الجمعة، مارس 21، 2014

ليبيا إلى أين..؟..... نوري الكيخيا

تتسم هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ ليبيا اليوم بظاهرة جديدة، لم تعرفها تقاليد وعادات المجتمع الليبي المسالم بطبعه من قبل، هذه الظاهرة تبلورت أخيرا بظهور عناصرمدججة بشتى أنواع ألأسلحة حولتهم إلى طغات جدد وحولوا هم بدورهم الواقع الليبي إلى حلبة صراع تتناحر فيها ميليشيات متعددة المشارب ومختلفة الأهواء، يقودها أمراء حرب وتجار سلاح لا علاقة لهم أصلا بثورة 17 فبراير إلا أنهم ركبوا فيما بعد موجة انتصاراتها عاملين -مع سبق الإصرار والترصد- على سرقتها وإفراغها من محتواها...  هذه الثورة التي قامت أساسا لاستعادة كرامة وكبرياء الشعب الليبي، التي داسها الطاغية ألأرعن بحذائه لأكثر من أربعة عقود، وكأن ليبيا قد كتب عليها أن تبقى رهينة في يد الطغاة قديمهم وجديدهم فلا أمن ولا أمان.. استلم مصيرها حاليا أمراء حرب أشرار يحملون أجندات مختلفة وهويات متنوعة و ولاءات  متعددة، بعضهم يدين بولائه خارج حدود الوطن وعبر البحار والبعض الآخر يدين لعصابات الجريمة المنظمة الناشطة داخل أسوار الوطن في تجارة المخدرات والسطو المسلح والإغتيالات وجرائم الإختطاف والإغتصاب وانتهاك الأعراض، ففي هذا المناخ العفن المتأزم تعيش في رحمه الدولة الليبية (اللا دولة) فلا مؤسسات دستورية تذكر ولا قانون يحترم ولا قضاء في مستوى فاعل وبطبيعة الحال لا دستور يعطي للدولة هيبتها ويبرز هويتها ونظامها السياسي.

فالحاكم الأوحد في ليبيا اليوم هو الميم ط والكلاشنكوف تعبث به عصابات مجرمة ترهب البشر والحجر، متسترة كالعادة برداء الدين تريد فرض إرادتها ومعتقداتها المتطرفة والمتخلفة على المجتمع بقوة السلاح على الرغم من تناقضها الصارخ مع إسلام الليبيين الوسطي - مالكيا كان أم أباظيا- فعقائد تلك الأقلية المارقة فيها من الغرور والإستعلاء ما يجعل الشعب الليبي ينفر منهم ومن أفكارهم الوافدة والمتناقضة أصلا مع مشاعره وأحاسيسه.
ومن هنا ينطلق الصراع الليبي -الليبي، تغذيه تناقضات حقيقية اقتصادية واجتماعية وجيو سياسية، صراع بين الدكتاتورية والديمقراطية وصراع بين الذي يملك والذي لايملك وصراع بين المسلح والأعزل صراعات تغلفها غيوم كثيفة تعصف بها رياح عاتية.. على أمل أن تتحول في يوم قريب برحمة من رب العالمين إلى غيث يحيي الأرض بعد موتها حتى يزهر فيها نوار الربيع وأزهاره العطرة ليعم شذاها وأريجها ربوع الوطن من أقصاه إلى أقصاه.
إن هذا الصراع القديم الجديد المنوه إليه أعلاه، يتلخص في كونه صراع إرادات بين أقلية نهمة شرسة من أغنياء حرب نهبت ثروة البلاد وخزائنها واستولت على السلاح وترساناته ومخازنه.. وأغلبية فقيرة بائسة سحقت منذ زمن من قبل النظام الفاشي المنهار...  وزاد حاليا في بؤسها وشقائها وإفقارها ،إنعدام ألأمن و ألأمان فأصبحت تعيش في واقع تنتهك فيه أبسط حقوق الإنسان وخاصة حقه في الحياة.
ونظرا لهذه الأوضاع المتدنية التي انحدرت إليها ليبيا اليوم والأزمة الخطيرة التي تعصف بكيانها وتهدد أمنها واستقرارها، يصبح العمل على إنهاء وجود المليشيات المسلحة وقطع دابرها واجب تمليه المصلحة الوطنية ويتطلبه استقرار البلاد لإعادة إعمارها وبناء مستقبل أجيالها.  ومن هنا تكون أهمية المطالبة الجادة بإعادة العمل بدستور 1951 -المؤسس لدولة الإستقلال- كضرورة تتطلبها أوضاع ليبيا الحالية ومن أجل مستقبل أجيالها القادمة  فعلى الرغم من ذلك هناك من يعارض تبني هذا الدستور بحجة أنه دستور علماني يشكل عقبة في وجه تطبيق الشريعة مع العلم أن هذا الإدعاء يهدف إلى فرض دكتاتورية فاشية ظلامية على الشعب الليبي. إن ما يسعى إليه المرتزقة من أشباه الثوار الذين حولوا البلاد إلى قندهار ألأفغانية التي تدربوا فيها على أيدي خبراء (السي.آي.آيه) وبمباركة الموساد الإسرائيلية هو إشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
ونظرا لما تم ذكره فإن ليبيا اليوم تحتاج إلى طوق نجاة وخارطة طريق جديدة تبدأ خطوتها الأولى بتبني دستور المملكة الليبية المتحدة التي عاشت أحسن أعوامها في ظل النظام الإتحادي، الذي أنجز خلاله بناء الدولة الوطنية وحققت ليبيا خلاله أهم مكتسباتها في النهضة التعليمية، فلا فرق بين الأقاليم الثلاثة طرابلس وبرقة وفزان حيث كانت مجانية التعليم للجميع والبعثات الدراسية في الخارج للمتفوقين فلا فرق بين الليبي والليبي إلا بالتفوق الدراسي فليس من الإنصاف ما يروج له البعض من أعداء النظام الفدرالي بأن الفدرالية تعمل على تقسيم البلاد فهذه -بالطبع - فرية يهدف أصحابها الإبقاء على النظام المركزي وترسيخ أركانه لكي يحافظوا  على امتيازاتهم وسيطرتهم على مقدرات وأرزاق الآخرين.
إن ليبيا التي تقع على الشاطىء الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط والذي يمتد طوله حوالى 2000 كم  وبمساحة تزيد على  1,700000كم مربع وكثافة سكانية قليلة هي بلد مترامي الأطراف يحتاج بكل تأكيد إلى نظام إداري فعال يقدم للمواطنين أسرع الخدمات وأفضلها، نظام يراعي خصوصية المناطق المختلفة ويحافظ على إرثها الثقافي والإجتماعي، نظام متعدد الأوجه والخواص في إطار اتحادي متجانس، وفيه المنافسة الإيجابية والتكامل الإقتصادي الفعال والمتطور، لا هيمنة فيه ولا تهميش نظام تتساوى فيه الفرص والمصالح نظام تتحقق فيه ثقافة المواطنة في وطن كل الليبيين الوطن الذي يطعم ويعالج ويثقف... غير أن هذا الوطن المنشود الذي هو حلم معظم الليبيين، أصبح اليوم رهن الإعتقال من قبل زمرة من الأشرار تمثل قوى ظلامية فاشية متسترة برداء الدين تلوح بشعارات مضللة جوفاء تعبث بأمنه وأمانه وتروع بقوة السلاح سكانه العزل.
إن النظام الفدرالي الذي عاشته وجربته ليبيا في بداية عهد الإستقلال (من 1951 وحتى 1963) كان تجربة ناجحة بكل المعايير، تحقق خلالها تأسيس الجامعة الليبية (1956) واكتشاف النفط بكميات تجارية في ولاية برقة (1958) وبداية تصديره (1962) ووضعت عوائده تحت تصرف الحكومة الإتحادية واستطاعت ليبيا بذلك تحقيق استقلالها المالي والتخلص من ثقل المساعدات الأجنبية فهذا الواقع الجديد كان المقدمة المنطقية للوحدة الدستورية  المنشودة وقيام الدولة المركزية في العام 1963 التي أدت إلى ظهور معطيات جديدة في الواقع الليبي ومهدت بالتالي الطريق أمام العسكر وسهلت عليهم مهمة قيامهم بالانقلاب على الشرعية في سبتمبر 1969، هذا الإنقلاب الذي أدى فيما بعد إلى تركيز السلطة في يد واحدة داست على البلاد والعباد لأكثر من أربعة عقود عاشتها ليبيا في بؤس وشقاء وأخرت تطورها لأكثر من نصف قرن.
وهكذا تحولت ليبيا اليوم إلى ساحة تعمها الفوضى وتعبث فيها أياد خفية تحرك مليشيات مدججة بشتى أنواع السلاح، ترهب المواطنين بالخطف والسطو على الأرزاق وزهق الأرواح وانتهاك ألأعراض وألإغتيالات المدبرة.
فما هو الحل لتلك الأوضاع المتردية والمتأزمة يا ترى؟!
إن الأزمة الخطيرة التي تعصف اليوم بكيان الدولة الليبية هي أزمة مفتعلة تحركها مصالح وأطماع أجنبية بالتنسيق الوثيق مع عناصر محلية وأجندات إقليمية مشبوهة وجدت ضالتها في بعض مفاصل الدولة لذلك يصبح من الضروري التصدي لتلك ألأوضاع بالطرق والوسائل المناسبة فالحراك المطلوب هنا هو أخذ منظمات المجتمع المدني ذات التوجه الوطني زمام المبادرة بالوقوف في وجه تلك العناصر والأطماع واضعين مصالح الوطن فوق كل اعتبار، فليبيا هي ملك لكل الليبيين عرب وأمازيغ طوارق وتبو فالواقع الموضوعي يحتم عليها ضرورة إجراء تعداد سكاني جديد سوف يبين العدد الحقيقي لسكانها وشرائحهم العمرية ويسهل عليها بالتالي وضع ومراجعة قوائمها ألإنتخابية بانتظام بالإضافة إلى إجراء عملية تطهير المجتمع الليبي من الدخلاء عليه وحصر شهادات الجنسية المزورة فعلى الشعب الليبي العمل على بناء دولته الإتحادية بكل سواعد أبنائه، دولة عصرية مثل الإمارات العربية المتحدة أو سويسرا أو ألمانيا الإتحادية دولة الدستور والقانون، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية وإعادة توزيع الثروة على كافة المناطق ولكافة شرائح المجتمع فعلى الحكومة الإنتقالية المؤقتة أخذ زمام المبادرة وطرح وثيقة دستور 1951 بنصها الأصلي للإستفتاء عليها وللعمل بها(بنعم أو لا) ثم إصدار قانون الإنتخابات بموجبها وإجراء إنتخابات نيابية عامة لمجلسي النواب والشيوخ ومن ثم يصبح من حق مجلس الأمة إجراء التعديلات اللازمة على وثيقة الدستور لكي يتمشى مع روح العصر ومنطق القرن الجديد، أو كما قال صديق ليبيا المفكر العربي العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان:  "إذا كانت النوستالجيا هي حنين للماضي فإن نوستالجينا هي حنين للمستقبل" غير أن حنين الوطن إلى مستقبل أجياله القادمة هو حاليا رهن لأهواء بعض الوافدين إلى ليبيا من دول أخرى ومنها دول عربية وكذلك رهن لتنظيمات ليس لها جذور في تراب الوطن وبالتالي لا يهمها حجم ألأضرار التي قد تحدثها في المجتمع الليبي ولا عمق الجراح التي سوف تسببها أعمالها وممارساتها ألإجرامية.
إن تلك التنظيمات والعناصر الدخيلة تعمل جاهدة على دفع البلاد نحو حافة الحرب الأهلية التي تأمل من ورائها جني الأرباح والمكاسب الطائلة على الرغم مما سوف تسببه من سيل   للدماء وما  سوف  تطيح به من رؤس كثيرة... غيرأن طبيعة الشعب الليبي المسالم قد تفوت الفرصة على تلك التوجهات الإجرامية وتمنع إنزلاق ألأوضاع إلى هاوية سحيقة وتحول دون إشعال نار الفتنة بين أطياف المجتمع على الرغم من استمرار المحاولات التي يقوم بها بعض العناصر من أعضاء ما يسمى بالمؤتمر الوطني العام - توأم مؤتمر الشعب العام - وعلى الرغم من محاولات المفتي الغرياني وتدخلاته الغير مقبولة في السياسة هنا لابد من وضع النقاط على الحروف فإن الأزمة الخانقة التي تهدد كيان ليبيا اليوم تسببها في المقام الأول ممارسات وتصرفات العديد من أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين لا يهمهم ما آلت إليه أوضاع البلاد بل همهم السعي وراء مصالحهم الخاصة وطموحاتهم الشخصية ومكاسبهم الغير مشروعة كما تسببها أيضا تردد الحكومة الإنتقالية المؤقتة في كثير من الأوقات في إتخاذ القرارات الحاسمة على الرغم من توفر الظرف المناسب في الوقت المناسب لها.
إن الحل الحاسم للأزمة الأمنية والسياسية الخانقة التي تمر بها ليبيا اليوم يتلخص في النقاط التالية:
  • أن تطلب الحكومة الإنتقاليةالمؤقته من الأمم المتحدة مساعدتها لكي تتمكن من نزع سلاح المليشيات وحل تنظيماتها الغير قانونية.
  • أن تقوم الحكومة الإنتقالية بإجراء استفتاء عام على وثيقة دستور 1951 لكي يصبح للدولة مرجعيتها الدستورية.
  • إصدار قانون للإنتخابات بموجب الدستور.
  • إجراء إنتخابات برلمانية لمجلس الأمة (نواب وشيوخ).
  • تعديل الدستور من قبل مجلس الأمة المنتخب.
  • تشكيل حكومة جديدة مهمتها إعادة بناء الدولة على أسس عصرية متطورة.

إن ليبيا التي احتضنت وعلمت لا يجب أن تعامل بالعقوق والقسوة التي تمارس عليها من قبل المليشيات المسلحة التي أصبحت تهدد كيانها وتعبث بمستقبلها فليبيا العظيمة الخالدة هى أكبر من الجميع وفوق الجميع.

نوري رمضان الكيخيا

هناك تعليق واحد:

  1. لأارى أن ألنظام ألقيدرالى هو ألأفضل لليبيا فى ألوقت ألحاضرولجيلين ألللأسباب ألأتية
    ألسلطات ألأدارية وألمالية غالبا تتمركز فى عاصمة ألولأية فى ألنظام ألأتحادى ألأمر ألدى قد يؤدى ألى تدهور ألحدما ت و برامج ألتنمية ومعاناة ألمواطنين فى تلك ألمناطقألبعيدة عن ألعاصمةفى نفس ألولأية {ألمسافة بين بنغازى و ألكفرة أكثر من 1400 كم} مثلأ
    وسائل ألأتصال ألمختلفة لأتزال متخلفة فى ليبياممايجعل أدارة شئون هده ألمناطق عن بعد أمرا صعبا
    طموحت ألشعب ألليبى ألأن فى ألتنمية وتحسين مستوى ألمعيشة أكبر بكثير مما كانت عليه فى ألستينات وهدا أمر طبيعىوخاصة بعدالريادات ألهائلة عنها فى تلك ألسنوات حيث كانت ألتنمية محدودة ومقصورة على بعض ألمدن فى ألساحل لأنخفاض عوائد ألنفط أنداك
    ألحل أللأفضل وللأسباب ألمختصرة سا لفة ألدكر أن ألدولة ألبسيطة هى ألأنسب مع وجود محافظات دات صلأحيات أدارية ومالية مطلقة ويتم اختيار ألمحافظ بألأنتخا ب من قبل ألشعب فى ألمحافظة ويكون رئيسا لمجلس ألمحافظة ألمكون من عمداء ألبلديات بألمحافظة

    ردحذف