الأربعاء، أكتوبر 16، 2013

العَيشُ بيَن الوُحُوش.... عبدالنبي أبوالقاسم عمر

استدراكٌ مسبق: كلمة ثوّار تعيدني الى 20 رمضان وماقبلها من العام 2011 حيث كانوا منشغلين بشيءٍ  واحد وهومواجهة كتائب ومخبري وذيول النظام السابق ... هم الشباب الذين قاتلوا وقُتلوا وأصيبوا وفُقدوا وعاد من عاد منهم والتحق بعمله السابق أوشارك في حفظ الأمن والدفاع عن انجاز الثورة دون أهداف شخصية أوفئوية أوجهوية أوأيدولوجية ... هم الرجال والنساء الذين أحالوا سراديب بيوتهم ومرائب سياراتهم الى عيادات ومخازن للأدوية والمواد الغذائية وأسعفوا ونقلوا الأدوية الى حيث الحاجة اليها وهم يعلمون أن مايقومون به عقوبته الموت الفوري ... هم النساء والرجال في المدن المحاصرة  الذين التقت كل مجموعة منهم في بيت أحدهم ليسجلوا شريط فيديويعلنون فية انحيازهم وتحريضهم على الثورة لعرضه بوسائل الاعلام وهم الذين نصبوا علم الاستقلال في أماكن عامة وأصبحوا هدفاً لأعوان النظام لتصفيتهم ... هم الذين خاطروا بحياتهم لنقل التموين والمستلزمات الى المحاصرين والمتضررين من تصدّيهم للنظام عبر الطرق والمسالك الداخلية أوعبر المنافذ الحدودية ... هم النساء اللواتي أعددن الوجبات دون كلل ليتناولها المقاتلون على الجبهات ونقاط الضبط والتأمين ... هم الذين بذلوا الجهد الدبلوماسي الكبير والمخلص للحصول على الدعم الدولي والاعترافات وضمان التدخل العسكري لصالح الثورة ... وهم وهم مما لا ينحصر في بدلة عسكرية مموهة وسلاح ناري ... ما يجمعهم هوأنهم فرسان والفارس يترفع عن أن يمشّط شيئاً لنفسه أويطأ ملك غيره عامّاً كان أوخاصّاً دون اذن صاحبه وهولا يشهر السلاح في وجه أعزل ولا يختطف امرأة ولا يدّعي أنه حرر البلاد وحده (لوأمد الله في حياة عمر المختار لبداية الدولة وحضر مع المجاهدين وطالب بأن يحكمنا لأنه حررنا من الطليان، فهل كنا نراه أفضل من الطليان؟) ... شريحة المقاتلين من الفئات السابق ذكرها لم يصل عددها الى العشرين ألفاً ويقدر عدد الذين لم يعودوا الى أعمالهم السابقة وانخرطوا في الواجبات الأمنية بحوالي سبعة ألاف، أي أنه في كل مئة من المتمنطقين  في بدلة عسكرية ممن يصادفونك ويتقاضون مرتبات أكثر من مجزية، يوجد ثلاثة من الثوّار... انتهى الاستدراك المسبق.

*****
عاد قطيع الذئاب الى الوادي الذي كان يعيش بين جنباته الى عام مضى عندما أقصاه قطيع ذئاب آخر بعد معركة شرسة، وفي هذه المرّة فاجأَ القطيع العائد خصومه وتكرر الصراع الذي لم يدُم طويلاً لينتصر العائدون ويغادر الفريق الخاسر في صفٍّ من متدلّيي الرؤوس خافضي الذيول الى وجهة أخرى للبحث عن موطن جديد قد يتطلب الاستقرار فية الانتصار في معركة أخرى يرجّح أن لا تكون أقل ضراوةً من سابقاتها... فوق جدول الماء عند حافة الوادي كان أثنان من العقبان في مطاردة جوّية عنيدة حيث كان الأول يحمل طائراً صغيراً التقطه من جانب الماء، الا أنه نتيجة لقلة التركيز بسبب المطاردة افلت الطائر الذي ما أن وصل الى الأرض وخطا بعض الخطوات الاندفاعية الناتجة عن سرعة طيران العقاب الذي كان يحمله حتى التقفه العقاب الآخر وطار به ليقدمه افطاراً لمن في عشِّه... عند سفح الجبل كانت الوعول والظباء قد انتشرت لتتزود بالعشب والماء وتخفض حرارة أجسادها بالاسترخاء في ظلال الأشجار الكثيفة الممتدة على مرمى البصر، بينما تخلف أثنان من الوعول الذكور في هضبة مرتفعة ليحسما أمر الزعامة بينهما وذلك بتكرار جولات متتابعة يبتعد فيها كلً منهما عن الآخر لأمتار عديدة ليعودا نحوبعضهما في اندفاعة سريعة محمومة ليرتقيا في الهواء في نهايتها للتصادم العنيف الذي ينتهي في عديد المرات بتشابك قرونهما وليتخلص كل منهما من هذا التشابك ببذل جهد مضاعف لالحاق الأذى بالآخر وفي أحيان أخرى يهوى كل منهما ليرتطم بالأرض وفي النهاية أقصى أحدهما الآخر بالانسحاب.. دخلت ظبية صحبة صغيرها الرضيع الى جوار جذع شجرة ظليلة لتدعك جسمها ولكنها قطعت بذلك قيلولة الثعبان المستريح هناك والذي أساء  فهم نواياها، حيث اندفع بسرعة البرق ليغرز نابه في جسدها... بالحدس والحواس سرعان ما أدركت القطعان الخطر وسارعت بكاملها بالصعود الى الجبل وبقيت الظبية يتصبب عرقها وتخور قواها وصغيرها يحوم حولها في ارتباك وخوف الى أن ادرك توقف أنفاسها لينطلق بالجري الحائر اللا واعي في جميع الاتجاهات الى أن خيم الظلام وصارعشاءً لأحدهم.. بعد وقت قصير وصل ذئبٌ الى حيث الظبية ولكن احساساً ما جعله يقرر عدم البدء في نهش اللحم المجّاني وفضل الانطلاق بين الأشجار والاقتيات من خشاش الأرض، وقد كان محظوظاً حيث وصل بعد لحظات ضبعٌ ضخم جائع الى مكان الظبية.. على الجانب الآخر من الجبل حيث البحيرة المحاطة باتساع كبير من الأشجار والأعشاب التي ترتفع حوالي متر أوأكثر عن سطح الأرض وتكثر الغزلان والحمر البرية والأرانب، يعيش نمرٌ يتمتع بصلاحيات وسطوة مطلقة بعد اقصاء أخيه عقب موت أبيهما نتيجة للمرض والتقدم في السن، وفي أحد الأيام لاحظ أن نمراً آخراً  قد وصل الى المنطقة واستقر في أطرافها  دون التوغل في العمق رغم قيامه بالاصطياد في محيط الرقعة الخضراء والعودة الى الأطراف.. مع مرور الأيام  أدرك أن النمر الوافد لم يعد يخرج الى الاطراف، وفي احدى المرات التي اصطاد فيها النمر المقيم شاةً بدينة وبدأ بجرّها ليخفيها عن الوافد، لاحظ أنه كان قريباً ويراقبه، فقرر أن يأكل نصف الشاة وترك له النصف الآخر... بعد أيام قليلة اصبح الوافد يتصرف بمطلق الحرية وينتقل وينام حيث شاءَ في المنطقة، وهنا قرر المقيم انه قد طفح الكيل وحانت ساعة المواجهة، فانطلق اليه وتوقف بضعة أمتار بعيداً عنه كاشارة بطلب بدء المعركة واستعد الوافد وانطلق المقيم نحوه كالعاصفة وتحرك الوافد بتوثبِ نحوغريمه ليكسب قوّة الاندفاع وتواجه الطرفان في النقطة الحاسمة وهما يقفان على أرجلهما الخلفية، وقبل ان يبدأ النزال هبط المقيم على الأربعة واستدار ومشى بعيدا في رحلة طويلة للبحث عن مملكة جديدة والسيطرة على مشتملاتها بعد اقصاء من قد وضع يداً عليها.
هل تظنون أننا لا نعيش في محيط مماثل، نحن الكثرة من الأسوياء من غير ذوي المخالب والأنياب والقرون؟!...
من كان منكم لا يرى ذلك فهوفي وضع الضفدعة المسلوقة: لوأحضرت ضفدعة وحاولت وضعها في وعاء به ماءٌ يغلي فسوف تقفز بعيداً لتنجوبنفسها، بينما لووضعتها في وعاء به ماءُ معتدل الحرارة ووضعت الوعاء وهي بداخله على النار فان الضفدعة ستضل تسبح في سعادة حتي يتم سلقها بعد اجتياز الحرارة لدرجة الغليان.
الأمر أسوأ بكثير بالنسبة الينا.. ذوي القرون لا يهاجمون غير ذوي القرون، وذوي القرون عندنا يهربون من ذوي القرون ويهاجمون غير ذوي القرون... ذوي الأنياب والمخالب يهاجمون عندما يجوعون، وهم عندنا لا يشبعون، بل يستهدفون تجريد الآخرين مما بحوزتهم... اكتشف ذوي الأنياب والمخالب عندنا اننا نختلف عن البشر الأسوياء في اننا لا نملك الوسائل التي تعيدهم الى أقفاصهم  وقاموا باختبارنا بنسقٍ تصاعدي حتى أضحوا يفتكون بنا على رؤوس الأشهاد ودون ترصد أواختفاء، ولم يكتفوا بالنهش والفتك المادي والاختطاف البسيط الغايات، بل شاركونا التواجد والتأثير في كل مناحي حياتنا ووجّهوها ارهاباً نحوغاياتهم. بدأ التصويت على ملف مثير للجدلوالاستقطاب وكان على كلٍّ من الحاضرين أن يجيب بنعم أولا عند سماع اسمه والسؤال، وصمم أحدهم ان يجيب بالثانية وليكن ما يكون، وجاءت اللحظة التي نودي فيها باسمه وبدأ في استجماع تركيزه عندما سمع فحيحاً خافتاً الى جانبه، فالتفت واذا بزميله المجاور له في القاعة يتطاول بعنقه ويلتفت اليه بوجهه الضامر الخدين ويفتح فمه ليظهر ناباً بارزاً في  وسط  أعلى فكّه العلوي ويطلق منه قطرتين صغيرتين وقعتا على ربطة عنقه  لتحدثا بها ثقباً بحجم المئة درهم... استفاق على اسمه يتكرر بعصبية فأجاب بما يشبه الحشرجة: ننن.. ننعم... في ركنٍ بعيد من القاعة كانت سيدة تنتظر سماع اسمها لتجيب، وبينما انشغلت باحكام ربط وشاحها استرعى انتباهها الزميل الذي على يسارها، فقد زاد حجم عنقه واخشوشن واستدق رأسه واحمرّت عيناه ومنحها الزميل ابتسامة أبانت عن انياب سوداء حادة تحمل بقايا لحم أحمر مع دمٍ حديث السفك، وانتبهت الى المناداة على اسمها فأجابت قبل بدء السؤال.
في غابات افريقيا يقوم السكان بالتجمع في أعداد كبيرة ويحضرون أدوات وأوانٍ نحاسية ليضريوا عليها ويحدثوا ضوضاء وجلبة كبيرة ويتحركون في اتجاه ذوي الأنياب والمخالب فيفهم هؤلاء بأنه غير مرغوب بهم في المنطقة ويغادرون ... تم تجريب الطريقة بشكل محدود في تحرير رئيس الحكومة المؤقته يوم عشرة عشرة ونجحت، كما تم تجريبها على نطاق كبير في بنغازي منذ فترة طويلة ولاقت نجاحاً باهراً، الا أنه قيل لأهل بنغازي بعد ذلك أن هذه الطريقة تقع في دائرة الشبهات والبدع وكل بدعة ظلالة صاحبها في النار... اذاً لم يبقى لنا الا محاولة التكهن بما سيحدث دون تدخل الجماهير  ولهذا لابد من الرجوع الى الفقرة أعلاه التي تتحدث عن غريزة الاقصاء عند الكائنات المحدودة العقل من الذئاب الى النمور مروراً بذوات القرون.
ليس من الحكمة الرضوخ لهذا الاستسلام ولن ننتظر الى الأبد عودة الأمن وحسم المعارك الاقصائية بين المصارعين على الفوز بامتلاك أمرنا ... أنا أحلم بانخراط نخب مخلصة ذاقت ذرعاً من العبث، بانخراطها في هيئات مجتمع مدني أهلية حقيقية لتبدأ في الضغط على المؤتمر والحكومة، ليس لانجاز الدستور فلن ينجزوه وليس لتكوين الجيش والمباحث والأمن فهذا يهدد بقاء وأجندة المتنفذين منهم ... لنضغط عليهم باستمرار ونحشد دعم الشارع لهذا الغرض من أجل:
  1. البدء بانشاء مدارس عصرية جميلة ومجهزة ينزعج الصغار من مغادرتها بدلا من احضارهم اليها بالعصا ليتم ضربهم فيها بالعصا، وهدم المدارس السجون ... واحضار كفاءات في تعليم الصغار واعفاء المعلمات من فصيلة الشاويش عطية وبدلاً من ذلك نستقدم معلمات من أمم ذات تجارب رائدة ونبدأ في تدريب شاباتنا الصغيرات في هذا المجال باتباع برنامج قبول دقيق وصارم مبني على القدرات الذاتية والشخصية المؤثرة والالتزام بمخرجات التعليم التي سيتم تحديدها.
  2. الحرص على تعليم أولادنا أن الحيوانات لا تتعايش الا في ظل الاقصاء لأنها متخلفة، بينما البشر يؤمن بالمشاركة في القيادة والادارة والعمل في فريق لتحقيق هدف واحد مهما تباينت رؤى أعضاءه وهوسر تفوق الانسان على الحيوان ... لا بد أن نعلّم صغارنا أننا نحتاج للتخاطب مع من نختلف معهم أكثر مما نتخاطب مع من نحن معهم على وفاق والهدف هوالانطلاق مما نتفق علية لتقليص ما نختلف علية.
  3. الخروج باسرع وقت بمشروع لتشجيع المشاريع الصغرى للشباب ومنحهم قروضاً بتسهيلات استثنائية ومد يد العون لهم بالتوجيه والاستشارات المدفوعة التكاليف من الدولة.
  4. تحديد الخطوات اللازمة لبناء أساس الاقتصاد الانتاجي الذي يعتمد على جهد الفرد واطلاق ابداعاته والقضاء على القطاع العام الذي بمقتضاه بقينا الدولة المضحكة الوحيدة في العالم التي توظف التعداد السكاني وتمنحه مرتبات والمردود:(شِدّ الرّيح).
  5. حصر المساحات الصالحة للزراعة وحمايتها من البناء بل العمل على استرداد قدر من الأراضي الزراعية المفقودة وتشجيع الشباب الراغب في العمل الزراعي ودعمه الى أن يرى مشروعه النور.

والقائمة تطول من التحرك المطلوب والذي لا يتعارض مع غياب الدستور وحتى مع غياب الأمن وسيكلف أقل بكثير مما يصرف الآن على اسكات واسترضاء حمَلة الأسلحة النارية.
وفقنا لله جميعاً وسدد خطى العاملين باخلاص وهدى الضالين منا الى سواء السبيل.

عبدالنبي ابوالقاسم عمر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق