الأحد، ديسمبر 30، 2012

رأي فِي موقفِ مِن قضيّةِ!..... شُكْري السنكي

   عبْدالرَّحمن باشا عزّام والقضيّة الِلّيبيّة
 
 

قاسيت يا إدْريْس عمرك نـاشـراً *** مبـد الجهـــــاد وواثـقــاً بمئـالـه
وصــبرت صبر المؤمنين بحقــــهم *** حتَّى انتصرت وكنت من أبطاله
فربحت جـــولتك الأخـيرة حامـــلاً *** حقـاً يعــز بنـوك تحـت ظـــلاله

(الشاعر اللبناني نسيب البستاني في يوم إعلان إستقلال ليبَيا)



نحتفل بعيد استقلالنا المجيد فِي الرَّابع والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأوَّل مِن كل عَام. وبمناسبة الذّكرى الواحدة والستين لعيد الاستقلال، أعرض مواقف عبْدالرَّحمن باشا عزّام (1893م – 1976م) مِن: الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة (لجنة الستين)، وإستقلال ليبَيا، وشخص المَلِك إِدْرِيْس السُّنوُسي (1890م – 1983م) الَّذِي جَاوزْنَا بأنفاسِه المحن والكروب.. والَّذِي رفض الدنيا في سبيل خدمة وطنه وأبنائه.. أبا الدستور.. صانع الإستقلال ومؤسس الدولة الِلّيبيّة.

فِي بَدْء لابُد مِن كَلِمَة (1) تعرض السّيِّد إدْريْس السّنوُسي فِي فترة قيادته لمعركة التَّحرير إلى ظُلم كبير، بالرَّغم من أنه قاد المعركة بمهارة واقتدار، وتمكن من توفير احتياجات النَّاس في ظلّ ظروف حرب قاسيّة وأوضاع بائسة قوامها الفقر والمرض، ولمّ شتات شمل الأقاليم الثلاثة في كيان سياسي واحد، ورسخ مفهوم الأمّة في نفوس الِلّيبيّين، وحقق المطالب التي ناضل السكّان من أجلها: إستقلال ليبَيا التّام الذي يضمن لها السّيادة الكاملة.. وحدة البلاد من الحدود التّونسيّة إلى الحدود المصريّة.. الانضمام إلى جامعة الدّول العربيّة كدولة مستقلة – الهدف الذي حققه الملك إدْريْس في عهد تولي السّيّد محَمّد عبْدالخالق حسونة (1889م – 1992م) لأمانة جامعة الدّول العربيّة بعد استقالة أو إقالة عبْدالرَّحمن باشا عزّام من رئاسة الجامعة في أواخر عام 1952م، حيث رفض عزّام في فترة أمانته للجامعة قبول ليبَيا المستقلة كعضو في جامعته!.

وتعرض الملك إدْريْس السّنوُسي خلال سنوات حكمه التي امتدت من 24 ديسمبر/ 1951م إلى 31 أغسطس/ أب 1969م لظلم عظيم، بالرَّغم ممّا تمتع به المواطن الِلّيبيّ من خيرات وامتيازات، وما تحقق للوطن من نهضة وتقدم وبناء. فلِيبَيا حقَّقت في عَهْده، إِنجازات تنْمويّة كانت هِي الأفضل فِي المِنطقة بِشهادة المُنظَّمات الدُّوليَّة والمُؤسَّسَات العالمِيَّة المُهتمَّة بهذا الشَّأْن.. وحقَّقت نهضة تعلِيمَة لفتت انتِبَاه العالم كُلَّه.. وحقَّقت الأمْن والأمَان لِكُل مواطِن ومُواطنة، وكفَّلت العَيْش الكَرِيم لِكُل أَبناء لِيبَيا وكافَّة مِن أَقامُوا فوْق أَرَاضِيْهَا.

الملك في مكتبه

وكانت الدولة فِي عَهْده يحكمها الدستور ويسيرها القانون، فلم تحدث في فترة حكمه حالة إعتقال واحدة خارج القانون، ولم تسجل حادثة واحدة لضرب أو تعذيب معتقل سّياسي، ولم يُعدم شخص لجرم سياسي مطلقاً، والشّخص الوحيد الَّذِي أُعدم في عَهْده كان من العائلة السّنوُسيّة نفسها حينما نُفد حكم الإعدام في السجن المركزي بمدينة بّنْغازي بتاريخ 6 فبراير/ شبّاط 1955م في الشّريف محي الدّين السّنوُسي، لأنّه قتل نفساً بريئة بغير حق، وذلك حينما أطلق النَّار على السّيِّد إبراهيم أحمَد صَالح الشّلحي (1899م – 1954م) ناظر الخاصّة الملكيّة يوم 5 أكتوبر/ تشرين أوَّل 1954م أمام مبنى رئاسة الوزراء بمدينة بّنْغازي.

والْحَاصِل، كانت قوى المعارضة في عَهْد الملك إدْريْس السّنوُسي أو النخبة اللّـيبيّة بوجه عامّ، لا تنظر إلى الحريّات التي حظيت بها، ولا إلى الإنجازات التي تحققت فوق الأرض، لكنها، مـدّت بصـرها وراء الحدود، وفتحت آذانها لإذاعات خارجيّة تحريضيّة، واصطفت خلف شعارات رفعها أشخاص وأحزاب من وراء الحدود لا تعرف عنهم وعنها إلاّ مـا يقال في وسائل الدّعاية الرّسميّة. كانت تلك النخبة المعارضة غير مـُقدرةِ أجـواء التسامح والحرية والانفتاح الموجودة في ليبَيا، وظالمة لملك عـُرِفَ بنزاهته وحكمته وتقواه.. وظالمة لحكوماته المتعاقبة.

وعلى مدار خمسينات وستينات القرن المنصرم، تطلع الشّباب العربيّ إلى التغيير، وحلم بوطن عربي كبير وجيش عربي واحد يدافع عن الأمّة ويصون مقدراتها ويحرر أراضيها المحتلة. وكانت الناصرية وقتذاك الأقوى تأثيراً والأكثر انتشاراً في بلدان العالم العربيّ خصوصاً في ليبَيا بلاد الجوار الجغرافي الأقرب إلى مصر. تعاطف الشّباب مع الناصرية وحركة القوميين العرب والتَّيار اليساري (الشيوعيّة) وحزب البعث، وبعد وصول بعض المحسوبين على التَّيار القومي إلى قمّة الهرم (السّلطة) زادت روح التمرد لدّى الشّباب الذين يعيشون في بلدان محكومة بدساتير ملكية كالنظام الملكي الحاكم في ليبَيا.

والشَّاهِد، اندفع الشّباب الِلّيبيّ بعواطفهم مطالبين بالتغيير والتثوير، وعملت النخب الممثلة لتلك التَّيارات آنذاك، على إقلاق كل وزارة جديدة يأتي بها الملك إدْريْس السّنوُسي على رأس هرم السّلطة، فيضطر الملك بعد فترة وجيزة من عمل تلك الوزارة لإقالتها، وكانت النخبة تستهدف من وراء عملها هذا خلق حالة من عدم الاستقرار تؤدي إلى إحداث (الفراغ) الذي يتيح للمغامرين المتحمسين لشهوة السّلطة فرصة الاستيلاء على مقاليد الأمور.

تعامل الشّعب اللّيبيّ مع حرب 5 يونيه/ حزيران 1967م بعاطفة بالغة وتقديم مصالح الآخرين على حساب المصلحة الوطنيّة بفعل تحريض القوى المعارضة آنذاك، والتي مـدّت بصـرها وراء الحدود كمَا قلنا، وفتحت آذانها لأحمَد سعيد المذيع بإذاعة (صوت العرب) المصريّة، واعتبرت جمال عبْدالناصر (1918م – 1970م) هُو رئيسها وملهمها.

وبعد سنتين من الحرب، استولى عسكري برتبة ملازم على السّلطة في ليبَيا، وبدأ المسلسل الإجرامي لإنقلاب الأوّل من سبتمبر/ أيلول من عام 1969م، بحملة شعواء قادها معمّر القذّافي قائد الإنقلاب ضدَّ شخص الملك إدْريْس ودوره وتاريخه بقصد تشويه صورته وإلغائه من الذّاكرة الوطنيّة. تعمّد نظام القذّافي الإساءة إلى شخص الملك إدْريْس، وتلطيخ صورته وتشويهها أو كمَا قال الأستاذ سالم حُسيْن الكبتي.."... زور تاريخ الرجل وأتهمه بالعمالة والخيانة، ثمّ عمل على تلطيخ صورته في عقول الأجيال التي لم تنشأ في أيّام المملكة، وأدّى في نهاية المطاف إلى إلغائه مِن (الذّاكرة التّاريخيّة لليبَيا) ومناهجها وبرامجها وطمس معالم دوره السّياسي والوطنيّ مع تعمُّد الإساءة المتواصلة إليه، وعبر هذا كله وحتَّى وفاته، التزم الرجل المؤسس الصمت، هُو ورجال مملكته، ولم يبادر إلى اتخاذ موقف لصالحه.. أو صالح تاريخه، والكشف عن الحقائق كمَا وقعت.. ولم يكتب أو ينشر شيئاً من ذكرياته التي توضح جهده في صنع جزء من تاريخ ليبَيا في السنوات المعاصرة..".

وكان المؤمل مِن ثورة 17 فبراير، أن ترد الاعتبار إلى الملك إدْريْس ورجال عَهْده، خصوصاً أن الثوار رفعوا علم الاستقلال، ورددوا النشيد الذي أعُتمد في عَهْده، والبعض منهم رفع صورته فِي ميادين الثورة وساحاتها.

والَّذِي يَحْزَن بَعْد حَدَث الثورة، الاستمرار في النكران والجحود وعدم إرجاع الفضل إلى أصحابه، والابتعاد عن إطراء الملك إدْريْس والاعتراف بمكانته كأب مؤسس للدولة الِلّيبيّة !. فكيف نقبل اليَوْم بحذف الفقرة الخاصّة بالسّيِّد إدْريْس السّنوُسي طيب الله ثراه، من نشيد الاستقلال الذي تبناه الثوار في شرق ليبَيا وغربها وجنوبها بعد إندلاع ثورة السّابع عشر من فبراير المجيدة، واسقطوا نشيد معمّر القذّافي كما اسقطوا علمه، وغنّوا النشيد كاملاً مرددين بفخر واعتزاز اسم قائد الجهاد وجالب الإستقلال وموحد الأمّة الِلّيبيّة:

حيّ إدْريْس سليل الفاتحين
إنه في ليبَيا رمز الجهاد
حمل الراية فينا باليمين
وتبعناه لتحرير البلاد
فانثنى بالملك والفتح المبين
وركزنا فوق هامات النجاد
رايةً حرّةً
ظللت بالعز أرجاء الوطن
ليبَيا ليبَيا ليبَيا

وَكَمَا أَسْلَفَت، حذفت الجهات الرَّسميّة المتمثلة في المجلس الوطنيّ الانتقالي والمؤتمر الوطنيّ العامّ من بعده، الفقرة الخاصّة بالسّيِّد إدْريْس في النشيد الوطنيّ دون وجه حق، وبلا تخويل من أحد أو إجراء استفتاء عام، وكأن السّيِّد إدْريْس ليس بسليل أسرة فاتحة، ولا رمزاً للجهاد، ولا أباً مؤسساً للدولة الِلّيبيّة، متناسية أن الثورة قامت في المقام الأوَّل والأخير ضدَّ الظلم والإقصاء والتزوير والطمس، ومن أجل إحقاق الحق ورد الاعتبار لتاريخنا ورموزنا الوطنيّة، والملك إدْريْس السّنوُسي أحسن الله مثواه، يأتي في مُقدَّمة هؤلاء.

وبدل من أن ترد الجهات الرَّسميّة الاعتبار إلى الملك إدْريْس السّنوُسي، وتبذل جهداً حقيقياً من أجل تثبيت النشيد الوطنيّ بنصه كاملاً، رأيناها تحذف اسمه من النشيد، ولا تقوم بشيء يرد الاعتبار له كوضع صورته على العملة الِلّيبيّة الجديدة كمَا فعلت مع شيخ الشهداء عُمر المختار (1861م – 1931م) الَّذِي حارب تحت رايته وقيادته. تجاهلت الجهات الرَّسميّة تاريخ الملك إدْريْس السّنوُسي وتحاشت ذكر أسمه بل شطبته من النشيد في تزوير فاضح، وموقف أقرب إلى فعل الإنقلابيين منه إلى فعل الثوار الذين يفترض أنهم ثاروا من أجل الحق والعدل ورد الحقوق إلى أصحابها.

والسُّؤَال الآَن: كيف اتخذ قرار حذف فقرة الملك إدْريْس السّنوُسي من النشيد الوطني !؟. وأيّ جهة اتخذته !؟.

وما هي الأسباب التي دعت إلى اتخاذه !؟.

وَنعود بعد شطب اسم السّيِّد إدْريْس من نشيدنا الوطنيّ على يد مجلسنا الانتقالي والمؤتمر الوطنيّ العامّ من بعده، إلى عبْدالرَّحمن باشا عزّام عنوان هذه المقالة. عزّام باشا الَّذِي وقف ضدَّ مبايعة السّيِّد إدْريْس السُّنوُسي والقبول بزعامته، ووقف ضدَّ أعمال الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة (لجنة الستين) التي ترأسها الشّيخ محَمّد أبوالإسعاد العالم، والتي أقرَّتها وباركتها الأمم المتَّحدة. طعن عزّام باشا في شرعيّة الجمعيّة التأسيسيّة، ورفض الاعتراف بأعمالها، ثمّ رفض قبول ليبَيا المستقلة كعضو في جامعة الدّول العربيّة إبّان فترة ترأسه لها التي بدأت في 22 مارس/ آذار 1945م، وانتهت عام 1952م.

من هُو عبْدالرَّحمن باشا عزّام؟. ولماذا قام بما قام به؟.

نتوقف اليَوْم عند شخصيّة عبدالرَّحمن باشا عزّام (1893م – 1976م) الَّذِي أنخرط في قوّات السّيّد أحمَد الشّريف عَام 1915م ليحارب القوَّات البريطانيّة، والَّذِي كان قريباً من السّيِّد إدْريْس في فترة وجوده في إقليم برقة في عَام 1916م، والَّذِي وقف ضدَّ الجمعيّة الوطنيّة الِلّيبيّة التأسيسيّة بقرار أصدره في 17 آذار/ مارس 1951 حينما كان أميناً لجامعة الدّول العربيّة، ورفض انضمام ليبَيا في جامعة الدّول العربيّة بعد امتناعه عن تهنئة الملك إدْريْس باستقلال البلاد الَّذِي أعلنه مِن قصر المنار بمدينة بّنْغازي في 24 ديسمبر/ كانون الأوَّل 1951م.

وسَوْف أتناول فِي هذه المقالة العديد من المتناقضات والتناقضات في شخصيّة عبْدالرَّحمن عزّام، وأعرض علاقته بالسّيِّد إدْريْس أميراً وملكاً. وسَأحاول تقريب صُوْرَة الملك إدْريْس السّنوُسي إلى ذهن القارِئّ مَسَافَة أقرب حتَّى يتمكَّن مِن امتِلاك بعض مفاتِيْح شخْصِيَّتُه الفذَّة، وَيتعرف على دَوْرِه العَظِيْم فِي تارِيْخ لِيبَيا.

وَأَخِيْراً، سأحاول تقديم شيء يستحق النظر والاهتمام.. ودعائي أن أُوفَّق.

فبالله التّوفِيق..

*****

عبْدالرَّحمن باشا عزّام.. عرض عامّ لأيّ نشاط أو عمل سياسي أنصار ومعارضون، ولا شكّ أن الفرق شاسع بين من يناصر الخطأ والباطل، ومن يعارض لإصلاح الخطأ وإبطال الباطل وإحقاق الحق.. وهُناك من يجتهد في العمل السّياسيّ من أجل الصَالح العام، ويقبل من أصحاب المصلحة أن يراجعوه ويحاسبوه فإذا أصاب اجتهاده ما أنتقم من منتقديه ولا استغل وضعه هذا لينفرد بالقرار ويقصي معارضيه.. وإذا وقع في الخطأ اعترف بخطئه وقدم الاعتذار ثمّ تحمل المسئوليّة وأصلح مَا كان أمر إصلاحه مُتاحاً.

وهُناك من السّياسيّين من يتشبث برأيه بالرَّغم من إخفاقه في تحقيق أيّ شيء يخدم المصلحة العامـّة وصالح النَّاس، بل منهم من سبب اجتهاده زيادة الأوضاع تردياً، وهُنا يكمن الفرق – الفرق بين من يعمل من أجل المصلحة العامـّة، ومن يعمل من أجل أجندته الخاصّة والمصلحة المرتبطة به شخصيّاً.

وكثيراً، ما يجنح السّياسيّون إلى مصادرة رأي منتقديهم، فإذا كانوا مطلقي الأيدي ويمتلكون السّلطة نكّلوا بمعارضيهم وغيبوهم بين السّجون والمنافي أو حتَّى بالقتل.. وإذا كانوا لا يمتلكون إلاّ الكلام، كالوا لمنتقديهم كلّ التهم والسباب – ولو كان هؤلاء من رفاقهم – مستخدمين كلّ الوسائل للافتراء عليهم والحط من شأنهم واغتيالهم معنوياً لأنّ الاغتيال المادي تعذر عليهم ولا سبيل لهم إليه.

وَبناءاً عَلى ذلك، نؤكد بأن العمل السّياسي إذ لم يرافقه النقد، وتضبطه القوانين والأحقية في المحاسبة والمراجعة، وتحدد دورات المسئوليّة فيه فترة زمنيّة معلومة ومعروفة، فأن مصيره الخسارة والفشل.. ومآله الاستبداد والقمع.

وإبداء الرأي في رجال السّياسة وسلطة إتخاذ القرار مسألة هامـّة بل ضروريّة طالما استند صاحب الرأي على الحجة والمنطق، والتزم الموضوعيّة وتجنب هوى النفس.. والحكم سلباً كان أو بالإيجاب تؤكده وقائع الأعمال ونتائجها فوق الأرض ولا يبنى على رأي ملؤه الشطط والغلو وهوى النفس، فالحكم يصدر بعد تمحيص كلّ الوثائق وما سُجل من أقوال وأعمال ثمّ النظر في كافة الآراء المطروحة.

والحكم على شخصيّة من شخصيّات التّاريخ أو مسيرة حركة في الماضي القريب أو البعيد هُو للتاريخ وملك له، فالتّاريخ ملف مفتوح لا تقفل صفحاته كمَا تقفل المحاكم صفحات القضايا المعروضة عليها بإصدار الأحكام النهائيّة، وكذا، لا تكون كل الأحكام بالضرورة نهائيّة في قضايا التَّاريخ لأنّ الملفات في التّاريخ سيرة مفتوحة، وبعضها غير قابل للقفل!!.

وَمِن جانب آخر، كثيراً ما يغفل المدونون دور أصحاب الريادة والفضل ويبرزون شخصيّات هامشيّة يعطونها أكثر ممّا تستحق !، فيتبع آخرون مسلكهم فيكتبون رسائل الماجستير والدكتوراه عن تلك الشخصيّات ثمّ تطرح المكتبات عنهم الكتب والكتيبات. وَمِن هُنا تتأتى أهميّة إبقاء صفحات التّاريخ مفتوحة حتَّى لا يضيع الحق ويُبخس بالتالي دور أصحاب الفضل، لتبقى مقولة: (لا يصح إلاّ الصحيح) حقيقة ساطعة أبد الدهر.

وفي المُـْبتَدَأ وَالمُنتَهـى، كلّ تجربة سياسيّة وسيرة كلّ رجل من رجالاتـها لها قـاضى طبيعي يحق له النظر والحكم، والتّاريخ هو الحكم وصاحب الحُكم...

وممّا تقدم نصل بالحديث إلى عبْدالرَّحمن باشا عزّام لنقف أمام شخصيّة عربيّة كانت جزءاً من التّاريخ.. وجزءاً من وقائع وأحداث.. وجزءاً من قرار اتخذ في مطابخ صنعه. نقف أمامه لنبدى الرأي لا لنصدر الحكم، فالمنهج الذي ألزمت نفسي به يمنحني حق الرؤية والتحليل لا حق إصدار الحكم لأنّ ذلك من حق التَّاريخ وحده ولا يحق لغيره الاقتراب منه أو الاعتداء عليه. وليس الهدف من مكتوبنا هذا النيل من مكانة أيّ شخص أو كمَا قال الأستاذ يُوسف عبْدالهادي الحبوش:..".. القصد هو محاولة إضافة بعض قطع الفسيفساء إلى المشهد حتَّى تكتمل الصُّوَرة. فالهدف من الكتابة التاريخيّة وتدوينها هُو رسم وتشكيل صورة تقريبيّة للأحداث حتَّى يتخيلها من لم يعايشها ويلتمس منها العبر وليس الهدف منها الحط من شأن الآخرين، ولا يمكن لأحد الجزم بأنه يمتلك حق نقل الحقيقة المُطلقة، وتظل النسبية سمة ظاهرة من سمات الحياة تتمايز بها الأحداث والنتائج..".

وَالحَاصِل، ترك عبْدالرَّحمن باشا عزّام بصماته في أكثر من مكان، وكان جزءاً من أحداث التّاريخ، وجزءاً من دائرة إتخاذ القرار، ورجل بهذه المواصفات لابُدَّ أن يتشيع البعض له ويناصره آخرون كذلك يختلف معه من يختلف بل نرى حتَّى من يذهب إلى تصنيف بعضٍ من أعماله ومواقفه في مواضع الشكّ والريبة وعلامات الاستغراب والاستفهام، وهذا ليس شأنه هُو وحده إنّما شأن كلّ الشخصيّات العامّة، والسّياسيّون في مقدمتهم.


عزَّام يتوسط الملك فاروق والملك عبْدالعزيز آل سعود

ولابُدًّ أن يكون عبْدالرَّحمن باشا عزّام قدم لبلاده من موقعه كنائب في البرلمان ووزير في حكومات العهد الملكي بمصر شيئاً يحمد له ومحفوظ في صفحات تاريخ مصر. ولابُدًّ أن يكون قد قدم لأمته من موقعه كأوّل أمين لجامعة الدّول العربيّة شيئاً يذكر له، وفي المقابل لم تكن مواقفه حيال ليبَيا عادلة بعيدة عن الهوى كمَا يبدو في القرار الّذِي اتخذ بتاريخ 17 مارس/ آذار 1951م بخصوص الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة. ولابُدًّ أن يكون قد قدم للمملكة السّعوديّة ما يذكر له بعد أن عينته مندوبها في جامعة الدّول العربيّة ثمّ في هيئة الأمم المتَّحدة ثمّ اختاره الملك مستشاراً له وممثلاً للمملكة في النزاع المتعلق بواحات البوريمي.

وصحيح أنّ عبْدالرَّحمن باشا عزّام قد وقف في فترة أمانته لجامعة الدّول العربيّة إلى جانب إستقلال إندونيسيا ولكنه في المقابل اتخذ موقفاً مغايراً من قضيّة إستقلال ليبَيا ومسألة قبولها في الجامعة!!. وصحيح أنّه ناصر آل سعود، ووقف إلى جانبهم، ولكنه في المقابل، وقف ضدَّ مبايعة السّيّد إدْريْس السُّنوُسي ملكاً على ليبَيا، وما ترك مكاناً إلاّ وغمز وهمز من طرفه. وصحيح أنّه كان صديقاً للطرابلسيين، وتزوج منهم، وعاش بينهم سنوات طوال، ولكنه في المقابل كان وراء تيار كاد أن يُفْشِل مساعي وحدة الصّف الوطنيّ الِلّـيبيّ والتي لولا حكمة المُخلصين وفطنة السّيّد إدْريْس السُّنوُسي وحصافته لما تحققت في الموعد الَّذِي تحققت فيه أو رُبّما حقق عزّام جزءاً من مآربه.

وَالْحَقِيْقَة، عند المرور على سِيْرَة عبْدالرَّحمن باشا عزّام، نكتشف في شخصيته العديد من المتناقضات والتناقضات. فعزّام باشا الَّذِي خرج من بلاده عام 1915م رافعاً شعار طرَّد البريطانيين من مصر، والَّذِي عند وصوله إلى برقة أنخرط في قوّات السّيّد أحمَد الشّريف ليحارب القوَّات البريطانيّة عند الحدود المصريّة الِلّـيبيّة، هُو الشخص نفسه الَّذِي ارتبط بصلات مع الإنجليز طوال فترة إقامته في غرب ليبَيا إلى حد أنّ البعض وصفه – وكمَا نقل الدّكتور مُصْطفى هويدي في كتابه: (الجمهوريّة الطرابلسيّة) – بأنه..".. يعمل بالنيابة عنهم في طرابلس الغرب.. (2)!!.

وعبْدالرَّحمن باشا عزّام الَّذِي سوَّق للنّظام الجمهوريّ، وكان مستشاراً للجمهوريّة الطرابلسيّة – جمهوريّة العرب الأولى، هُو الشخص نفسه الَّذِي دعا إلى تنصيب الأمير التركي عثمان فؤاد ملكاً على ولايّة طرابلس ثمّ رأيناه يقبل بأنّ يكون نائباً في البرلمان الملكي بمصر بل من المقربين للملك فاروق ووزيراً للأوقاف ثمّ للشئون الاجتماعيّة في عهد حكومة على ماهر!!. ويذكر أن عزّام كان الوزير الوحيد (الوزير المفوض بوزارة الخارجيّة المصريّة) الَّذِي رافق الملك فاروق (1920م – 1965م) في زيارته إلى المملكة السّعوديّة (3) في العاشر من صفر 1364 هجري الموافق 25 يناير/ كانون الثّاني 1945م، فالملك فاروق الَّذِي اقتصر الوفد المرافق له على بعض المسئولين بديوانه الملكي، وهم: مُراد محسن باشا ناظر الخاصّة الملكيّة، والفريق محَمّد حيدر باشا ياور الملك، ومحَمّد عبْدالعزيز بدر بك الأمين الثّاني للملك، وأحمَد عَلي يُوسف مدير الإدارة العربيّة بالنيابة، وأمير البحر محَمّد سالم البدر باشا ياور الملك وقائد بحريته، والقائم مقام محَمّد محَمّد حلمي بك، وكريم ثابت، لم يضف إلى وفده شخصاً يحمل الصفة الوزارية إلاّ عزّام باشا، وفِي هذا حسبما نعتقد ما يدل أو يشير إلى علاقة عبْدالرَّحمن باشا عزّام بالملوك والمكانة التي كان يحظى بها عند الملك فاروق كذلك الملك عبْدالعزيز بن عبْدالرَّحمن آل سعود (1876م – 1953م) ملك المملكة العربيّة السّعوديّة.

وعبْدالرَّحمن باشا عزّام الَّذِي استنكر على السّيّد إدْريْس السُّنوُسي مفاوضاته مع الطليان كانت صلته قويّة وإتصالاته مستمرة بـ(محَمّد سالم) ابن أخته الذي كان يعيش متنقلاً بين روما وجزيرة العرب خلال الفترة ما بين عامي (1916م – 1922م) وكانت له علاقات وإتصالات هامـّة مع الإيطاليين لدرجة أنّه قابل رئيس وزرائهم آنذاك، أيْضاً، سُجِل على عزّام أنّه زار إيطاليا وأدلى بتصريحات لصحفها متهجماً على السّيّد إدْريْس السُّنوُسي، ومدافعاً عن حقوق المواطنين الإيطاليين فِي ليبَيا (4)!!.

وعبْدالرَّحمن باشا عزّام الَّذِي كان محسوباً على التّيار القومي العربيّ، هُو الشخص نفسه الَّذِي لم يعترف بإستقلال دولة عربيّة ووقف بالمرصاد ضدَّ انضمام ليبَيا المستقلة لجامعة الدول العربيّة حينما كان رئيساً لها!!. هكذا كان عزّام، وهكذا رأينا تناقضات مواقفه.

وَفِي الخِتَام، لاشكّ أن عبْدالرَّحمن باشا عزّام ترك بصماته في صفحات حركة المقاومة بولايّة طرابلس، ولكنه ترك أيْضاً بصمات في صفحات تاريخ ليبَيا محاطة بالاستغراب وريبة تصل إلى حد الشكّ.

وبغض النظر عن انتماءات.. {..عبْدالرَّحمن باشا عزّام السّياسيّة وعلاقاته مع الإنجليز والإيطاليين وارتباطاته مع الأتراك، فإنّ الرجل كان صديقاً لجموع الطرابلسيين الذين تأثر بحبهم حتَّى أصهرهم مرتين، وأصبحت لأولاده فيهم خؤولة..}م1.

وَعُموماً، وكمَا سبق وأنّ أسْلَفت، قد حاوَلت أن أكون موضوعياً قدر ما استطعت، ولم يكن هدفي الحكم على الرجل فالعَرْضَ العام الَّذِي قدمته من حيث المعلومة والوقائع والأحداث إنّما هو من مراجع موثقة المصادر سمحت ليّ أن أضع رأيي حسب ما ظننت واعتقدت. وإن رأى البعض أنني منحازُ ضدَّ الرجل، فالانحياز إن وجد، لابُدَّ أن يكون انحيازاً لليبَيا الوطن.. وما أجمل أن يكون الإنْسَان منحازاً لوطنه.

وَمَا تقدم ومَا سيأتي أسفله، هُو مجرّد رأي رأيت من حقي الإدلاء به، وهُو ليس بحكم على الرجل، فالحكم للتاريخ صاحب القول الفصل.

وَأَخِيْراً، سنحاول في هذه المقالة، الإجابة على الأسئلة التي طرحها الدّكتور مُصْطفي عَلي هويدي في كتابه: (الجمهوريّة الطرابلسيّة.. جمهوريّة العرب الأولى)، وهي كالتالي: من هو عزّام ؟.. ولماذا جاء إلى ولايّة طرابلس الغرب ؟.. وماذا فعل هُناك؟.. وكيف كانت علاقته بزعماء وأعيان البلاد؟. ونضيف إليها ما يلي: لماذا وقف عزّام ضدَّ السّيّد إدْريْس السّنوُسي!؟.. ولماذا لم يعترف بإستقلال ليبَيا، ووقف ضدَّ انضمامها إلى جامعة الدّول العربيّة حينما شغل منصب أمينها العام!؟.

وللإجابة على هذه الأسئلة سنلقي بعضاً من الضّوء على شخصيّة عزّام ومواقفه.

عبْدالرَّحمن باشا عزّام.. سِيْرَة وَملف (5)

ولد عبْدالرَّحمن حسن عزّام يوم 8 مارس/ آذار 1893م بالشوبك الغربي ـ مركز العياط محافظة الجيزة بالقاهرة الكبرى، ومن أسرة ترجع في أصولها إلى الجزيرة العربيّة، وهُناك من يقول أن أسرته ترجع في أصولها إلى الجذور الِلّـيبيّة، ورُبّما يكون في اسم جده (سَالم) ما يرجح هذا القول حيث أن اسم (سَالم) شائع الانتشار في ليبَيا ولا يكاد يذكر في بلدان غيرها خصوصاً في مصر.

والده هُو الشّيخ حسن بك عزّام الَّذِي كان عضواً بأوّل المجالس التشريعيّة بمصر. وجده هُو الشّيخ سَالم بك عزّام الَّذِي كان ناظراً للجيزة، وقد نفته بريطانيا في عهد احتلالهم لمصر إلى السّودان التي تُوفي بها، ودُفِن في إحدى مقابر الخرطوم.

تلقى عبْدالرَّحمن باشا حسن عزّام تعليمه الابتدائي والثّانوي بحلوان في مصر ثمّ درس الطب في الجامعة المصريّة، ولكنه لم يبق طويلاً بالجامعة حيث اتهم بمحاولة إغتيال (الخديوي عباس) فساعده الإنجليزي (مستر انتوني) صديق والده في عام 1912م في السّفر إلى لندن لإكمال دراسة الطب في كلية سان توماس. وقد انشغل في لندن بالعمل السّياسي على حساب دراسته للطب حيث ترأس الجمعيّة المصريّة (أبو الهول) التي أسسها الطلبة المصريون ببريطانيا، وانخراطه في العمل السّياسي حال دون إكمال دراسته للطب، ليغادر بعدها إلى سويسرا بصفته مندوباً عن الطلبة في لندن لحضور المؤتمر الوطنيّ المصري الَّذِي انعقد بجنيف في يونيه/ حزيران 1914م. حضر المؤتمر الطلاّبي في جنيف، وبعدها سافر إلى تركيا ثُمّ اليونان ومنها إلى مصر. وعن هذه المحطّة في حياة عزَّام يخبرنا الأستاذ مفْتاح الشّريف، بقول ما يلي:..".. ألقى فِي المؤتمر الطلاّبي في جنيف، خطاباً لاذعاً منتقداً بعثة المعارف المصريّة في جنيف، ونعت أعضاءها بأنّهم من الجواسيس، ثمّ سافر إلى اسطنبول لمقابلة المُناضل المصري المُعروف الشّيخ عبْدالعزيز جاويش، ومن بيريوس باليونان ركب السفينة إلى مصر التي وصلها يوم 10 أغسطس/ أب من نفس السنة. وقد عُرِفَ عن عبْدالرَّحمن عزَّام حماسة الوطنيّ وعداءه للإستعمار البريطاني منذ أن كان عضواً في جمعيّة (أبو الهول) بلندن..".

وَالحَاصِل، عندما بدأت الحرب العالميّة الأولى في أغسطس/ أب 1914م، غادر عزّام إلى تركيا ليعمل مراسلاً صحفيّاً وبعدها غادرها ليشارك في حرب البلقان مع القوَّات العثمانيّة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثّاني 1915م، عاد عبْدالرَّحمن باشا عزّام إلى مصر مكلفاً من الحزب الوطنيّ لجمع المال من أجل دعم الميزانيّة لضمان تمويل تحركات الحزب الهادفة لطرد الإنجليز وإستقلال مصر، فوضع الإنجليز عزّام تحت المراقبة الصارمة التي تمكن من الخلاص منها في ديسمبر/ كانون الأوّل من نفس العام حيث غادر القاهرة واختفى في الإسكندريّة وبعدها غادر إلى برقة التي وصلها في يناير/ كانون الثّاني 1916م. وصل إلى برقة، وكان عند وصوله إليها محملاً بعدة رسائل من أقطاب العرب وزعماء الحزب الوطنيّ بمصر إلى نوري باشا (شقيق أنور باشا) مندوب الحكومة العثمانيّة. تعرف على السّيّد أحمَد الشّريف (1873م- 1933م) في برقة واقترب من الرجل ليشارك مع قوَّاته يوم 16 فبراير/ شباط 1916م في حرب ضدَّ القوَّات البريطانيّة عند الحدود المصريّة الِلّـيبيّة فيما عُرف بمعركة (العقاقير).

وبِعْد أن مُنيت قوَّات السّيِّد أحمَد الشّريف بالهزيمة، وفتكت المجاعة بالبلاد، تسلّم السّيِّد إدْريْس زمام القيادة، وعن هذه المرحلة يقول الأستاذ مفْتاح الشّريف في كتابه: (نشأة الأحزاب ونضالاتها) ما يلي:..".. دخل السّيِّد إدْريْس في مفاوضات مع الانجليز والإيطاليين ليتفادى مزيداً من الهلاك الّذِي أخذ يحلّ بالبلاد. وبموجب إتفاقاته مع القوَّتين العظميين تعهّد لهما بأن يعمل على أن يترك الضبّاط الأتراك البلاد، بينما كان همّ عبْدالرَّحمن عزَّام تنفيذ المخطّط التركي الّذِي أشرف عليه نوري باشا بمواصلة الهجمات ضدَّ قوَّات إيطاليا وبريطانيا معاً. فحدث الخلاف بينه وبين السّيِّد إدْريْس، الّذِي رغم ذلك – أستضاف عزَّام ونوري في إجدابيا حيث اتخذها مقرَّاً لقيادته..".

عُموماً، لم تدم إقامة عبْدالرَّحمن باشا عزّام طويلاً في برقة حيث غادرها مع بعض الضبّاط أثر هزيمة قوَّات الشّريف على يد قوّات الإنجليز بقيادة الجنرال بيتون (Peyton)، ومن الضباط: نوري السّعيد وجعفر العسكري الَّذِي أصبح رئيساً للوزراء في العراق فيما بَعْد.

لجأ عبْدالرَّحمن باشا في أواخر عام 1916م إلى مصراتة هُو وبعض الضباط الأتراك، فدعم هُو والضباط الأتراك رمضان بك السّويحلي وحكومته – حكومة مصراتة التي أُعلن عن قيامها في 5 أغسطس/ أب 1916م. وبعدما قُتِل رمضان بك السّويحلي عام 1920م، حل ضيفاً على أحمَد بك المريَّض (توفي بالفيوم عام 1941م) بترهونة، وبعدما عقد الأخير مؤتمراً بـ(غريان) عام 1920م وشكّل (هيئة الإصلاح المركزيّة)، وترأسها، عينه سكرتيراً للهيئة.

وحينما كانت هُناك مساعي تبذل من أجل توحيد جهود قادة وأعيان ومشايخ طرابلس للوصول إلى توحيد جهود أبناء المنطقة الغربية برمتها، وقع صراعُ عام 1916م بين أهالي مصراتة وترهونة فتدخَّل عبْدالرَّحمن باشا عزّام والمجاهد سُليْمان الباروني (توفي بالهند عام 1941م) للصلح بين الإثنين في منطقة (مسلاتة) التي أُعلنت منطقة محايدة. وبعد عقد الصلح، انتهز زعماء المقاومة في طرابلس الفرصة وعقدوا في مسجد المجـابرة في بلدة (مسلاتة) اجتماعاً ضمّ كافة أعيان ومشايخ المنطقة الغربيّة نتج عنه إعلان الجمهوريّة الطرابلسيّة يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثّاني 1918م والتي استمرت حتَّى عام 1922م. انتخب الحاضرون أربعة أعضاء (4) يمثلون أعلى سلطة في الجمهوريّة (المجلس الجمهوري)، واختاروا أربعة وعشرين (24) يمثلون كافة المناطق الغربيّة لعضوية مجلس الشورى للجمهوريّة، وعُيِنَ عبْدالرَّحمن باشا عزّام مستشاراً للجمهوريّة.

كانت فترة إقامة عبْدالرَّحمن باشا عزّام في المنطقة الشرقيّة قصيرة جداً حيث انتقل إلى المنطقة الغربيّة التي استقر بها عدة سنوات، وتزوج مرتين هُناك: كان زواجه الأوَّل من امرأة ليبيّة من غريان في فترة إقامته في ضيافة السّيّد الهادي كعبّار (1877م- 1923م) حاكم غريان، وكان زواجه الثّاني من كريمة الزّعيم الكبير خالد بك القرقني.

عاد عزّام باشا إلى مصر عام 1923م، وانتخب عام 1924 عضواً بمجلس النوَّاب المصري بعد إعلان دستورها عام 1923م، وأُعيد انتخابه مرَّة أخرى لعضويّة المجلس ليبقى في عضوية المجلس حتَّى عام 1936م. عينه الملك فارق عام 1936م وزيراً مفوضاً وممثلاً فوق العادة للمملكة المصريّة في العراق وإيران. وعينه علي ماهر في عام 1939م وزيراً للأوقاف في عهد ترأسه للوزارة ثمّ وزيراً للشئون الاجتماعيّة، وبعد استقالة حكومة على ماهر عاد إلى العمل بوزارة الخارجيّة بدرجة وزير.

شارك عزّام باشا عام 1939م ضمن الوفد المصري في مؤتمر فلسطين الَّذِي عُقِد في لندن عاصمة بريطانيا العظمى. وأصبح في 22 مارس/ آذار 1945م أوّل أمين عام لجامعة الدّول العربيّة في قمة أنشاص، وظلّ في منصبه حتَّى عام 1952م، وقد خلفه السّيّد محَمّد عبْدالخالق حسونة الَّذِي استمر في منصبه حتَّى عَام 1972م.

وفيما يخص المسألة الِلّـيبيّة.. وقف عبْدالرَّحمن باشا عزّام في مرَّات عديدة ضدَّ مبايعة السّيّد إدْريْس السُّنوُسي والقبول بزعامته بهدف تحقيق الوحدة الوطنيّة وتحرير البلاد، وسعى من خلال علاقاته بالزَّعامات الطرابلسيّة ووضعه السّياسي كأمين لجامعة الدّول العربيّة، إلى تحقيق مسعاه القاضي بإبعاد السّيّد إدْريْس عن المشهد السّياسي كذلك المطالبة بوضع ليبَيا تحت الوصاية العربيّة والذي استمر حتَّى عام 1947م. لم يتمكن عزّام من تثبيط عزيمة السّيّد إدْريْس وتأليب رأيّ الِلّـيبيّين ضدَّه، وبفضل نشاطه وإصرار القوى الوطنيّة على التحرَّك تحت قيادته لأنّ الوحدة الِلّـيبيّة ما كان بالإمكان تحقيقها آنذاك إلاّ تحت زعامته. وبعدئذ، لم يجد عزّام باشا مفراً من القبول بمبدأ وحدة الإقليمين البرقاوي الطرابلسي، ولكنه وضع هذا القبول في إطار محير أو (سلبي) إذا ما اخترنا أقل الأوصاف لتوصيف موقفه، حيث قال – نقلاً عن كتاب (ليبَيا الحديثة) للدّكتور مجيد خدوري – إذا..".. استحالت وحدة المنطقتين واستقلالهما فإنّه من المناسب ضمّ برقة إلى مصر..".

وَالَّذِي حَدَّث، أصيب عزّام بخيبة أمل كبرى بعد مبايعة أهل طرابلس للسّيّد إدْريْس السُّنوُسي، والتي لعب السّيّد بشير السّعداوي (1884م – 1957م) أحد الزعامات الطرابلسيّة آنذاك الدّور الأساسي فيها فتمكن من تغيير موقف المعارضين الطرابلسيين المتأثرين بآراء عزّام إلى موقف داعم للسّيّد إدْريْس وإعلان الانضواء تحت قيادته.

وقبل ذلك، وتحديداً في عام 1934م، أصدر الشّيخ الطاهر أحمَد الزاوي (1890م – 1986م) من مصر، كتاباً باسمه المستعار (محَمّد محمود) تحت عنوان: (عُمر المختَار: الحلقة الأخيرة من الجهاد الوطنيّ في طرابلس الغرب)، وكان الأمير إدْريْس السُّنوُسي وقتئذ لاجئاً في مصر. لم يكن كتاب الزاوي موضوعياً من حيث تناوله لمسألة الجهاد الِلّـيبيّ ورموزه، ومن ناحية تقييمه لدور السّيّد إدْريْس السُّنوُسي حيث كانت صفحاته مملؤة بالاتهامات والغمز والهمز في طرف السّيّد إدْريْس. كَذَلِك، طعن مؤلف الكتاب في ذمة السّيّد إدْريْس الماليّة، واتهمه بسرقة أموال تقدر بسبعين ألف ليرة ذهبية قُدّمت من (الآستانة) استانبول، وغمز في طرف العائلة السّنوُسيّة، وعلى الأخص السّيِّد الرَّضا شقيق السّيّد إدْريْس.

ومِن المُهِم أن نقول أن الكتاب أثار جدلاً وغضباً واسعاً بين الِلّـيبيّين، وممّا زاد من غضب الِلّـيبيّين واستفزازهم، هُو صدور الكتاب مصدراً بمُقدَّمة من عبْدالرَّحمن باشا عزَّام.

رفع السّيّد إدْريْس السُّنوُسي قضيّة ضدَّ مؤلف الكتاب، وطلب من النيابة المصريّة العامّة التعرف على اسم المؤلف الحقيقي لأنّه طعن في ذمته وشرفه. ورد السّيِّد عُمر فائق شنيب (1889م – 1953م) على الكتاب المذكور في مقالة نشرها في مجلّة (الرَّابطة العربيّة) التي يصدرها الأستاذ أمين سعيد. ورد المجاهد سُليْمان باشا الباروني (1870م – 1940م) على الكتاب أنف الذكر، في مقالة بعنوان: (القول الفصل فِي القضيّة الطرابلسيّة) فَي العدد (35) من نفس المجلّة أيّ بعد عددين من مقالة شنيب التي صدرت في العدد (32). وأصدر الشّيخ محَمّد الأخضر العيساوي (1874م – 1962م) في عام 1936م عن (مكتبة الحجازي) بالقاهرة، كتاباً تحت عنوان: (رفع السّتار عمّا جاء في كتابِ عُمر المختَار)، وهُو الكتاب الَّذِي رد فيه على الشّيخ الطاهر الزاوي بالحجة والإثبات مفنداً ما جاء في كتابه من تحريفات وتهم واتهامات.

وبعدما عرف السّيّد إدْريْس، أن اسم المؤلف الحقيقي هُو (الطاهر العكروت) الَّذِي عُرِف فيما بعد باسم (الطاهر الزاوي)، تنازل عن مذكرة الشكوى المقدمة إلى النيابة المصريّة. وقد ذكر السّيّد إدْريْس حيثيات القضيّة ومسارها في رسالة خاصّة بعث بها إلى السّيِّد عُمر فائق شنيب رفيق دربه، جاء في بعض سطورها ما يلي:..".. قدمت للنيابة في مؤلف كتاب عُمر المختار وطلبت البحث عن شخصيّة مؤلفه الحقيقية المستتر باسم أحمَد محمود وبعد تحقيق بواسطة النيابة مع صاحب مطبعة عبْدالعزيز الحلبي التي طبع بها الكتاب، أُحضر الطاهر العكروت، وأعترف بأنّه هُو المُؤلف وبعد اعترافه الآن لم أتخذ ضدَّه إجراءات إذ ممّا يؤلمني أشد الألم أن أتقاضى مع أحد إخواني الطرابلسيين وكلانا في بلد الهجرة مع أنه معتد علينا وظالم.. (6)".

أَعُوْد بَعْد هَذا الاسْتِطْراد مُجدَّداً إلى عبْدالرَّحمن باشا عزَّام، فقد كان السّيّد إدْريْس السُّنوُسي يحسن الظنّ بعزّام باشا حتّى لحظة صدور كتاب الزاوي حيث اعتبر ما كان دائراً بينهما مجرّد اختلاف شابه شيء من الشطط من جانب عزّام، ولكن تقديمه للكتاب اعتبره بمثابة إعلان حرب أو..".. بمثابة مسمار أخير يدقه عزَّام باشا بيده في نعش حسن الظن به.."، على حد وصف الأستاذ الطيب الأشهب.

وَمَن جَدِيْد، أثار ما قام به عزَّام باشا استغراب السّيّد إدْريْس ودهشته، حيث أنّه استمع إليه وكان قريباً منه في فترة قدومه إلى برقة من مصر. وهُو الَّذِي استقبله أحسن استقبال حينما حضر إلى برقة في 22 أغسطس/ أب 1922م كعضو في الوفد الطرابلسي (7) الَّذِي حمل إليه البيعة (مبايعة زّعماء المنطقة الغربيّة لسيادته) بصفته المستشار العام لهيئة الإصلاح المركزيّة.. وهُو الَّذِي رفض الدّخول إلى مصر بدون عبْدالرَّحمن باشا عزّام في أواخر يناير/ كانون الثّاني 1923م بعدما تمكن بصعوبة من الإفلات من قبضة الطليان ووصل إلى الحدود المصريّة وهُو في حاجة بالغة (للمداواة) بعد تعرضه لتسمم من قِبل الطليان الذين أرادوا التخلص منه. وصل السّيّد إدْريْس ونوري السّعداوي وعبْدالرَّحمن عزّام ومحَمّد الصّادق بن الحاج إلى الحدود المصريّة فرفض الإنجليز إدخال عزّام إلى مصر فأجرى السّيّد إدْريْس إتصالات عديدة بالمسئولين المصريين والإنجليز وأصر ألاَّ يدخل مصر إلاّ وعزّام معه، وبالفعل تحقق له ما راد ووصل إلى القاهرة يوم 27 يناير/ كانون الثّاني 1923م وكان عزّام برفقته.

على أيّة حال، كان تقديم عزّام لكتاب الشّيخ الطاهر الزاوي بمثابة المسمار الأخير في نعش حسن ظن السّيّد إدْريْس به. وترجمة مواقف عزّام بعد ذلك على صحة موقف السّيّد إدْريْس منه.

ففي يوم 9 أغسطس/ أب 1940م، وقف عبْدالرَّحمن باشا عزّام ضدَّ مسألة تأسيس الجيش السُّنوُسي (جيش التَّحرير) الَّذِي تأسس بمصر في التاريخ المُشار إليه، وانضم إلى الحلفاء ضدَّ المحور.

اعتقد عزّام فِي انتصار المحور على الحلفاء في الحرب العالميّة الثّانية بل راهن على ذلك، وحث الِلّيبيّين على هذا الأساس بعدم انضمامهم إلى جيش التَّحرير واقفاً ضدَّ رؤية السّيّد إدْريْس السّنوُسي ومراهنته. صدقت رؤية السّيّد إدْريْس وخسر عزّام الرهان وانتصر الحلفاء، وقد اعترف عزّام بهذه الواقعة حينما زاره وفد من الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة في بيته في القاهرة مساء يوم الجمعة 25 ربيع الثّاني 1370 هـجري الموافق 2 فبراير/ شباط 1951م، وبالرَّغم من ذلك استمر في تشكيكه ومواقفه المناوأة للأمير إدْريْس السُّنوُسي فقال لزائريه:..".. أن بريطانيا لن تلتزم بوعودها وأن ما قدمته لكم من وعود ليس كافياً..".

ورُبّما استطردت هُنا لأقول أن عزّام باشا حمل في نفسه شيئاً ضدَّ السّيّد إدْريْس السُّنوُسي منذ مجيئه إلى برقة ومشاركته ضمن قوَّات السّيّد أحمَد الشّريف في معركة الأخير مع القوَّات البريطانيّة عند الحدود المصريّة الِلّيبيّة في فبراير/ شباط 1916م. ففي الوقت الَّذِي كان عزّام متحمساً مندفعاً نحو مواجهة الإنجليز ومراهناً على الانتصار عليهم، كان للسّيّد إدْريْس السُّنوُسي موقفاً مغايراً لرأي عزاّم وموقف إبن عمّه أمير المجاهدين آنذاك حيث نصحه بعدم الاستجابة لطلب الأتراك والدّخول في مواجهة مع الإنجليز. رأى السّيّد إدْريْس أن المواجهة مع القوَّات البريطانيّة ستنتهي بكارثة على الِلّيبيّين ولن تفيد الأتراك في شيء لأن انهيار امبرطوريتهم قادم لا محالة علاوة على أن موقف الإنجليز الحالي بالإمكان التعويل والبناء عليه ويمكن توظيفه إيجابياً لصالح قضيّة الشّعب الِلّيبيّ.

مِن هُنا، رأى السّيّد إدْريْس عدم الجدوى والفائدة من مواجهة الإنجليز حتّى لا تذهب ليبَيا ضحية لغيرها. وقد اعترف المجاهد الكبير السّيّد أحمَد الشّريف بخطأه وعدم تقديره للموقف السّياسي على نحو صحيح وقتذاك في رسالة كان قد بعث بها إلى السّيّد سُليْمان الباروني بعد تعيينه واليّاً على طرابلس، وفِي رسائله المتبادلة حول المسألة نفسها مع ابن عمّه السّيّد إدْريْس. وبعدما صدقت رؤية السّيّد إدرْيس ومراهنته على انتصار الحلفاء على المحور في الحرب العالميّة الثّانيّة، لم يجد عزّام أمامه إلاّ الطعن في شخص السّيّد إدْريْس والتشكيك في شرعيّة الجمعيّة الوطنيّة الِلّيبيّة التأسيسيّة !.

بعدما عقدت الجمعيّة الوطنيّة الِلّيبيّة التأسيسيّة المناط إليها مهمّة وضع دستور الدولة المستقلة، أولى جلساتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1950م بطرابلس، طعن عزّام باشا في الجمعيّة وشكك في شرعيتها، وهُو أمرُ اُعتِبر حينئذ تدخلاً سافراً في الشأن الِلّيبي الدّاخلي، وذهب بعدئذ إلى ما هُو أبعد، فحينما سألته صحيفة (تيمبو) الإيطاليّة عن قضيّة ليبَيا قال لها:..".. أنّ الجامعة لن تعترف بمقررات هذه الجمعيّة التأسيسيّة، وأنّ جامعته لن تقبل في عضويتها دولة لم تؤسس بطريقة مشروعة..".

وفِي كتاب: (ليبَيا فِي العصور الحديثة) علّق شيخ المؤرخين العرب الدّكتور نيقولا زيادة على مواقف عبْدالرَّحمن باشا عزَّام من المسألة الِلّيبيّة، ووصفها بالتالي:.. ".. إنّ موقف جامعة الدّول العربيّة – ممثلاً بأمينها العام يومئذ – لم يكن دوماً موقفاً عادلاً بعيداً عن الهوى كمَا يبدو في القرار الذي اتخذ بتاريخ 17 آذار/ مارس 1951 بخصوص لجنة الستين أيّ الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة..".

وَرُبّما استطردت هُنا أيْضاً لأؤكد على موقف عزّام باشا المنبعث من هوى النفس لا من موقف العدل والإنصاف، ونذكر موقف اتخذه مبكراً يتناقض مع موقفه الرافض لإجماع الجمعيّة على تتويج السّيد إدْريْس السُّنوُسي ملكاً على ليبَيا ألا وهُو دعوته إلى تنصيب الأمير عثمان فؤاد ملكاً على ولايّة طرابلس !. يقول عزَّام الذي كان مرافقاً للأمير عثمان فؤاد ومستشاراً له:..{.. بادرت بعرض فكرة إعلان إستقلال طرابلس الغرب والمناداة بالأمير عثمان فؤاد ملكاً عليها بدلاً من أن يؤدي اختيار إنْسَان آخر لها إلى إثارة الفتن المحليّة فلم يتحمس الأمير لذلك، وفي اليَوْم الثّاني أعدت عليه الفكرة ولكني فوجئت به يصرخ في وجهي قائلاً:..".. هذه مهزلة.. وفي رأيي أنّها لن تؤدي إلى نتيجة، وحاولت إقناعه بوجهة نظري إلاّ أنّه قاطعني بحدة وهُو يطلب مني عدم إثارة الموضوع معه مرَّة ثانيّة، وفهمت أن موافقته على هذه الفكرة قد تكون سبباً في فقدانه لبعض امتيازاته أو حقوقه كأمير من أمراء البيت العثماني..}م2.

وَالْشَّاهِد، نرى في موقف عزّام هذا تناقضاً لا تخطئه العين حيث دعا من جهة إلى تنصيب الأمير عثمان فؤاد ملكاً على طرابلس، وحينما رفض تتويج السّيد إدْريْس السُّنوُسي ملكاً على ليبَيا تحجج بأنّه لا يقبل مبدئياً النظام الملكي ويؤيد النظام الجمهوري في الحكم، وأدعى أنّه صاحب فكرة إنشاء أوّل جمهوريّة عربيّة في المنطقة – الجمهوريّة الطرابلسيّة!!. هذا الإدعاء اثبت بطلانه وعدم صحته بالدلائل الدامغة المُؤرخ الِلّـيبي الدّكتور مُصْطفى عَلي هويدي، حيث قال:..{.. تقلب عزّام بين الدعوة إلى الجمهوريّة والملكيّة فقد دعا إلى تنصيب الأمير عثمان فؤاد ملكاً على ولايّة طرابلس، وهُو حفيد السّلطان مُراد، الذي اختاره أنور باشا وأرسله إلى ليبَيا بصفته القائد الأعلى للقوّات الإفريقيّة، وقبل وصوله إلى مصراتة في مايو/ أيار 1918م كان قد طلب من عبْدالرَّحمن عزّام الذي قابله في الآستانة أن يجمل صورة الأمير عثمان فؤاد في ولايّة طرابلس وينصبه أميراً عليها. رفض الأمير عثمان فؤاد فكرة تنصيبه أميراً على طرابلس، فعاد عزّام مرَّة أخرى لفكرة الجمهوريّة، وتذكرنا فكرة الإمارة والملكيّة بمحاولة تتويج سابقة كان عزّام قد اقترحها إذ رشح الملك فؤاد لعرش ألبانيا.

.. وإننا لا نجد في مقالات عزّام التي حررها على صفحات جريدة: (اللواء الطرابلسي) (8) ما يفصح عن أيّة دعوة من هذا النوع إلى الجمهوريّة أو ما يشبه ذلك.

يتطرق عزّام في مذكراته لاجتماع مسلاته فيقول:..".. كان عليّ أنّ أمهد لإعلان الجمهوريّة الطرابلسيّة، لذلك بادرت بالإتصال بالقوى المتصارعة من أعيان البلاد وزعمائها..".

والسّؤال الَّذِي يطرح نفسه: كيف مهد عزّام لإعلان الجمهوريّة الطرابلسيّة ؟. ثمّ كيف بادر بالإتصال بأعيان البلاد؟. وهُو لم يغادر أو يبرح مصراتة التي سارع زعمائها للتقاطر إلى منطقة مسلاته لحضور عقد اجتماع الزَّعامات الوطنيّة هُناك، اللهم إلاّ إذا كان عزّام يقصد مهد لإعلان الجمهوريّة عن طريق تلك الاجتماعات التي كانت تحت إشراف زعيم مصراتة (السّويحلي) !!.

.. إنّ الجمهوريّة كفكرة لم تكن غائبة أو غير مستوعبة من طرف مثقفي ولايّة طرابلس وأعيانهم وزعمائهم.. ونشير إلى ما ذكره (فشيكة) (9) من.."..أنّه لا غرابة في أنّ فكرة مجلس إدارة الجمهوريّة الطرابلسيّة التي جعلت من أربعة أعضاء كانت مستقاة من كيفية نشوء الثورة الفرنسيّة التي لم يكن تاريخها مجهولاً لدى مثقفي أبناء طرابلس الدّارسين في معاهد الترك المدنية والعسكرية..". ولعلّ ما يؤكد ما ذكرناه، ما ذهب إليه فشيكة من أن فكرة الجمهوريّة لم تكن مجهولة لدى الطرابلسيين، صدور كتاب في فترة سابقة لإعلان قيام الجمهوريّة بخمس سنوات (1913م) لمؤلف فرنسي قام بزيارة طرابلس الغرب وعاش فيها قرابة النّـصف الأّوّل مِن عَام 1912م حيث قابل العديد من الزّعماء والأعيان الطرابلسيين، وفي لقائه مع الشّيخ محَمّد فرحات الَّذِي كان يجيد اللغة الفرنسيّة لدارسته بكليّة الحقوق بفرنسا، وقد دار حوار رائع بين الرجلين يدل دلالة واضحة على أنّه إلى جانب ألوف المجاهدين كان يوجد رجال ذوو فكر ثاقب وثقافة عالية عميقة، منهم الطبيب المختص، والقاضي، والضابط، والأستاذ، والمُهندس، والسّياسي... وغيرهم.

.. وهذا ما يراه أيْضاً محَمّد لطفي الضابط المصري الذي كان حاضراً لتلك الأحداث بولايّة طرابلس ومشاركاً فيها، إنّ صاحب فكرة الجمهوريّة الطرابلسيّة هُو سُليْمان الباروني الَّذِي فاز في انتخاباتها بالرّئاسة، ولم يكن نجاحه إلاّ نتيجة لمحبة الشّعب له فقد كان سلطاناً على طرابلس في أوّل حكومة وطنيّة أقيمت بها سنة 1913م.

.. إمّا الشّيخ الطاهر الزاوي فلم يقل في كتابه: (جهاد الأبطال) أنّ عبْدالرَّحمن باشا عزّام هُو صاحب فكرة الجمهوريّة أو هُو الَّذِي اقترح إنشائها على بقية الزّعماء والأعيان، وكلّ ما قاله..".. كان عزّام أشد النَّاس تحمساً لها وفي مُقدَّمة الداعين لتأسيسها..".

ولا يؤكد على أفكار عزّام إلاّ محَمّد فؤاد شكري صاحب كتاب: (السُّنوُسيّة دين ودولة") ويؤكد على ذلك بقوله:..".. استطاع عبْدالرَّحمن عزّام صاحب الرأي دائماً كلما ادلهمت الأمور أن يدعو لإنشاء جمهوريّة في طرابلس تأخذ على عاتقها توحيد الصّفوف ومواصلة الجهاد.."..} م3. (انتهى النقل عن كتاب: د/ مُصْطفى هويدي).

ومن جهة أخرى، كان عبْدالرَّحمن باشا عزّام مصنفاً ضمن أتباع أو مدرسة الشّيخ محَمّد عبده (1849م – 1905م) الموصوفة بالعقلانية والمنهجية العصريّة بين المُسْلِمِينَ، وإلى جانبه الكاتب والمُؤرخ المصري محَمّد حسين هيكل (المتوفي 1376 هجري الموافق 1956م).. وآخرين.

أصدر عزّام بعد عودته إلى مصر كتابين، الأوّل: (بطل الأبطال) الَّذِي تحدث فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.. والثّاني تحدث فيه عن الإسْلام كدين ودولة ونظام حكم، واختار اسم (الرّسالة الخالدة) عنواناً له. وكتب مقالات كثيرة في الصحف والمجلات المصريّة، وقد سبق له أن كتب في جريدة (اللواء الطرابلسي) إبّان وجوده بطرابلس، وكان من ضمن أشهر وألمع كتّابها، والآخرون هم: عثمان القيزاني، أحمَد الشّارف، أحمَد الفقيه حسن، أحمَد قنابة، عبدالله الماعزي، محَمّد الفقيه حسن (10). كمَا كتب من مصر في الصحافة العربيّة، وفي الصحف والمجلات السّوريّة والعّراقيّة واللبنانيّة على وجه التحديد.

ونشر عبْدالرَّحمن باشا عزّام فِي شهر مارس/ آذار 1950م مذكراته في مجلّة (المُصور) المصريّة، ونالت ليبَيا نصيباً لا باس به من سلسلة حكاياته، وهي حكايات استفزت الكثيرين لأنّها صورت الوقائع على نحو غير موضوعي أحياناً، وجاءت بتفسيرات لم تخلو من هوى النفس، وفي أحدى الصّفحات من مذكراته اتهم السّيّد إدْريْس بهتاناً وظلماً بالسرقة وترك النَّاس تموت جوعاً، فقال:.. {.. "..أخد السّنوُسي – إدْريْس – الذهب والأسلحة، وتركنا نموت من الجوع.."، وبعدها قال..".. عطفت على السّنوُسي – إدْريْس – فتحرج موقفي.."..}م4.

وقد رّد الأستاذ الطّيب الأشهب على سلسلة حكايات عزّام، فِي جريدة التاج (11) الصّادرة مِن بّنْغازي وقتذاك، في دراسة مطوّلة نشرها على حلقات فِي الصحيفة المذكورة.


عزَّام مع زعامات عربيّة

وَالْحَق الَّذِي لا مِرَاء فِيْه أن مواقف عزّام باشا ظلّت غير مقبولة من مسألة إستقلال ليبَيا وشخص السّيّد إدْريْس السّنوُسي، فحينما أعلنت ليبَيا عن إستقلالها في 24 ديسمبر/ كانون الثّاني 1951م، لم يقم بواجب التهنئة الَّذِي كان من المفروض أن يقوم به على اعتبار المسئوليّة الأخلاقيّة وموقعه السّياسي بصفته الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة، وبحكم العشرة وصلة النسب التي ربطته بالِلّيبيّين !، بل، لم يكتف بهذا الحد فحسب، فحينما تقدمت ليبَيا بعد استقلالها بطلب الانضمام إلى جامعة الدّول العربيّة رفض قبول انضمامها، ولم تتمكن ليبَيا من الحصول على عضوية الجامعة إلاّ في 10 رجب 1372 هجري الموافق 28 مارس/ آذار 1953م أيّ بعد خروجه من الجامعة في أواخر عام 1952م وبَعْد أن أجبره مجلس قيادة الثورة المصري على الاستقالة لخلاف كان سائداً بينه وبينهم يومئذ، وهُو خلاف لم يكن لليبَيا والِلّيبيين علاقة به.

وهُناك نقطة أخرى ذكرها الأستاذ الطّيب الأشهب في كتابه: (إدْريْس السُّنوُسي) رُبّما يكون من المُهِم إضافتها في هذا الصدد، وهي تشجيع الملك فاروق على حلم الخلافة الإسلاميّة الَّذِي كان يراوده ويسيطر على ذهنه ومنامه!، فقال الأشهب بالنصّ فِي كتابه المذكور:.. {..كانت للملك فاروق اتجاهات معينة حول ليبَيا شجعه عليها عزّام باشا وعبْدالله لملوم باشا. كان فاروق يرى أن اتجاهاته هذه المعينة في ليبَيا قد تكون الخطّوة الأولى للخلافة الإسْلاميّة التي كان يحلم بها في منامه وكان من بين المفسرين لأحلامه وفق رغباته: عزَّام ولملوم..}م5.

وَفِي جَانِب أُخَر، كان عزّام باشا على خلاف متصاعد مع رئيس وزراء مصر محمود باشا فهمي النقراشي الَّذِي اقنع وفد هيئة تحرير ليبَيا – والذي كان محسوباً على عزّام – المبعوث إلى هيئة الأمم المتَّحدة سنة 1949م، بالقبول بإمارة السّيّد إدْريْس السُّنوُسي فاقتنع وفد التَّحرير وقبل بالشرط الثالث الخاصّ بملكية إدْريْس السُّنوُسي بعد محاولاتهم المتكررة لإبعاده أثناء مفاوضاتهم مع الوفد البرقاوي، وهُو الشّرطُ الَّذِي أصر البرقاويون عليه، ووضعت الشّروط على النحو التالي: الإستقلال.. الوحدة الوطنيّة.. ملكية إدْريْس السُّنوُسي.

ومِن جديد، ظلّ عزّام باشا على موقفه من السّيّد إدْريْس السُّنوُسي طوال حياته، بينما سرعان ما عدل عبدالله لملوم باشا موقفه من إدْريْس السُّنوُسي والقضيّة الِلّـيبيّة على وجه العموم، وكتب بالخصوص تقريراً مفصلاً سلم نسخة منه إلى رئيس وزراء مصر محمود باشا فهمي النقراشي، وحاول مقابلة الملك فاروق لإبلاغه بتحوله الطارئ ولم يتمكن من مقابلته. يقول الأستاذ الطّيب الأشهب حول هذا التحول..{.. صرح لملوم باشا أكثر من مرَّة في عدد من النَّاس بالقاهرة منهم الِلّيبيّون ومنهم مصريون ومنهم من ينتسب إلى البلاد العربيّة الأخرى قائلاً:..".. إن ليبَيا هي إدْريْس وإدْريْس هُو ليبَيا، ومن يظن غير ذلك فقد أخطأ ومن يعمل ضدَّ ذلك فمئاله أحد أمرين: إمّا الفشل الذريع، وإمّا ضياع مصلحة ليبَيا.."..}م6.

وَفِي الخِتَام

خرج عبْدالرَّحمن باشا عزّام من جامعة الدّول العربيّة في أواخر عام 1952م. وبعدئذ، مثل المملكة العربيّة السّعوديّة في جامعة الدّول العربيّة ثمّ في هيئة الأمم المتَّحدة إلى أن أختاره ملك السّعودية سعود بِن عبْدالعزيز آل سعود مستشاراً وممثلاً له في النزاع المتعلق بواحات البوريمي، وبقى في السّعوديّة العربيّة حتَّى عام 1974م، ليعود بعد ذلك إلى بلاده مصر.

وفِي عَام 1973م، دعاه معمّر القذّافي رسميّاً لزيارة طرابلس، فلبى عزَّام الدعوة، وأثناء أيّام الزيارة، أطلق القذّافي اسمه على إحدى ميادين مدينة طرابلس.

انتقل إلى رحمة الله في مصر يوم 2 يونيه/ حزيران 1976م، ودُفنَ في حلوان بمسجد عزّام إلى جوار إبن عمّه السّفير عبْدالوهاب محَمّد عزّام المُتوفى عَام 1959م (12).

رحِم الله عبْدالرَّحمن باشا عزّام.. ورَحِم اللَّه المَلِك إِدْرِيْس السُّنوُسي فِي ذِكرى الإستقلال المجيدة، وسَلام وتحِيَّة إِلَى رُوْحَه الشَّرِيِفَة الطَّاهِرَة فِي علْيَاء ملكُوْتِها.

وهذا ما لزم...

شُكْري السنكي


مُلاحَظَات وَإِشَارَات:

1) كَلِمَةُ البداية: اعتمدت في هذه الفقرة على الجزء الثالث من دراستي التي نشرتها تحت عنوان: (في السّـياسَةِ والتاريـخ.. المَلِك والعقيد والمُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج) في موقع: (ليبَيا وطننا) و (ليبَيا المُسْتقبل) فِي صيف عَام 2006م.. وعلى الدراسة التي نشرتها تحت عنوان: (رجال حول الملك) في موقع ليبَيا المُسْتقبل) فِي صيف عَام 2009م، والتي أعدت نشرها في مدونة: (شؤون ليبيّة) في أكتوبر(تشرين الأوَّل )/ نوفمبر(تشرين الأوَّل) 2012م.
2) علاقة عزّام بالإنجليز: راجع ما قاله محَمّد رجائي ريان في صفحة (70) من دراسته المعنونة بـ(الجمهوريّة الطرابلسيّة) في العدد (69/ 70) في مجلّة: (المجلّة التّاريخيّة المغربيّة)، الصّادرة بتاريخ شهر مايو/ أيار 1993م. ونفس الشيء أورده الدّكتور مُصْطفى علي هويدي في صفحة (38) من كتابه: (الجمهوريّة الطرابلسيّة)، الصّادر عن: (مركز جهاد الِلّيبييّن للدّراسات التّاريخيّة) عام 2000م.

3) زيارة الملك فاروق إلى السّعوديّة: أنظر ما جاء في الشبكة العنكبوتية عن زيارة الملك فاروق للمملكة العربيّة السّعوديّة.
4) علاقة عزّام بالإيطاليين: أنظر ما نقلناه عن الدّكتور مُصْطفى عَلي هويدي في صفحة (39) مِن كتابه: (الجمهوريّة الطرابلسيّة)، الصّادر عن: (مركز جهاد الِلّـيبيّين للدّراسات التّاريخيّة) عَام 2000م، وكتاب: (مِن الأفق السُّنوُسي) للسّيّد يُوسف عيسى البندك الصّادر عن: (مركز الدّارسات الِلّـيبيّة/ أكسفورد) في أبريل/ نيسان 2002م.
5) ملف عزَّام وسيرته: استندت في هذه الوقفة على المراجع التاليّة: كتاب: (الجمهوريّة الطرابلسيّة) للدّكتور مُصْطفى عَلي هويدي، الصّادر عن (مركز جهاد الِلّـيبيّين للدّراسات التّاريخيّة) عَام 2000م.. وما جاء حول عبْدالرَّحمن عزّام في باب (مختصرات) في موقع (نبأ) وكالة الأخبار الإسْلاميّة، وموسوعة المقاتل (
Almoqatel) على شبكة الإنترنت.. وكتاب: (المجتمع والدولة والإستعمار في ليبَيا) للدّكتور علي عبداللطيف حميدة، الصّادر عن: (مركز الدّراسات العربيّة) في طبعته الأولى يناير/ كانون الثّاني 1995م.. وكتاب: (إدْريْس السُّنوُسي) للأستاذ محَمّد الطيب الأشهب، الصّادر عن: (دار العهَـد الجـديد للطبَـاعة) – الطبعة الثّانيّة عام 1957م.. وكتاب: (السّنوُسيّة.. دين وَدَولة) للأستاذ محَمّد فؤاد شكري، الصّادر عن مركز الدّارسات الِلّـيبيّة – أكسفورد/ الطبعة الأولى (المحققة) 1426 هجري الموافق 2005م.

6) رسالة السّيِّد إدْريْس: نشر الأستاذ يُوسف عبْدالهادي الحبوش الجزء المنشور من الرسالة في موقع: (ليبيا وطننا) يوم الثلاثاء 13 أبريل/ نيسان 2010م، وأعاد نشر نفس الجزء في مطبوعة (صور من تاريخ بلادي) العدد الثاني، الصّادرة عن (مكتبة الملك إدْريْس الأوَّل) في صيف 2012م.

7) الوفد الطرابلسي: ترأس وفد هيئة الإصلاح المركزيّة السّيّد بشير بك السّعداوي، وضمّ في عضويته كلّ من: الشّيخ محَمّد عبدالملك، السيّد نوري السّعداوي، السّيّد محَمّد الصّادق بك الحاج، عبْدالرَّحمن عزّام (المستشار العامّ للهيئة).
8) جريدة اللواء الطرابلسي: صدرت جريدة (اللواء الطرابلسي) كجريدة ناطقة باسم حزب الإصلاح الوطنيّ في 9 أكتوبر/ تشرين الأوّل عام 1919م، واستمرت في الصدور حتَّى وصول الحزب الفاشستي إلى السّلطة في إيطاليا وظلّت تصدر لمدة سنتين ونصف. اللواء الطرابلسي جريدة سياسيّة أدبيّة اجتماعيّة وإقتصاديّة، كانت تصدر يوم (الخميس) من كلّ أسبوع في أربع (4) صفحات من الحجم الكبير، وكان مديرها المسئول الأستاذ عثمان القيزاني، وتساعده هيئة رسميّة تمثلت في حزب الإصلاح الوطنيّ الذي أدار الجريدة من مقره بمحلة (أبي الخير)، واعتمدت في تمويلها على ما يرد إليها من حزب الإصلاح والأعيان عن طريق التبرعات والاشتراكات.

وطبعت الجريدة بداية الأمر بالمطبعة الشّرقيّة التي تقع بمحلة الأربع عرصات ويملكها اليهودي فرايم تشوبة ثمّ تولَّت طباعتها مطبعة الترقي الوطنيّة لصاحبها محَمّد البوصيري. وكان للجريدة مندوبون ومراسلون صحافيون للإلمام بإخبار المناطق المختلفة، ومن هؤلاء:

1 – محَمّد بشير بن حمزة مندوب الجريدة في طرابلس.

2 – صَالح الصّقر مندوب الجريدة في ترهونة.

3 – أبوبكر الصديق مندوب الجريدة في غدامس.

4 – ساسي بن شتوان مندوب الجريدة في بّنْغازي.

5 – محَمّد البوسيفي مندوب الجريدة في غات.

وقد تعرضت جريدة اللواء لضغوط كبيرة من الحكومة الإيطاليّة التي مارست الرقابة على مضامينها فخرجت بعض الأعمدة في العديد من الأعداد وهي باللون الأسود أو خالية من المادة الإخباريّة أو بترت أجزاء من أخبار ومقالات بعد أن منعت الرقابة نشرها. وكان من أهمّ كتّاب الجريدة: عثمان القيزاني، أحمَد الشّارف، أحمَد الفقيه حسن، أحمَد قنابة، عبدالله الماعزي، عبدالرَّحمن عزّام، محَمّد الفقيه حسن (ربّما علي). هذا التعريف منقول حرفياً عن الأستاذ المختار الجدال في مقالة نشرها تحت عنوان: (تاريخ الصحافة الِلّـيبيّة) في مدونته الخاصّة بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثّاني 2007م.

9) فشيكة: أصدرت المطبعة الحكوميّة في عام 1956م للمُؤرخ: محَمّد مسعود فشيكة كتاباً عن تاريخ ليبَيا تحت عنوان: (تاريخ ليبَيا الحديث). يقول الدّكتور مُصْطفى هويدي:.."..أن محَمّد مسعود فشيكة أكد في صفحة (49) من كتابه: (تاريخ ليبَيا الحديث)، بأنّ سُليْمان باشا الباروني هُو صاحب فكرة لمّ شمل البلاد وقيام جمهوريّة تقاوم المستعمر وتنزع الإستقلال من إيطاليا وأبدى فكرته لزعماء البلاد فأيدوها جميعاً. ولكن فشيكة بعد حوالي عشرين عاماً غيّر رأيه ونسب فضل ابتكار النَّظام الجمهوري في طرابلس الغرب إلى الزَّعيم رمضان السّويحلي..".

وَهُنا نرى وفي الحالتين، أن فشيكة لم ينسب فضل ابتكار النَّظام الجمهوري إلى عبْدالرَّحمن عزّام. وتجدر الإشارة أيْضاً أنّ الدّكتور مُصْطفى هويدي غلَّب كفة أن يكون الشّيخ محَمّد فرحات هُو من اقترح فكرة النَّظام الجمهوري، فقال:..".. قبل أن ينجح الإيطاليون في معركة (جندوبة) في مارس/ آذار 1913م كانت هناك حكومة وطنيّة بالولايّة حيث قامت بعد انسحاب الأتراك في أكتوبر/ تشرين 1912م، وانتهت تلك الحكومة بهجرة زعاماتها الوطنيّة إلى خارج ولايّة طرابلس. ويبدو أن عزّام لم يعرف أن الشّيخ محَمّد فرحات قد اقترح إنشاء حكومة الجمهوريّة الطرابلسيّة منذ عام 1913م..".

10) السّيّد محَمّد الفقيه حسن: نقلت الاسم كمَا جاء في مقالة: (تاريخ الصحافة الِلّـيبيّة) للأستاذ مختار الجدال، ورُبّما يكون الاسم المقصود هُو (علي) وليس (محَمّد) كمَا ورد. ترأس الأستاذ علي الفقيه حسن رحمه الله (حزب الكتلة) قبيل فترة إستقلال ليبَيا.

11) جريدة التَّاج: صاحبها الأستاذ عُمر الأشهب، صدر العدد الأوّل منها في نوفمبر/ تشرين الثّاني 1950م، واستمر صدور أعدادها لمدة (10) عشرة أشهر حيث أُغلِقت بقرار صادر عن حكومة برقة آنذاك.
12) الدّكتور عبْدالوهاب عزّام: صّوفي التوجه وهٌو مُترجم وأديب والشاعر وسّفير، تُوفي بالسّعوديّة يوم 8 يناير/ كانون الثّاني 1959م، وتمّ نقل جثمانه إلى القاهرة حيث دُفِنَ في مسجده بحلوان.

مصَادِر وَمَرَاجِع:

م1) الدّكتور مُصْطفى علي هويدي – كتاب: (الجمهوريّة الطرابلسيّة) الصّادر عن: (مركز جهاد الِلّـيبيّين للدّراسات التّاريخيّة) عَام 2000م.

م2) نفس المصدر السّابق.

م3) نفس المصدر السّابق.

م4) نفس المصدر السّابق.

م5) الأستاذ/ محَمّد الطيب الأشهب – كتاب: (إدْريْس السُّنوُسي)، الصّادر عن: (دار العهَـد الجـديد للطبَـاعة) – الطبعة الثّانيّة عام 1957م.

م6) نفس المصدر السّابق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق