الاثنين، أبريل 01، 2013

فلنترك ليبيا للقادرين على استغلال كنوزها غير النفطية.... عبدالنبي ابوالقاسم عمر


أحسست بأن مصاريفي الشهرية أصبحت مرتفعة دون سبب ظاهر، فاقتنيت مذكرة صغيرة مزودة بقلم صغير ودونت فيها مع نهاية كل يوم المبالغ التي خرجت من يدي ومن ايدي أفراد الأسرة لتغطية مصاريف تخص البيت والأسرة على وجه العموم مع بيان بنود الصرف وكذلك المبالغ التي تم سحبها من المصرف بتاريخه، ورغم أن هذا لم يقلل كثيراً من النقود الغير قابلة للاسترداد مع نهاية الشهر غير أنه أعطاني اطمئناناً  الى أن أياً منا لم يُسقِط سهواً بعض النقود في الطريق أو يدفع مرتين مقابل سلعة أو خدمة ابتاعها أو استلمها فضلاً عن أنه نبهنا الى الأوجه التي يمكن الحذر منها والتوفير بالاستعاضة عنها أوتقليلها، ولكن هذا ليس موضوعنا.


مررت بعيني على البنود الشهرية وتمثلت لي مكوناتها بين السطور... فواكه من أمريكا الجنوبية  أرز من الصين  زيت زهرة دوار الشمس من الأردن (مع أنهم لا يزرعون هذه الزهرة)   دقيق من المانيا   حليب من ايطاليا   جبن وزبدة من هولندا   شاي من سيلان عصائر من النمسا مكرونة وهريسة من تونس (وحتى الهندي)    معجون طماطم من تركيا شامبو من أسبانبا... وقطَعت زوجتي تسلسل أفكاري بقولها: (خلّي نشوف هالدواء وين مصنوع – ان شاء لله غير مايكونش صناعة ...ية، كان هذا والله ارّدهولهم)... وقفزتُ الى صفحة أخرى، الخبز نشتريه من مخبز يوجد به أحياناً شخص ليبي واحد وأحياناً لا يوجد وان وجد فان خبرته وحرفيته النادرتين تتمثلان في تحصيل النقود من الزبائن... الخضروات نشتريها من مواطن مصري جاءته كنتيجة لجهد وخبرة مصريين آخرين في مزرعة سجلت في كتيب حيازة باسم كائن آخر لأن أجداده استقروا بين مصر وتونس قبل استحداث السجل المدني، العمال الذين يرتبون البضائع على أرفف السوق جاءوا من أقصى شرق آسيا لاسعادنا... مرة أخرى تم قطع هذه المتابعة عندما دخل ابني: (يا بوي يابوي، آهو صلّحتلك الشبشب اللي تمشي بيه للجامع، عند السوداني اللي يقعمز في جزيرة الدوران)... وعلى ذكر الجامع فانني أذكر بكل الخير القيّم الطيب الخلوق الذي يدرس الشريعة  بموازات عنايته بالجامع، وقد يحضر في أحيان نادرة بعض أصحاب الوجوه المألوفة قبل صلاة الفجر وفي هذه الحالة بالطبع لا يزاحمهم على الآذان أما ماعدا ذلك فان آذان الفجر كان دائماً بمخارج أعجمية ونكهة غانيّة.
من البنود المدونة كان اصلاح المُبرّد، حيث وقفت عند احدى الورش المتخصصة ويبدو أنني كنت محظوظاً فلم أجد المالك أو (لِمعَلم)  الذي ينحصر دوره في اعطاء الاذن بخدمة الزبون وفي الغالب اجابته: (سامحنا، مش فاضيين هالمدة) وبدلاً من ذلك وجدت جورج (هو كل القوة البشرية الفنية في الورشة) الذي تجاوب معي وأقفل الورشة وانتقل معي بسيارتي الى البيت طالباً مني أن تكون الزيارة سريعة حتى لا يضطر لتأليف قصة (لعرفه)... كشف جورج على المبرد وحدد لي بعض قطع الغيار لأشتريها من شارع جمال عبدالناصر وأن آتي الى الورشة الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم التالي لنقله مع أدواته ليقوم بالمهمة وهذا ما كان... الورشة الأخرى التي تعاملت معها في نفس الفترة كانت متخصصة في الأعمال الخشبية حيث تطلبت اصلاحات على الباب الرئيسي للبيت أن يتم فكه وتعديله واعادة تركيبه، وهذه المرة كنت سعيداً بحديث صاحب الورشة الذي تطرق الى مسميات ومصطلحات المهنة، الا أنه أرسل لي حنفي وحسنين  للقيام بالعمل... الأمر لم يختلف عند جاري الذي كان مشغولاً باعمال صيانة موسعة  لبيته وقد كان سعيداً بالاتفاق مع سباك باكستاني وأسطي بلاط موريتاني وفنيين لياسة وطلاء من سوريا.
شركات الانشاءات العالمية الكبرى تفضل الاستفادة من العمالة الفنية المحلية نظراً لعامل الاستقرار وتوفير تكاليف السفر والاقامة والتأمين وبالتالي يساهم ذلك في التقليل من تكاليف المشروع ومن خسارة العملة الصعبة مما يعطي وضعاً تنافسياً أفضل وارتياحاً من جانب الدولة صاحبة المشروع، الا أنه في حالتنا فان شركات مثل بلفنجر وبوناتي ومان وانتربيتون وجي أند بي، كلها تستقدم جيوشاً من العاملين، في الغالب من الدول الآسيوية بينما تبدي سلطاتنا الرسمية تذمرها من هذا التصرف متناسين أننا غير مؤهلين لآداء هذه الأعمال، ببساطة لأننا نعتقد أن من حقنا أن نفوز بوظيفة في أيٍ من هذه الشركات دون الحاجة للتدريب والتخصص والتأهيل والخبرة، والنتيجة  أننا نكتفي بوظائف محدودة لدى هذه الشركات تنحصر في عدد من السائقين والغفراء وموظفي العلاقات العامة من ذوي الخبرة في استعمال الوساطة والرشوة للتحايل على قوانيننا وترسيخ انعدام المعاملة على قدم المساواة.
لا داعي للمقارنة بدول متقدمة للتدليل على أننا نعاني من قصور جينيٍ فريد مزمن، بل يكفي النظر الى أقرب بقعة غير ليبية من العاصمة، فمن منكم لم يكن في تونس يوماً سواء للسياحة أو العلاج أو العبور؟... لقد أجهدت نفسي في أحد الأسواق للبحث عن بعض المواد الغذائية المصنّعة أو المستلزمات المنزلية العادية المستوردة من الخارج، وأطلت النظر الى أعمال الأشغال العامة وانشاء وصيانة الطرق وبناء العمارات العالية أوالانشاءات المعدنية فما وجدت شركة أجنبية أو خبراء أجانب والمدهش أن مشاريعهم  تعيش عشرات السنين بعد انجازها، أضف الى ذلك أن الغالبية العظمى من أهلنا الذين تصادفهم هناك يتلقون العلاج الذي انعدم لدينا وقد يأتي زمن يرسلون أولادهم للمدارس هناك تهريباً لهم من المعلمين والمعلمات الذين يجيدون الاذلال والتحقير وغرس العقد النفسية ومد العصا على طول وعرض الأجساد الصغيرة... ولو نظرنا الى جيراننا  في الجانب الشرقي لرأينا العجب: فقهاء الاخوان تراجعوا عن تحريم الفائدة على قرض من المصرف الدولي وأنا لا أستهجن هذا منهم عندما أرى أنهم اضطروا لذلك من أجل توفير رغيف الخبز ل90 مليون نسمة البالغين منهم يعملون ليلاً ونهاراً بالاستفادة من 3 مليار دولار (مليار لكل 30 مليون نسمة) ونحن نملأ بطوننا من منتجات الكرة الأرضية ونعربد وندعي ونتبجح ونتطاول ونتعملق بحرق 54 مليار دولار (9 مليار لكل مليون نسمة) ولا نصنع اضافة قبل أن ننام... وبالعودة الى وضعنا، هل لاحظتم ان عائدات النفط  لا تكاد تلمس الأرض عندنا حتى تطير الى أوكارها لدى حسابات الخدم المجتهدين خارج ليبيا في مجالات الأبحاث والدراسات والصناعة والانشاءات والعلاج الطبي؟... أنا أقترح استفتاء الشعب الليبي للتصويت على أحد خيارين:
الخيار الأول: ان تقوم الحكومة باعداد برناج زمني للتخلص من القطاع العام مروراً ببرامج التدريب والتأهيل في جميع المجالات الفنية والتقنية الحديثة وانشاء القوانين  الراعية للقطاع الخاص وتقديم القروض في كل المستويات من الصناعات الصغرى ومكاتب الدراسات للشباب الى الصناعات المتوسطة وفوق المتوسطة وبالتالي القضاء على الوضع البائس السمج الفريد المتمثل في أن الحكومة تقوم بتوظيف التعداد السكاني وتدفع مرتبات من دخل النفط دون عائد يذكر على تلك المرتبات، وبدلاً من ذلك توظف عائدات النفط في انشاء البنية التحتية للمواصلات والسياحة بجميع أنواعها (الآثار والشواطيء والواحات والبحيرات الصحراوية) ووسائل الطاقة المتجددة وتجارة العبور والنقل الجوي والبري والبحري... ألخ، اضافة الى تقديم الدعم من عائدات النفط الى القطاع الخاص حتى نهوضه والصرف على مشاريع الدولة الراعية للمعاقين والأرامل  والأيتام وأسر الشهداء والمتقاعدين.
الخيار الثاني: أن نتعاقد مع شركة عالمية كبرى لأنتاج النفط  وتسويقه واستلام عائداته نيابة عنا ثم ترسل لكلٍ منا نصيبه في الدولة التي يختار العيش فيها، حيث أننا سنعيش في دول تنتج الغذاء والدواء وتقدم الخدمات بدلاً من دفع تكاليف استيراد المواد واستقدام الخدمات الى ليبيا وسنوفر تكاليف خدمات مصرف ليبيا المركزي ومعاملاته مع الأجهزة النقدية الدولية مع عمولات التحويل الباهضة ناهيك عن تكاليف ومرتبات ومهمات ادارة التسويق بالمؤسسة الوطنية للنفط... وسنسلم الرقعة الجغرافية المسماة ليبيا الى الأمم المتحدة لاستقدام أعداد من القادرين على الاستفادة من امكانياتها السياحية والزراعية والخدمية تحت اشرافها... وسنطلب من الأمم المتحدة  أنه عند نضوب مخزوننا النفطي عليهم اعطاء الأولوية لأحفادنا للعودة الى بلادهم والعمل في غسيل السيارات وكنس الشوارع وتسليك المجاري.
وفقنا لله جميعاً وسدد خطى العاملين باخلاص وهدى الضالين منا الى سواء السبيل.
عبدالنبي ابوالقاسم عمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق