نتلفّت
حولنا الآن فلا نجد الا الفراغ والبهوت والانفلات. وهذا الذي يجري في وطننا العربي
في المرحلة الراهنة، أو ماتقوم به الأنظمة الآيلة للسقوط مع شعوبها هو من معطيات
ومؤشرات تصريف الأعمال بالمعنى التقليدي الاكراهي السكوني، والانشغال بالوجود
والاحوال، على حساب، وفي ظل غياب التفكير بالأهوال والقضايا الكبرى. انه الفراغ
العامّ الطامّ الذي لاينحصر في مجالات محددة، والذي يبدد الجهود والامكانيات ويقلل
من هيبة الدول ويجعلها كالعهن المنفوش بلا حول أو قوة أو دولا فاشلة بامتياز.
والفراغ
السياسي الذي نتحدث عنه الآن وعن مظاهره أصبح يتمظهر بأشكال مختلفة من بينها :
فوضى الأحوال والأفكار وسيولتها، غياب الاستقرار والثوابت التي تعطي الدولة جوهرها
ومخبرها، اهتزاز الثقة الشعبية بقدرة وهيبة الدولة، غياب الحوارات والبرامج
الوطنية الخصبة والايجابية والمنتجة، البحث عن الحلول الجزئية والمؤقتة في ادارة
الدولة وتصريف شؤون الناس، هبوط الثقافة السياسية الى الحدود الدنيا وظهور الثقافة
المليشياوية والقشرية، ظهور طبقات وفئات مافياوية لا هوية ولا وطن لها تعتاش على
الابتزاز وافقار الشعب، وتتآلف هذه الفئات مع فئات سلطوية اخرى أصبحت ترى الأوطان شركات
ومزارع تقوم على الربح والمصلحة والكسب غير المشروع، ولا تعطي بالا للسيادة وثوابت
الأوطان، وتستبعد العقل والثقافة وكل مايكتنزه الشعب من أشواق وتطلعات وطنية. كما
تتأسس قاعدة تفكير هذه الفئات على تكريس الاستباحة الداخلية وتسويغ الاستباحة
الخارجية للذات الوطنية وللوطن بأكمله.