الخميس، ديسمبر 19، 2013

إنتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور..... د.عبدالرازق المرتضي


إنتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور: الواقع الليبي وممارسات الدول ومفهومي المشروعية والشرعية
د.عبدالرازق المرتضي- طرابلس15/12/2013 
 عضو لجنة القانون الدولي / الأمم المتحدة

تظهر آخر الإحصائيات الصادرة عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن عدد الناخبين المسجلين لإنتخابات الهيئة التأسيسية عن عزوف كبير او مقاطعة ضمنية غير معلنة لهذه الإنتخابات الهامة وهي المتعلقة بصياغة الدستور الدائم. وليس في الآدوات القانونية ولا في المؤسسات القائمة أوممارساتها ما يقود لغير ذلك بكل الآثار السلبية لكل هذا على الشأن الوطني، وبالتالي على جوهر مفهوم الشرعية، كمفهوم يتصل بالإطار السياسي العام ويتجاوز المفهوم الشكلي للمشروعية، بمعنى توافق القاعدة القانونية الادنى للقاعدة الأعلى وعدم مخالفتها. 
ومن حيث المشروعية نشير إلى أنه لم يرد في قانون رقم (17) لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور آية آليات تحول دون هذا العزوف.  فخلافا لممارسات دول عديدة ليس في هذا القانون ما يؤسس على اي نحو  لنظام التصويت الإلزامي أو على الأقل  لنظام الحد الأدنى لنسبة المشاركة لصحة الانتخابات.
 وبهذا - وبصرف النظر هنا عن الآثار السلبية ذات العلاقة بمقتضيات الشرعية- لا يترتب عن العزوف عن الإنتخابات أو مقاطعتها ـــــــ على ضوء أحكام القانون المشار إليه اعلاه ـــــــ آثار ذات صلة بالمشروعية. إذ لا وجود لهذه الآثار الآخيرة  إلا في الدول التي تأخذ باي من النظامين المذكورين  حيث تعتبر مقاطعة الانتخابات نوعا من العصيان المدني (بلجيكا وهولاندا وإيطاليا والدنمارك وتركيا والبرازيل والأرجنتين)، ويتعرض الناخب في حالة عدم وجود مبرر لامتناعه عن التصويت لعقوبات تأديبية مثل الغرامة أو خدمة المجتمع أو الحبس. و أظهرت النتائج بأن التصويت الإجباري يقود إلى تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة. (في استراليا ظلت نسبة المشاركة مستقرة منذ 1946 في حدود 94 % وفي بلجيكا- المعدل الأعلى في أوربا -أكثر من 90 %). وادخلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً،  نسب إلزامية للمشاركة كحد أدنى لاعتبار الانتخابات صحيحة وقانونية. فإذا لم تصل نسبة المشاركة في الانتخابات إلى الحد المطلوب (50 % على سبيل المثال) في دائرة انتخابية فإن هذه الانتخابات لا تعتبر صحيحة في تلك الدائرة وتتم إعادتها.  وفي الأردن لا تعتبر الانتخابات صحيحة إلا إذا فاقت نسبة المشاركة 50 % لذلك اضطرت الدولة في الانتخابات البلدية لسنة 2007 إلى تمديد فترة الاقتراع مرتين للوصول إلى النسبة المطلوبة و في صربيا ألغيت نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2003 بسبب تدني نسبة المشاركة فيها (حوالي 39 %) عن الحد الأدنى الذي ينص عليه القانون أي أكثر من نصف مجموع الناخبين المسجلين
أما في الدول التي لا تأخذ بنظام التصويت الإلزامي او الإجباري ولا تفرض نسبة مشاركة معينة كما هو الحال في ليبيا اليوم لا تؤثر نسبة المشاركة مهما انخفضت على صحة الانتخابات في اطار المفهوم الشكلي للمشروعية (ونذكر على سبيل المثال أن هذه النسبة لم تتجاوز 4 %  في الانتخابات الرئاسية في هايتي سنة 1988 ولم تصل في الانتخابات المنظمة في جمهورية مالي إلا إلى20% .....). وأنتهى المجلس الدستوري الجزائري الى رفض طلب المعارضة بإلغاء الانتخابات التشريعية لسنة 2007 بحجة انخفاض نسبة المشاركة فيها إلى حوالي 35 %، مؤكدا عدم وجود نص في الدستور أو في قانون الانتخابات  يفرض حدا أدنى لنسبة المشاركة كي يكون الانتخاب صحيحا. وألغت أوكرانيا نسبة المشاركة الإلزامية في انتخابات عام 1998 بعدما أخفقت الانتخابات التكميلية المعادة مرات عديدة في تحقيق نسبة المشاركة المطلوبة في انتخابات العام 1994 وارتفاع عدد المقاعد التمثيلية الشاغرة.
والخلاصة أنه إذا كان ليس في  العزوف عن الانتخاب، من الناحية الشكلية الصرفة وعلى ضوء أحكام القانون، ما يمس  المشروعية، فإنه يقيناً يمثل مخالفة جسيمة لمفهوم الشرعية تقتضي معالجة جادة تتناول مسار العملية السياسية برمتها. فالمقاطعة ولو ضمنية ـــــــ غير معلنة ـــــــ او العزوف عن الانتخابات تمس شرعية المؤسسة المنبثقة عنها، أي الهيئة التأسيسية. اليست نسبة مشاركة الناخبين في التصويت معيارا راسخا لقياس إرادة السكان وحماسهم للعملية الديمقراطية؟ ومن هنا عملت الدول على وضع آليات تكفل مكافحة مختلف اسباب هذه الظاهرة كجعل التصويت واجبا (بلجيكا واستراليا والأرجنتين....) أو السماح بالتصويت السلبي أي تمكين الناخب من التصويت ضد مرشح أو اعتماد الوكالة الإلزامية التي تخول فصل النائب عند إخلاله بالاتفاق المبرم معه قبل الانتخابات (المجر سنة 1989).
إن المشاغل الشعبية المشروعة ازاء إفرازات  انتخابات المؤتمر الوطني، رغم ما صاحبها في وقتها من حماس سرعان ما تبدد  بسبب ما شاب آدائه الفعلي من قصور بين، تفرض تقييم وإعادة نظر جادة من خلال تشريعات تطمئن الناخب على جدية مسار ديمقراطي يراعي مشاغل كافة مكونات المجتمع  ويضمن ظهورومتابعة أعمال أجهزة تشريعية و تنفيذية قادرة وشفافة. ذلك مع تحديد التزامات و مسئوليات المنتخب وآليات مساءلة واضحة عن آدء المهام المنتخب من اجلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق