الاثنين، مارس 18، 2013

المأزق الراهن و الدعوة الي بداية جديدة.....د. نصر العنيزي

بالأمس قام السيد إبراهيم صهد ممثل بنغازي في المؤتمر الوطني بنشر مقال في صفحته الخاصة بالفيسبوك عرض فيه سرداً وافياً للأحداث الخطيرة التي جرت في العاصمة في أوائل هذا الشهر وأهمها إقتحام مقر المؤتمر من قبل "الثوار الجرحي مبتوري الأطراف“ والإعتصامات التي أنتهت بمحاصرة مقر المؤتمر وإحتجاز أعضائه بالداخل وإهانتهم بالسب والضرب وتهديدهم بالسلاح وذلك لإرغامهم علي التصويت علي مسودة قانون العزل السياسي المقترح.

وصل تدهور الامور الي درجة استهداف سيارة رئيس المؤتمر بوابل من الرصاص كاد أن يؤدي الي سقوط الارواح لولا رعاية الله وربما كان لهذا العمل الإرهابي دور في تدهور الحالة الصحية للسيد رئيس المؤتمر مما أستدعي السفر علي وجه السرعة الي تركيا وأدي الي ضرورة العملية الجراحية التي أجريت له هناك (والتي كللت بالنجاح والحمد لله). تفاصيل رهيبة للوضع الحرج الذي وصلت اليه ليبيا ممثلة في أول برلمان لها بعد الاطاحة بالحكم الدكتاتوري الذي ساد البلاد لاربعين عاماً ويزيد. وجاءت الأحداث في مقال السيد صهد في تسلسل زمني وبالتفصيل ولكنه أختار أن يحجب أسماء الاشخاص الذين قاموا بتنفيذ هذا العدوان المسلح والتنظيم أو الأشخاص الذين دبروا هذه الجريمة و كانوا من ورائها.
لا أعتقد أن أغلب المواطنين يدركون أن الأمور قد وصلت الي هذا الحد المخيف وهذا المستوى الاجرامي من الانفلات الأمني. غني عن القول أننا ندين بشدة كافة ألوان الارهاب سواء كان مسلحاً أو أقتصر علي الإيذاء والتهديد الشفوي وبالتالي فاننا ندين الاعتداء علي أعضاء المؤتمر كما ندين الاعتداء علي أي مواطن وفي الوقت نفسه نساند حق الجميع في التعبير عن الرأي بالطرق المتحضرة المشروعة والتي علي حد علمي لا تشمل العنف والارهاب. لكني أود أن أوضح عدة نقاط بخصوص "الشرعية“ التي أصبحت هي أيضاً سلاحاً يشهره الكثيرون بمناسبة و بغير مناسبة. الشرعية في إعتقادي تنبع من وتستند الي ثلاثة مصادر ذات نفس الأهمية: المصدرالأول كما ذكر السيد صهد هو نتائج الإنتخابات التي كانت شفافة (رغم مقاطعة قطاعات عريضة لها وتحفظها يدعليها لأسباب عدة ربما نناقشها في مقام آخر)). مصدر الشرعية الثاني يكمن في مدي نجاح المؤتمر في تحقيق تقدم ملحوظ علي طريق إنجاز أهدافه المعلنة منذ بداية عمل المؤتمر وهنا لا بد أن نسلم بأن المؤتمر أخفق كما بشهد بذلك بعض أعضائه. ليس هذا فحسب بل أننا شاهدنا خلال الأشهر الثمانية الماضية تصرفات من بعض أعضاء المؤتمر يندي لها الجبين كما ظهر جلياً في معاملتهم لزملائهم. لقد كان لتكرار مثل هذه التصرفات (التي تدل علي رداءة الاخلاق أو الاختلال العقلي او الاثنين معاً) أثراً سلبيا واضحا علي هيبة المؤتمر وشرعيته بالإضافة الي فقدان هؤلاء الأعضاء إحترام ناخبيهم والناس عامةً.
أضف الي هذا فشل المؤتمر في تطبيق أي عقوبة تذكر ضد الأشخاص الذين تطاولوا علي زملائهم بمن فيهم رئيس المؤتمر. ومما زاد الطين بلة كما يقولون أن نسبة من أعضاء المؤتمر قد تصل أحيانا ال 30% أعتادت علي التخلف عن جلسات المؤتمر وتمثيل ناخبيهم كما تملي الشرعية في الوقت الذي يتمتعون فيه بمزايا عضويتهم ومرتباتهم السخية. وفي هذا الصدد أيضاً فشلت إدارة المؤتمر في معالجة هذه المشكلة وتطبيق اللائحة الداخلية إن وجدت. بالإضافة الي ذلك هناك حقيقة أخري ظهرت بسرعة فور نهاية العملية الانتخابية وإعلان نتائجها إذ أتضح أنه في العديد من الدوائر نجح عدد من رجال ونساء النظام الساقط في الوصول الي عضوية المؤتمر وقد تمت إدانة قلة منهم بقلة النزاهة وإنعدام الوطنية. إن استمرار وجود هؤلاء "الأزلام“ (كما جرت العادة علي الإشارة اليهم) كلف المؤتمر جزءًا ليس باليسير من ثقة الشعب وبالتالي من شرعيته.
والدعامة الثالثة للشرعية تتمثل في نجاح المؤتمر في الدفاع عن نفسه وحماية مقره وأعضائه بالقوة اذا لزم الأمر لكي يتوفر المحيط الآمن للعمل وهنا أيضاً فشل المؤتمر فشلاً ذريعاً رغم أن هاجس الأمن كان من أهم المواضيع المطروحة منذ البداية و بدلاً من ان يشرع المؤتمر منذ اللحظات الأولي مستمداً قوته من شرعية الانتخابات وإحتماءً بالشعب و قوة الشارع في تفكيك الكيانات المسلحة و إنهاء حكم المليشيات وبناء دعامات الدولة... بدلاً من هذا المسار الصعب والضروري في آن واحد فضل المؤتمر الوقوف في صف المليشيات حتي بعد أن منحته بنغازي فرصة ذهبية لا تعوض في جمعة إنقاذها و منح صك الشرعية لبعض المليشيات المختارة وبذلك كرر المؤتمر نفس الخطأ الفادح الذي أرتكبه المجلس الإنتقالي عندما تراجع رئيسه فجأة عن فكرة نزع السلاح علي الفور حتي لا يستفحل داء المليشيات.
كل هذه الأمور تعمل علي تقلص ما تبقي من شرعية المؤتمر وليس هناك ما يشير الي إحتمال تحسن آداء المؤتمر أو الوضع الأمني في البلاد (كما يدل علي ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2095 الذي صدر أخيرا حول الوضع المتردي لحقوق الانسان في ليبيا) بل أن الوضع في تدهور مستمر وقد يتفاقم بسرعة مفاجئة تؤدي الي مأساة إنسانية. والسؤال الآن: كيف يمكن الخروج من هذه المحنة او الأزمة؟ شخصياً لا أجد مخرجا للبلاد من أزمتها الراهنة إلا بداية جديدة (تماماً كما حدث عام 1951) بمساعدة الأمم المتحدة والدول الصديقة التي ساعدتنا علي التخلص من الحكم الدكتاتوري الساقط. لا شك أن هذا الاتجاه أيضا محفوف بالمخاطر ولكن هذه الأخطار تتضاءل قياسا بما يمكن أن يئول اليه حالنا اذا ما أستمرينا علي المسار الذي نحن فيه الآن. كما أن بداية جديدة تعني بذل المزيد من الجهد والعرق والوقت وقد يستغرق ثلاث سنوات أو أكثر قبل أن يعطي النتائج المطلوبة - دولة آمنة مستقرة وحكم ديمقراطي في ظل دستور عادل يضعنا علي الطريق نحو مزيد من التقدم والازدهار.
د. نصر العنيزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق