الاثنين، ديسمبر 31، 2012

الاستراتيجيات العشر للتحكم بالشعوب.... نعوم تشومسكي

كشف عالم اللغويات الأمريكي الشمالي نعوم تشومسكي، مؤلف “صناعة الإذعان” (منشورات آغون/ Agone 2008) والمنتمي إلى تيار أقصى اليسار الأمريكي، قائمة باستراتيجيات التلاعب بالشعوب والتحكم فيها عبر وسائل الإعلام؛ وقد أسهب في شرح تفاصيل محتوى تلك القائمة ابتداء من إستراتيجية الإلهاء ووصولا إلى إستراتيجية قتل الحس النقدي والتمرد، مرورا بطرق إبقاء المواطنين يسبحون في مستنقعات الجهل والرداءة والخنوع. إثر قراءة هذا المقال، يمكننا التعرف إلى تقنيات أصحاب النفوذ من كبار الحكام ورجال الأعمال والعلماء من مختلف التخصصات، وإلى أساليب تعاملهم بخصوص مواضيع كثيرة منها الآلة الإعلامية والمنظومتان التربوية والثقافية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يتم في غالب الأحيان تصنيعها من أجل السيطرة على المواطنين الذين ينزعون في معظم الأحيان إلى تفضيل الأمن والاستقرار على حساب حرياتهم.

1/ إستراتيجية الإلهاء:
هي العنصر الأساسي الحاسم لتحقيق السيطرة على المجتمعات؛ وترتكز على تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية بواسطة وابل مستمر من أساليب اللهو والتسلية والأخبار والمعلومات التافهة. إستراتيجية صرف الاهتمام والإلهاء، التي لا غنى عنها لتحقيق أهداف المخطط، ضروريةٌ أيضا لأنها تمكن من إعاقة محاولة الشعوب التركيزَ والانكباب على المعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلوم البيولوجيا العصبية والسيبرانية/ علم القيادة والتحكم في الآلات والكائنات. “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية واجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية جوهرية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير والتمحيص؛ عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.” مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.

2/ افتعال الأزمات وتقديم الحلول:
ويسمى هذا الأسلوب أيضا بـ “المشكلة- رد الفعل- الحل”. يقع خلق المشكل، في بداية الأمر، ثم يتم افتعال وضعية يقع التخطيط لها لإثارة رد فعل ما لدى الرأي العام، كي يطالب هذا الأخير، بنفسه، باتخاذ تدابير خُطِّط لها، مسبقا، كي يتقبلها. على سبيل المثال: يقع تهيئة المناخ الملائم لتنامي العنف في المناطق الحضرية أو تنظيم هجمات إرهابية دموية كي يصير المواطن هو الذي يدعو إلى سن قوانين أمنية عامة، ما هَمَّ إن كانت على حساب الحريات الفردية. كما يتم الالتجاء، أيضا، إلى افتعال أزمة اقتصادية لا يمكن تجاوزُها إلا في حالة تقبُّلِ تراجعِ الحقوق الاجتماعية وتفكيكِ الخدمات العامة باعتبارهما شرا لا بد منه.

3/ إستراتيجية التدرج:
لتحقيق تقبل ما لا يمكن القبول به من التدابير، يكفي تطبيقه تدريجيا على شكل “قطرة قطرة”، على مدى عدة سنوات متتالية… تلك هي الطريقة التي تم بواسطتها فرض الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة (النيوليبيرالية) المتغيرة بشكل راديكالي عن سابقتها، طوال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. ونجمت عنها أعداد هائلة من العاطلين عن العمل، عدم استقرار، خصخصة، مرونة، لامركزية، نقل الخدمات من إدارة إلى أخرى، مرتبات لا تضمن دخلا لائقا وغير ذلك من التغييرات العديدة التي كان من شأنها أن تتسبب في ثورة إذا ما تم تطبيقها بعنف ودفعة واحدة.

4/ إستراتيجية التأجيل:
ثمة طريقة أخرى لتمرير قرار لا يحظى بموافقة الشعب وذلك بتقديمه على أساس أنه “موجع ولكنه ضروري”؛ وهكذا يتم الحصول على موافقة الشعب في تلك الفترة من الزمن من أجل تطبيق القرار في وقت لاحق. من الأسهل دائما القبول بتنازلات مستقبلية وتفضيلها على تضحيات أخرى فورية. أولا لأن الجهد الذي سيبذل لن يكون قريبا جدا في الزمن، وثانيا لأن عامة الشعب لها دائما ذلك النزوع للأمل الساذج بأن “كل شيء سيكون أفضل، في الغد” وأنه، وفقا لذلك، بالإمكان تخطي تلك الأزمة وفي المقابل تجنب التضحية المطلوبة. وفي النهاية يتيح ذلك فرصة للشعب كي يعتاد على فكرة التغيير والقبول به باستكانة وخنوع عندما يحين وقته.

5/ مخاطبة أفراد الشعب كما لو أنهم أطفال قُصًّرُ:
تستعمل معظم الإعلانات الدعائية الموجَّهة لعامة الشعب خطابا وحججا وشخصياتٍ ونبرةً صبيانية ضحلة تكاد تكون دائما واهنة، كما لو أن المشاهدَ صبيٌّ صغير في بداية سنيِّ طفولته أو معاقٌ ذهنيا. كلما كان السعي نحو خداع المشاهد أكبرَ، تضاعف اعتمادُ اللهجةِ الطفولية أكثر فأكثر. لماذا؟ “إذا تمَّ التوجه إلى شخص ما كما لو أنه لم يتجاوز بعد الثانية عشرة من عمره، فإنه يتم الإيحاء له بأنه فعلا كذلك؛ وبسبب قابليته للتأثر، من المحتمل، إذن، أن تكون إجابته التلقائية أو ردُّ فعله البائس والفارغ من أيِّ حس نقدي كما لو أنه صادر فعلا عن طفل ذي اثني عشر سنة.” مقتطف من دليل “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.

6/ استخدام الجانب العاطفي بدل الدعوة إلى التفكير والتأمل:
استخدام العاطفة هو أسلوب تقليدي لتجاوز التحليل العقلاني وبالتالي تدمير الحس النقدي وتعطيل ملكة التفكير لدى الأفراد. وعلاوة على ذلك، فإن استخدام السجل العاطفي يتيح فتح الباب لولوج اللاوعي أو العقل الباطني كي يُغرس فيه ما يُراد غرسُه من أفكار ورغبات ومخاوف وانفعالات أو سلوكيات…
 
7/ الحرص على إبقاء عامة الشعب متخبطة في الجهل والغباء:
لتحقيق ذلك، ينبغي العمل على جعل المجتمع غيرَ قادر على فهم التقنيات والأساليب المستخدمة للسيطرة عليه واستعباده. “يجب أن تكون نوعية التعليم المقدمةُ للطبقاتِ الدنيا الأفقرَ، قدر ما يمكن، من حيث جودتُها، بشكل يجعل فجوةَ الجهل فاصلة بين تلك الطبقات الفقيرة والأخرى الراقية التي تعتبر صفوة المجتمع ونسغه. كما أنه ينبغي أن يظل من المستحيل توصُّل الطبقة الفقيرة إلى معرفة أسرار تلك الفجوة. مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
 
8/ تحفيز المجتمعات على استحسان تخبُّطِها في الرداءة ملء رضائها عن نفسها:
تشجيع العامة على اعتبار الغباء والابتذال والجهل “موضة”.

9/ تحويل مشاعر الرغبة في التمرد إلى إحساس بالذنب:
ينبغي العمل على جعل الفرد يعتقد أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته وسوء حظه، وذلك بسبب قصور تفكيره وضعف قدراته أو جهوده المبذولة. وهكذا، بدلا من أن يتمرد على النظام الاقتصادي، يغمر الفردَ شعورٌ بتدنٍّ ذاتي فينغمس في إحساسه المُمضِّ بالذنب ومن ثَمَّ يصاب بحالة اكتئاب وإحباط من شأنها أن تُثبط الفعل لديه. ودون فعل، لا يمكن أبدا للثورة أن تتحقق!

10/ معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون، هم أنفسُهم، ذواتهم:
لقد حفر التقدم العلمي السريع، على مدى الخمسين سنة الماضية، فجوةً متنامية بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخبُ الحاكمة. بواسطة علم الأحياء وعلم الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، تمكَّن “النظام” من معرفة متقدمة للكائن البشري، جسديا ونفسيا على حدٍّ سواء. توصل “النظام العالمي الجديد” إلى معرفة الشخص العادي بشكل أفضل مما يعرف، هو نفسُه، ذاتَه. وهذا يعني أن النظام، في أغلب الحالات، هو الذي يملك أكبرَ قدرٍ من السيطرة والسلطة على الأفراد أنفسهم.

ترجمة آسية السخيري
تونس
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق