالريموت كونترول، سيتم كذلك تخليصنا من ثروة وفلوس البترول المشؤوم.. وسيستمر اعفائنا من تكدير ارواحنا بوسخ الفلوس لأننا ما نعرفوش قيمتها.. وستُسلب منا أرض الوطن وتوزّع على دول الجوار، لأننا وفي خضم تدافعنا حول غنائم حرب التحرير لم نعد نتذكر كم هي رائعة رائحة تراب ليبيا بعد المطر.
وبعد هيصة توزيع السلطة والسلاح على من يدينون بالولاء لمرشدين وأمراء وشيوخ نجهل بعضهم وتكدرنا بمعرفة بعضهم الآخر بعد ثبات ارتباطهم بتسويق مشروع "ليبيا ممكن غدواه"، ستوزع الثروة على ناس "وطنيين" يعرفو ربهم ويخافوه وكُتب عليهم "مساكين" تحمل عبء توزيع بعضاً من تلك الأموال على "اخوانهم المسلمين" في دول الجوار!
هل هذه سوداوية في التفكير أم محاولة للأعتراف بوجود ما يكدرنا؟
ومع وصول فنجان المكياطة او طاسة الشاهي الثانية، نكون قد نسينا أننا بوعي او بدونه وافقنا على أن يذهب هذا الشعب المسكين قليل الوالي وراقد الريح اللي ديما يلاقي العظم في الريّه في ستين داهية، لأنه شعب ليبي ومشكوك في اسلامه ومحتاح لاِخوان ولسلفيين ووهابيين وشيعة يعلموه الدين الاسلامي وفنون تقديم الدعم اللوجيستي لجماعات ارهابية تريد الزج بليبيا في معمعة حرب مدمرة ستحطمنا جميعاً وستصادر كل طموحاتنا واحلامنا في غدٍ افضل!
ونكون قد نسينا مع بداية الجولة الثالثة لندوة "تبّي والا ما تبيش الديمقراطية" أن ذلك الشعب الذي ظلمه نظام الأمس الفاشي وتظلمه فوضى اليوم المتطرفة هو نحن..وهو كل من حمل الغصة بحلقه في الأمس وشاف العوج بعيونه بسبب الثوريين ويزال وللأسف يحمل نفس الغصة ويرى نفس العوج بعيونه بسبب ممارسات مليشيات أشباه الثوار وسماسرة الاتجار في الاسلام من يريدون بيع ليبيا "لاِخوان" ولجماعات الجيران والزج بديننا السمح في اللعبة السياسية القذرة وتحويل ما سيتبقى من أرض ليبيا الى أرض معركة منبوذة من العالم أجمع ولن تشارك دولة واحدة في اعمارها.
كلنا تقريباً نطالب بنشر العدل والآمان في ربوع الوطن، وننسى أن مؤخرة القاضي بدون غطاء..فغطاء مؤخرة قاضينا يتدلى معلقاً فوق فوهة ميم طا تتبع ثائر جهوي ومتطرف أناني ينتظر فتاوى دينية او تحريضات "ثورية" من شيخه او أميره ليستلم غنيمته قبل التفكير في ستر عورة قاضينا وقبل التفكير في اطلاق سراح الرهينة المسكينة ليبيا..وتسجل القضية ضد مجهول.. لكننا لا نفعل شيئاً!
كلنا تقريباً نطالب بنشر العدل والآمان في ربوع الوطن، لكننا ننسى أن الليبي الشريف الذي يريد حماية أمن مدينته ويتمنى الخير لأهله ووطنه ويتكلم بصراحة مصدرها الولاء للوطن وليس للمرشد ويكتب عن العوج اللي يلوي الرقبه ويدرّه الكبيده، عائلته مهددة بالاغتصاب وبالاختطاف وبالقتل، وكيانه كبشر وكمواطن ليبي لا يساوي ثمن رصاصة منهوبة من مخازن "جماهيرية" ضريبة البندقية.. وتكبير والله اكبر وتسجل القضية ضد مجهول.. لكننا لا نفعل شيئاً!
في مآتمنا وفي أعراسنا نفتخر برصاص العشوائية وبفحولة الميم طا وببطولاتنا الحقيقية والوهمية وابداعاتنا في نزع الاعترافات من المعتقلين لدينا بقوة البونيه والفلقه وبالاستناد الى تعاليم دينية تم تفسيرها بطريقة خاطئة تحت تأثير الجاوي والفيسوخ والوشق وكتب صفراء ونعلم أننا مخطئين.. لكن القضية تسجل ضد مجهول ولا نفعل شيئاً!
نرى مؤتمرنا الوطني الموقر يتجاهل البث في أهم واجباته وهو واجب انتاج دستور ليبي وليس تستور جماعة معينة، ومع هذا مازال بالنا واسع ومستعدين دائماً لخلق المزيد من المعوقات وايجاد الاسباب له ليتحفنا مؤتمرنا الوطني بالمزيد من التجاهل وكأنه يقول لنا في خجل: الطبيخة قاعده عالنار.. وسعو بالكم واللي يستنى خير من اللي يتمنى!
نحن شعب لا ينسى البعض منه اهمية وضرورة رفع اكتافنا الى الأعلى ونفخ ما تبقى لهم على جلودهم من ريش الطاووس الثوري عند التحدث عن حداقتهم وفلاحتهم في رشوة ليبي ساعدهم في تهريب الهيروين والكوكايين لتدمير شباب ليبيا اوعند التحدث عن فلاحتهم في بزنس تهريب البشر.. او في الحصول على واسطه من كرزه كبيره في ميليشيا ساعدهم في تمرير مستندات مزورة لأجل امتصاص المزيد من اموال ميزانية علاج الجرحى، ونحن نعرف بيننا وبين أنفسنا أن تلك الاموال التي تُسرق كان من المفروض أن يستفيد بها ليبي يتيم او معاق او ان تستفيد منها ارملة او عائلة ليبية فقيرة..او تخدم تلك الاموال مصلحة مطلّقة ليبية وتعفيها من مذلة الاحتياج للأجنبي..لكننا لا نفعل شيئاً ونرضى بنهب تلك الأموال وسرقتها ثم نقول قبل القيام للصلاة في تصنع ورياء: الله غالب!
شيوخنا الأفاضل يهددوننا بتحويل ليبيا الى جحيم اِن لم يتم لهم حكمنا بطريقتهم!
يهددوننا تماما بنفس الكيفية التي هددنا بها طاووس الأمس عندما كان عاطلاً عن العمل وينش في الذبان بسعف النخيل. بعضاً من شيوخنا وللأسف هم كمن سبقوهم يهتفون علنا وسراً: نحن ومن بعدنا الطوفان.. تكبييييير!
وعلى منابر مثاباتهم يرغون ويزبدون: نحن فقط نعرف ما هي البنود التي يجب أن يحتويها الدستور.. تكبيييييير!
نحن فقط نعرف مصلحتكم أفضل منكم.. تكبييييييير!
واذا لم تستمعوا لنا وترضخوا لنا: يا ويلكم ويا سواد ليلكم..لن تترككم لا الغولة ولا سلّال القلوب في آمان!
فلماذا يا أخوة كل هذا؟
هل قامت ثورة 17 فبراير من أجل ذبح الليبي لأخيه الليبي؟
هل قامت ثورة 17 فبراير حتى يتمكن بعضاً من أخوتنا من السيطرة على رقابنا بدلاً عن الطاووس وزمرته؟
لماذا الرغبة والتصميم على ذكر الشريعة الاسلامية في دستور ليبيا دائماً يكون مقروناً بلغة التهديد بالتصفية الجسدية والدمار والوعيد؟ لماذا لا تأتي المطالبة بذلك بالتي هي أحسن وبالحوار وبالنقاش الهادئ وبدون تفنيص واختطاف واغتيال وتعذيب وتكفير وتخوين؟
لماذا السيد مفتي البلاد لا يطلب علنا وبالفلاقي الفصيح وبالفم المليان- اِن كان محايداً بالفعل - من كل المليشيات والكتائب المسلحة ضرورة الانضمام للشرطة او للجيش كأفراد؟
هل تعارض دار الافتاء قيام دولة ليبيا، وما السبب وراء ذلك؟
أنا لا أعتقد أن اعتماد الشريعة في الدستور بهذه الطريقة سيجعل من الليبيين مسلمين أفضل.. بل اؤمن بأن استمرار المطالبة بالشريعة في الدستور بهذه الطريقة سيجعل الليبيين يبتعدون أكثر فأكثر عن الجماعات التي تطالب بذلك.. فهل تقسيم الشعب الليبي وتصنيفه الى مسلم جيد موافق على ذكر الشريعة في الدستور والى كافر معارض لذكر الشريعة في الدستور بقوة السلاح هو ما يتطلع اليه المتشددون؟ أليس في ذلك فتنة ستضر بوحدة هذا الشعب الذي عرف الاسلام قبل أن يعرف جماعات متطرفة سلاحها اقوى من ايمانها؟
الا ترون أيها الاخوة والاخوات الى أين اوصلتمونا؟
انا متأكد أن هذا لا يرضي الله ولا يرضي الشعب الليبي ولتذهب الى الجحيم كل الفتاوي التي تشرّع وتسمح بالقتل والاختطاف والاغتصاب والتكفير والتخوين وتكميم الافواه وتدعو الى توزيع ارزاقنا على الآخرين بينما يموت الليبي جوعاً وبرداً ومرضاً ويتجرع كؤوس المرارة والمذلة فوق ارضه وفي المنافي.
كيف قطعنا برصاص غادر خيط الثقة الذي كان يجمعنا؟
لماذا دفعنا عمولة من أرزاقنا لمرتزق لكي يغتصب اخواتنا؟
لماذا نفتح آراضينا أمام من يريد تنفيذ وصايا العهد المباد بتحويل ليبيا الى جحيم؟
لماذا يفضل البعض منا التعامل مع مرشدين وأمراء وشيوخ ورؤساء حكومات اجنبية على التعامل مع ابن بلده؟
لماذا نمنع ليبي أهان اخوه الليبي ايام الطاغية من العمل في ليبيا، وفي نفس الوقت نفتح قلوبنا وبيوتنا ومساجدنا ووزاراتنا وبنكونا لمن يهين الليبي اليوم ويريد تحويل ليبيا الى مرتعاً للارهاب والقتل؟
ما الذي حلّ بنا لكي نقبل اليوم ما عارضناه بالأمس من تعذيب وتهميش واختطاف واحتكار للسلطة؟
الشرق يهدد بالفيدرالية والانفصال وبه متطرفين..الجنوب يهدد بالفيدرالية والانفصال وبه من يدينون لدول اخرى.. الغرب اغلبه يدين بالولاء للمدينة او للقبيلة والكل هناك يدّعي انه هو من حرر العاصمة وبذلك له الحق في السيطرة عليها.. الجزائر تريد منا شيئاً.. مصر تريد منا شيئاً.. قطر لم تساعدنا على خاطر سواد عيوننا.. الغرب لولا موقع ليبيا ونفطها لما اهتم بما يحصل في ليبيا.. تونس تسعى مثل مصر لوصول "الاخوان المسلمين" لسدة حكم "الأخوان الغير مسلمين" في ليبيا.. لا توجد لدينا مستشفيات ولا مدارس ولا مجاري ولا بوليس ولا دستور ولا جيش الا البلي والهم الاحرف والنكد.. ونحن الليبيين لم نقفل حدودنا مؤقتاً بعد امام من يريدون هلاكنا.. واصبحنا فالحين في الجري وراء بعضنا ونتصيد اخطاء بعضنا ونكفّر هذا ونخوّن ذاك حسب المزاج ومتجاهلين ما يحيط بنا من تحديات ومخاطر تهدد وجود ليبيا بالكامل.. وكل هذا من اجل فتوى او منصب او سيارة او مقر او الف دينار او بند في الدستور او صندوق طماطم وشكارة مكرونه! ما أتفه عقول بعض مدعي الوطنية والتدين في هذا الزمن الشاذ!
ما الفرق بين "تحريضات" الأمس الداعية الى "لا ثوري خارج اللجان الثورية" وبين فتاوى اليوم الداعية الى معارضة انضمام المليشيات واللجان الأمنية والكتائب المتطرفة الى جيش وطني واحد وقوات شرطة ليبية واحدة؟
نعم، قضينا على الطاغية لكننا اغتصبنا وسرقنا واختلسنا وعذبنا وهمّشنا كما فعلت شلة العهد الماضي.
باِسم الثورة وباِسم الدين نسفنا جمجمة الليبي..قطّعنا اوصال الجار وأكلنا ما استطعنا من لحوم أخونا الليبي ومواشيه وحرقنا البقية، وقصفنا جسوراً بُنيت فوق أجساد شهدائنا الأبرار الذين اعتقدوا أن تضحياتهم ستساعد ليبيا في العبور الى بر الآمان.
الا ترون أن الليل يرهبنا فنتأمر
وأمام مثابات الظلم
أمام قصور النخبة ومنابر فتاوي خُط ولوّح القادمة من فضاء المرشد العام
وفي بوابات "شاهي الحرية" المزوّر تستوطن الغصة حلقك يا ليبي..وترضى بتسجيل القضية ضد مجهول هبط على أرضك من الفضاء الخارجي بقدرة قادر..فمتى تستيقظ وتفطن الى ما يحاك ضدك؟
تمسو على خير
حسين التربي
huseinturbi@yahoo.co.uk
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق