الاثنين، ديسمبر 03، 2012

هل سيضل وادي الآجال جزء من ليبيا؟.... الطيب عبد الحفيظ

مقدمة:
وادي الآجال هو المنطقة الممتدة من جنوب غرب سبها، والتي تبدأ بقرية الأبيض وتمتد قراها على طول الطريق الذي ينتهي بمركز المنطقة مدينة أوباري. يبلغ امتداد المنطقة حوالي مائة وخمسون كيلومتراً حيث يحدها شرقاً وجنوباً منطقة مرزق وشمالاً الرمال التي تفصل بينها وبين وادي الشاطئ غرباً منطقة غات.
عاش سكان هده المنطقة بمختلف مكوناتهم في وئام وانسجام كاملين، حيث اعتمدت المنطقة طويلاً على الزراعة ومنتجاتها المختلفة وكذلك التمور التي تفيض بها أشجار النخيل سواء في المزارع أو في الغابات المنتشرة في ربوع المنطقة.كما حباها الله بتماسك اجتماعي يعدو على جميع المكونات الاجتماعية، لم تشهد المنطقة أي صراع داخلي، كانت تفاعل وحيوية بعيدة عن كل الاستقطابات التي حاولت التسلل إليها.



القذافي يدق مدماك الخلل:
في أوائل الثمانينات من القرن الماضي زار القذافي أوباري، ووجه من هناك، نداء إلى من أسماهم الطوارق المظلومين لكي يأتوا إلى ليبيا. وهكذا تدفق الآلاف من العائلات من طوارق مالي إلى المنطقة وإلى مدينة أوباري خصوصاً، حيث كانوا يعانون شظف العيش وهاهو رأس الدولة الليبية يدعوهم إلى المجئ إلى الجنة الموعودة.
شكل القادمون حزاما بشريا هائلا حول أوباري وأخذوا يقيمون بيوتاً عشوائية من الطين حتى أطلق على الحي الذي ظهر فجأة ( تيلاقين ) ومعناها حي الطين باللهجة الطارقية.أتوا إلى المنطقة بعاداتهم الغريبة حيث لا ضوابط للعلاقات بين الرجل والمرأة ولا قيمة لرابطة الزواج وأخذوا يتكاثرون بسرعة وينتشرون في سائر الأراضي من أطراف أوباري.
أنشأت للقادمين كتيبة عسكرية سميت كتيبة طارق ابن زياد.أخذت الكتيبة على عاتقها تجنيد أبناء القادمين الجدد في الجيش الليبي وهم لا يحملون الجنسية الليبية وهذه أولى المؤشرات على الدور الذي سيلقى على عاتقهم وعلى حصولهم على مرتبات من الدولة الليبية وإحساسهم بأنهم أصبحوا جزء من احدى مكونات الجيش الليبي وهكذا شارك عدد منهم في معارك تشاد.
مؤتمر شعبي وتصعيد:
أقيم للقادمين الجدد مؤتمر شعبي ووضع على رأسه شخص منهم، وهذا بالنسبة لهم فرصة لتأكيد وجودهم وشعورهم بعدم الفارق بينهم وبين أبناء الوطن الذي ليس لهم أي انتماء إليه، وكان هذا المؤتمر من أكثر المؤتمرات عدداً وذلك بالنظر لوجودهم بالمئات فيه.هذا الوضع والرغبة في الوصول للوظائف القيادية أو المحافظة عليها أغرى القائمين على الأمر في البلدية أنداك للتقرب منهم من أجل كسب أصواتهم في التصعيد حيث أن الأمر ليس معقداً ولا يحتاج إلا إلى رفع الأيدي وهكذا تقاطر الأمناء أو مبعوثيهم على أصحاب هذا المؤتمر الذين شعروا أنهم أصبحوا رقماً في المعادلة السياسية في البلدية آنذاك.
المغاوير... المرتزقة:
اتبع النظام المنهار أسلوبا جديداً يتمثل في جلب أعداد هائلة من شباب الطوارق من شمال مالي والنيجر، وسخر لذلك عدد من الأشخاص المعروفين جداً والذين أصبحوا ثواراً قاموا بعمليات الجلب لأن الأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون صفقات مالية حيث قبضوا الملايين من الدولارات واليورو أودعت فى المصارف الأجنبية.أقيم للمجلوبين معسكراً كبيراً في أول الطريق أوباري غات وأطلق عليهم اسم (المغاوير) وقدمت لهم العديد من الإغراءات المادية لكي يكونوا على أهبة الاستعداد ووضع على رأس هدا الكتيبة احد القيادات العسكرية من الطوارق المعروفة في الجيش الليبي ويعاونه أحد (المغاوير).
هدرت ثورة فبراير 2011 اهتزت أرض ليبيا سَـرَتْ في أعماق الشعب انتعاشة روح الأمل وتيارها الجارف أصبحت كتيبة طارق التي يقودها أحد القحوص الجدد وكتيبة (المغاوير) مصدراً رئيسياً في تزويد الكتائب بالعناصر التي تقتل الليبيين، حيث ارتكبوا المجازر في كافة أنحاء ليبيا، في البيضاء ودرنة وبنغازي ومصراتة، وفي هذه المدينة أي مصراتة صنعوا أنهاراً من الدماء وتلذذوا بارتكاب المجازر ونهبوا المحلات والبيوت، ولم تَـسلم من بطشهم وسطو لهم العائلات من الرجال والنساء والأطفال وحتى الشيوخ، استباحوا كل شئ فيها كانوا يقتلون بلا رحمة كل من يجدونه في طريقهم من البشر والحيوانات.وهذا ليس بغريب من مرتزقة لا شفقة عندهم ولا صلة لهم إلا بالمال، ولا علاقة لهم بالبلاد وأهلها.ويقال أن البعض منهم لا يزال يفتخر بما ارتكبه من جرائم في حق أهل مدينة مصراتة وما غنمه من أموال وذهب من البيوت التي نهبها في المدينة.
فولول المرتزقة.... أتباع القذافي... واقع وادي الآجال:
انهار النظام، فر كل من آمر كتيبة طارق وآمر كتيبة (المغاوير) إلى خارج البلاد. تولى إمرة الكتيبتين أشخاص من المرتزقة أنفسهم وأطلقوا على الأولى اسم تينيري (نسبة إلى منطقة يسكنها الطوارق في النيجر) وعلى الثانية اسم تيندي (وهو اسم لرقصة طارقية). وهكذا أصبح المرتزقة المأجورين والذين سفكوا دماء الليبيين والذين يفترض أن يكونوا بالسجن،أصبحوا أمراء للكتيبتين وتحت مسميات جديدة وادعوا زوراً وبهتاناً تبعيتهما إلى الجيش الليبي، ووضعا عليها علم الاستقلال.
إلى وادي الآجال زحفت جموع المرتزقة طوارق وسواهم والتي كانت منتشرة في سائر أنحاء ليبيا بمن فيهم الذين كانوا في سرت وقاتلو مع القذافي باستماتة حتى سقوطه والذين اعملوا القتل وارتكبوا المجازر والاغتصاب وأبشع الممارسات، وأصبحت المنطقة فجأة تعج بهذا الخليط الإجرامي الغريب عليها. سيطر آمرا الكتيبتين على الأسلحة الثقيلة وأصبحا مصدر حماية لهذا الهجين المتوحش.
أخذ القادمون الجدد وبسبب حمايتهم من كتيبتي المرتزقة، يقتحمون المباني السكنية والتي لم تستكمل بعد، على امتداد المنطقة مستخدمين الأسلحة في بعض الحالات وحدثت مناوشات بينهم وبين المواطنين الليبيين المدافعين عن مبانيهم ضد هذا الغزو.
وهذا ما حدث في بلدة الغريفة من اقتحام وسلب وترويع للآمنين بإمكانيات الجيش الليبي للأسف والتي سيطر عليها هؤلاء المرتزقة حيث هوجمت الأسر في بيوتها واقتحمت المحلات ونهبت وسرقت السيارات والمواشي واختطف بعض الأشخاص.وتكرر ذات الجرم الذي حدث في بداية ثمانينات القرن الماضي حيث تزامن تواجد هذه المجموعات مع الترتيبات لانتخابات المؤتمر الوطني العام، وهكذا عرض أتباع القذافي من المنطقة عليهم أن يسمحوا لهم باقتحام تلك المباني في قراهم مقابل أن يصوتوا لصالحهم في الانتخابات وحدثت تجاوزات كبيرة في تلك الانتخابات لهذا ليس من المستغرب أن نسمع أحدهم يدافع عن أولئك المرتزقة داخل المؤتمر الوطني العام.
لا زالت الغالبية العظمى من الناس في منطقة وادي الآجال مؤيدة للقذافي وبشكل علني واضح وهنالك من يقول لهم أن قائدهم لا يزال على قيد الحياة وهم على اتصال به. ولا زالوا يحملون رايته في مناسباتهم الاجتماعية وهم أشخاص معروفين بالاسم في المنطقة وقد شعروا بالقوة بسبب الكتيبتين المذكورتين ومساندتهما لهم. وما ترتب على انتخابات المؤتمر الوطني العام والتي منحتهم أعضاء فيه. ترتب على هذا الوضع أن الثوار في واد الآجال أصبحوا مستضعفين جداً ولا يستطيعون إبراز تحركهم وبدأنا نشهد نزوح للثوار وعائلاتهم من المنطقة نحو طرابلس والقلة التي بقيت في المنطقة تعاني الأمرّين من أتباع القذافي وكتيبتي المرتزقة.
وادي الآجال..... المستقبل المجهول:
تفيض المنطقة بالخيرات، فهي تنتج مئات الآلاف من براميل النفط يومياً، وتتمتع بمناطق سياحية آسره وأرض زراعية معطاءة والآلاف من أشجار النخيل التي تعطي أجود أنواع التمور.تدفقت إليها هذه الجموع الهجينة والتي أحدثت وستحدث خللا هائلا على بنيتها الاجتماعية والسكانية.ذلك أن هذه المجموعات والتي لا ترتبط بالوطن، تعد بعشرات الآلاف وقد توافرت لها عوامل القوة بفعل كتيبتي المرتزقة وسيكون لها اليد الأولى في تقرير مصير وادي الآجال.
بدأنا نسمع أحاديث ونشهد رفع شعارات ورموز غريبة جداً لم تعرفها المنطقة على امتداد تاريخها من قبيل أن الطوارق هم أمازيغ وحمل شعار الأمازيغ.ليس هذا فقط بل هنالك من يجاهر بأن هذه المنطقة بل ليبيا كلها هي للطوارق وأن العرب فيها ضيوف وهذه تعود إلى أطروحات الكاتب والروائي الكبير..... وأيضاً المجاهرة بالعلاقة مع الآزوار الذين أعلنوا دولتهم في شمال مالي وأصبحوا يسمون منطقة أوباري علنياً بالآزواد.
ومع الأنباء عن احتمال تدخل دولي في شمال مالي، فإن ذلك سيكون إيذانا بتدفق عشرات الآلاف من طوارق الآزواد من شمال مالي إلى وادي الآجال وعندها ستكون الطامة الكبرى. ومع غياب المؤتمر الوطني العام والحكومة والجيش الليبي الكامل عن المشهد في وادي الآجال والإهمال الكامل لمنطقة غنية بالنفط والخيرات وتتمتع بكل ما يمكن أن يشكل المستقبل الزاهر لليبيا وقربها من مناطق حدودية حساسة تجاورها بلدان يسودها البؤس وتنتشر فيها المجموعات المسلحة والتي لها روابط مع الخليط البشري الذي تكوّن في وادي الآجال، وأطماع الدول الكبرى في النفط وحربها على المجموعات المسلحة....
فهل سيضل وادي الآجال جزء من ليبيا....!؟
الطيب عبد الحفيظ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق