الثلاثاء، أبريل 29، 2014

تجربة العمل الحزبي في المرحلة الانتقالية..... وليد ماضي

كتب الشيخ الجليل علي الصلابي بتاريخ 24 أبريل 2014 مقالاً بعنوان (حزب العدالة وبناء الشراكة في المشروع الوطني الليبي) متضمّناً رأيه في دور الحزب وأداء قيادته خلال المرحلة السابقة،وعرّض الشيخ الفاضل في مقاله لاستقالة بعض الشخصيات خلال السنة الماضية من الحزب ووضعها في سياق الحملة المادية والمعنوية التي تعرّض لها الحزب،فذكر تحديداً: "لن ينكر أحد الظروف التي عمل فيها صوان بعد أن استقال نائب رئيس الحزب والأمين العام الحزب وفي الظرف السياسي والأمني الذي تمر به البلاد"...

وقد كنت أودّ ألا يعرّض الشيخ الفاضل للاستقالة بهذه الطريقة وأن يضعها فيما يوحي للقارئ بموقف (التراجع أمام الضغوطات)، وهو في أغلب الظن لا يعلم الكثير عن أسباب الاستقالة التي لم تكن لها علاقة أبداً بما تعرّض له الحزب، حيث أنني قد قدمت استقالتي بشكل مكتوب للسيّد رئيس الحزب قبل الاعتداءات التي وقعت على مقرات الحزب خلال الصيف الماضي، بل إنني آثرت في حينها الانسحاب بهدوء حتى لا تستغل في إطار الحملة الموجهة على الحزب.
وكما كانت مشاركتي في مشروع حزب العدالة والبناء مع مجموعة من الشخصيات الوطنية اجتهاداً للدفع بمسيرة العمل الوطني وتعزيز التحوّل الديمقراطي في ليبيا بعد الثورة،فإن استقالتي أيضاً كانت (مراجعة) لمسار سياسي فرضها علي واجبي تجاه مجتمعي ووطني، وانسجامي مع قناعاتي ورؤيتي لكيفية إدارة ملفات المرحلة الانتقالية التي لم تتوافق في بعض مفاصلها مع رؤية قيادة حزب العدالة والبناء...
وفي الواقع أن حساسية المرحلة وعمق تأثيرها على رسم مستقبل البلاد يستدعي فعلاً الوقوف على حصيلة عمل الأحزاب وتقييم الأداء العام لها ومراجعة الرؤية السياسية التي انطلقت بعد الثورة والتي اعتمدت بشكل كبير على استنساخ أنماط وقوالب جاهزة لدول ومجتمعات أخرى، قد لا تتناسب مع خصوصية الليبيين وتكويناتهم النفسية والثقافية، كما أن الأحزاب السياسية رغم أهميتها كإطار للعمل السياسي، ولكنها لا تكفي لصناعة الديمقراطية وتحقيق التحوّل الديمقراطي، فالديمقراطية في جوهرها ومضمونها هي أوسع من مجرد بناء المؤسسات، فهي تشكّل سلوك اجتماعي وسياسي يرتكز على احترام الإنسان وحرياته وحقوقه، فقد نتذرّع بالديمقراطية شكلياً، ونمارس الاستبداد عمليّاً...
إن غاية الجميع في ليبيا هو بناء (الدولة الوطنية) التي ترتكز على مفهوم (العقد الاجتماعي) وفق مبدأ (حماية الحقوق وتحقيق العدالة)، فإذا لم يقم للوطن صرحاً وكياناً ولم يتحقق له نجاحاً ولا استقراراً،فلا قيّمة لأي مشاريع أو أفكار أو برامج وسنظل نراوح في دائرة الوهن والعجز والفشل، ولأجل بناء صرح (الدولة الوطنية) وليكون المطلب الديمقراطي لائقاً فإننا نحتاج إلى تأسيس نظام يضمن العدالة الاجتماعية قبل كل شئ،فالعدل هو عماد المشاريع الإنسانية والحضارية،وفي ظله نشأت الأوطان وازدهرت وارتقت الكيانات والتجمعات البشرية وتكاتفت، ولا يمكن تصوّر عمل آليات الديمقراطية بشكل صحيح في بيئة لم تحقق العدل.
إن عدم قدرة الأحزاب على الانفتاح على شرائح أوسع من المجتمع، وعدم تحقيق جسور فعلية للتواصل معها وملامسة احتياجاتها وبناء خطاب وطني يسع الجميع ويتجاوز التصنيفات، والدخول في صراعات سياسية قبل تحقيق قاعدة متينة من التوافق المجتمعي عزّز مخاوف الكثيرين من أن الأحزاب هي مجرد ظاهرة لتكريس الزعامة في النظام السياسي عن طريق ديمقراطية الهيمنة والسيطرة، وللأسف هناك نماذج مشابهة لهذا النمط من الديمقراطيات نشأت في بعض الدول الأفريقية بعد مراحل من الصراع المسلح  ولم تحقق أي تحوّل نحو الدولة المدنية، إلا في شكل الصراع وأدواته فقط.
إن ما قد يعتبره البعض (ثباتاً ورسوخاً) قد يراه البعض الآخر (جموداً وتصلباً)، فمن أساسيات النجاح في العمل السياسي هو المرونة والواقعية والاستفادة من التجارب والآراء المختلفة، وهذا ما تعيقه الأيديولوجية التي تتمثّل في قوالب فكرية نمطية لن تجاري واقع متغيّر ومتقلّب كالحال الّذي تمرّ به بلادنا، وستعجز الأيديولوجية في نهاية الأمر عن رصد المشاكل والتحديات وإنتاج الحلول وستظل باستمرار قابعة في دائرة اجترار الصراع وتبرير وتفسير كل الحوادث وفق منظور واحد فقط.



المصدر: ليبيا المستقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق