السبت، نوفمبر 26، 2011

تاريخ ليبيا وباختصار


تاريخ ليبيا وباختصار
بقلم: يونس الهمالي بنينه

وطن كبير شاسع يضم أكبر شاطيء على البحر المتوسط.. موقع جغرافي رائع أقرب إلى أوروبا من الدول الأوروبية إلى بعضها البعض.. ويعتبر المنفذ الأوروبي لأفريقيا.. تضاريس متنوعة تشتمل على جبال وهضاب وسهول ووديان وواحات وأراض زراعية وأراضي صحراوية .. أرض خصبة تمتد من الساحل إلى حوالي 70 كلم في اتجاه الدواخل.. وبسبعة أضعاف خصوبة الأراضي الأوروبية كما يقال في كتب التاريخ.. سكانها مهجنون من العرب والأمازيع والتبو والطوارق في نسيج رائع هائل منسجم رغم محاولات خلق الفتن.. بلاد غنية تتمتع بمخزون أفضل أنواع النفط والغاز.. معادن وثروات أخرى تحت الأرض لم تستكشف حتى الآن.. أجدادنا تركوا لنا الأثار التي يقبع أكثر من 90% منها تحت الأرض.. ومع كل ذلك لا يزيد عدد سكان ليبيا عن الـ 6 ملايين نسمة.

ولكن أنظر إلى حال ليبيا اليوم!!!
تركها لنا الطاغية نسخة مصغرة من أفغانستان.. دمار وخراب.. وفوضى..
لا أحد يعرف ليبيا إلا بربطها بإسم الطاغية..
نحتاج إلى من ينظم صفوفنا ومؤسساتنا لننطلق في بناء ليبيا من ثرواتها وبأيدي أبنائها.. ولنقفل الطريق على المخربين اللصوص والمجرمين..
هناك أمور كثيرة يجب أن نعرفها عن وطننا لنفهم ما يدور حولنا.. لنلتقط رأس الخيط..
يجب أن نقرأ ونعرف تاريخنا أولاً فربما سيكشف لنا الكثير مما يدور في أروقة السياسة وفي رؤوس السياسيين..
علاقات الدول يا إخواني هي "مصالح" لا غير..
وكيف لنا أن نعرف تاريخنا وهو متناثر هنا وهناك، على صفحات كتب المؤرخين والمستكشفين العالميين، بعضها يقبع على أرفف المكتبات بدون استكشاف بعد. أنا شخصياً احتفظ بأسماء كافة المراجع تقريباً من الكتب والوثائق التي صدرت عن ليبيا منذ أيام هيرودوت (484 قبل الميلاد) وإلى الآن.. كتب ووثائق بجميع اللغات.. كما تضم مكتبتي كتب تاريخية قديمة من قبل مؤرخين ومستكشفين.. ولكن أريد من يُساعدني على جمعها وتبويبها وتصنيفها وترجمتها لتبقى كنزاً للوطن.. للأبناء والأحفاد..
هذه المهمة اعتبرها حملة تشبه الحملات العسكرية فهي تحتاج إلى جهود الوطنيين المخلصين ونية صادقة في بناء الوطن ليبيا الجديدة.. تحتاج إلى تفويض من الدولة ورعاية هذه المهمة الصعبة..
هناك الملايين من الوثائق التاريخية التي تنام في الأرشيف التركي تتعلق بحوالي 400 عام من تاريخنا منذ قيام العثمانيين بطرد الإسبان في عام 1551 م وحتى احتلال إيطاليا لليبيا في عام 1911. وهناك "أكوام" من الوثائق التاريخية التي قام الجنود الإيطاليون بحذفها من نوافذ السرايا الحمراء في عام 1911 لتقع في مياه البحر بالقرب من حيطان السرايا، أحد الضباط الإيطاليين عرف قيمتها التاريخية فقام بانقاذ ما استطاع انقاذه منها ولا أعرف شخصياً أين هي الآن. هناك كتب ووثائق في أسبانيا وفي البرتغال وفي مالطا وفي بريطانيا وفي الولايات المتحدة وفي تركيا وفي بلدان أخرى كثيرة..

هناك تحف وأثار ليبية قيّمة جداً ولا تُقدر بمال، بعضها تمت سرقته وبعضها أهداه يوسف القره مانللي ووالده وجده إلى دول أخرى يطلب ودها ورضاها بعد أن تورط في القرصنة وقتل واستعباد الأوروبيين والأمريكيين، فبعض أعمدة مدينة لبدة تنتصب الآن كدعامات لكنائس فرنسية، وهناك أثار في المتاحف البريطانية والإيطالية وغيرها.. وما خفي كان أعظم..
نفس العملية التي خبرها صاحبنا بومنيار. خبرها يوسف القره مانللي في ذلك الوقت..فأراد أن يكفر عن ذنوبه مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين بعد أن تفاجأ بقوتهم فاصبح يبذر ثروات ليبيا هنا وهناك لإرضائهم.. والطاغية بومنيار فعل نفس الشيء بعد أن تركوا له الحبل لفترة طويلة يسحبه كما يشاء، سحبوه منه فجأة وبقوة هزت كيانه، فأصبح يمنح العقود التجارية هنا وهناك أيضاً لإرضائهم.. فدمرت ليبيا في كلتا الحالتين..
لا يمكن أن نُسمي ليبيا دولة لها سيادة إلى أن نُعيد أثارنا وتُحفنا ومُقتنياتنا إلى بلادنا بحكم القوانين الدولية أو حتى بشرائها من جديد. هذه ملك لأبنائنا وأحفادنا ومكانها الطبيعي هو الأرض التي شُيدت عليها.. فحتى رأس فينوس الجميلة آلهة الجمال التي وجدوها في مدينة شحات في أواخر شهر ديسمبر عام 1913 بعد هطول أمطار شديدة نزعت الكثير من الرمال الصحراوية المتراكمة فوق هذا التمثال بفعل الزمن..فرأس هذا التمثال لا يزال موجوداً في مكان ما ويستحق البحث عنه لتكتمل الصورة لهذه الجميلة.

هناك تحف أخرى من الذهب والألماس وغير ذلك قام بسرقتها "علي برغل" الذي سُمِّيَ بهذا الإسم لأنه كان يغذي جنوده بالبرغل أو ما نسميه بالليبي في البادية بـ "البركوكش". جاء علي برغل بـ "فرمان" مزيف مستغلا الحرب التي كانت قائمة بين يوسف باشا القره مانللي ووالده، ليطردهما معاً إلى تونس ويدخل طرابلس فاتحاً منتصراً "وهذه الحادثة تشبه قصة الطاغية بومنيار بالضبط وإن اختلفت الأحداث". قام علي برغل بإرهاب السكان ومطاردتهم في كافة شوارع طرابلس وقراها وسرقة ما يملكون من مجوهرات وغير ذلك .. ثم خرج باسطوله بما ثقل من الكنوز الليبية التي اغتصبها عنوة من السكان ومن خزينة السرايا الحمراء وآخر مرة شوهد فيها اسطوله كان بالقرب من مصر الكنانة.
الله.. يا إخوة.. التاريخ حقاً يُعيد نفسه..
ولنعد إلى تاريخ ليبيا الشيق الذي يشبه قصص ألف ليلة وليلة، حتى في ملابس القره مانلليين ذات القلنسوات السلطانية والسيوف المطرزة بالألماس والملابس ذات الألوان الزاهية والأحذية "السبابيط" الجلدية ذات المقدمات المعقوفة أي الملتوية إلى الخلف التي تشبه سباط سندباد البحري.
والله تاريخ شيق فعلاً.. ولكنه مليء بالمآسى والظلم والقهر الذي عاناه الشعب الليبي على مر التاريخ..
ولمن لم تسمح له ظروفه ووقته بقراءة تاريخ ليبيا، أهدي اليكم ما يلي من حقائق تاريخية موثقة:

لنبدأ من قديم الزمن:

الخميس، نوفمبر 24، 2011

الرجاء خطوة إلى الوراء... د. الطاهر خليفة القراضي

إنّ ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة، وُلِدتْ من رحم اثنتين وأربعين سنة من الظلم والجور والعسف والطغيان والفساد، ولذلك فإن هذه الثورة لن تعود إلى ممارسات ذلك العهد البغيض، بل إنها ستقيم دولة العدل والقانون والمساواة، ودولة الشفافية وحقوق الإنسان.
وهذه الدولة لن تقوم، ولن تتحقّق على أرض الواقع إذا تقدّمتْها وقادتها قيادات عهد القذافي. ومن هذا المنطلق، على كلٍّ منا أن يعرف قدر نفسه ويقف دونه؛ فإن كنتَ من أولئك الذين تورّطوا في ارتكاب جرائم قتل لأبناء ليبيا في الداخل أو في الخارج، فلا تحلم بأن تكون قياديًّا أو في الصف الأمامي في ظل هذه الدولة إلا إذا جاز لإبليس اللعين أن يحلم بالجنة، ولا تحلمْ بأنك ستكون في عربة قيادة قطار هذه الدولة، ولا تحلمْ حتى بأن تكون راكبًا في آخر قاطراته وعرباته. وإذا كنتَ متورّطًا في عمل إرهابيّ ضد أبناء الوطن من خلال الأجهزة الأمنية القمعية مباشرةً أو غير مباشرة مما جرّ على هذا الشعب الكثير من الويلات، والخسائر البشرية والمادية، فعليك أن تتأخر خطوة إلى الوراء.
وإذا كنتَ متورِّطًا في سرقات واختلاسات مالية سواءٌ من الأموال العامة للدولة، أو أموال الأفراد والخواص، فعليك أن تقدِّم نفسك طائعًا للقانون والعدالة لإرجاع المظالم لأصحابها، وعند ذلك يمكن أن يكون لك مكانٌ بين أفراد الشعب ولكن ليس في الصف الأمامي، بل عليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء.
وإذا كنتَ ممن يعرفون "من أين تؤكل الكتف" أو كنتَ وصوليًّا نفعيًّا متسلّقًا، فاعلم بأن الدولة الجديدة دولة حق وعدل، ودولة قانون ومساواة، فلن يكون بها مكانٌ للحُذّاق والمتحذلقين والنفعيين والانتهازيين مثلك، ولذلك "الرجاء خطوة إلى الوراء" لتفسحَ المجالَ لأولئك الشرفاء للنهوض بهذه الدولة وشعبها من بعد أن أوقعتَها أنتَ وأمثالك في هذه الهوّة السحيقة.
وإذا كنتَ ممن وصلوا إلى وظائف قيادية عبر ما كان يُعرف بمكتب الاتصال باللجان الثورية، أو عبر ما كان يُسمَّى بالمثابات الثورية، أو من خلال التنظيمات المشبوهة مثل اللجان الثورية، وحركة السابع من أبريل، وفِرَقِ العمل الثوري، فعليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء في انتظار أن تعود إليك تلك الآليات لعلك تتسلّقها من جديد، ولكن هيهات هيهات و"بيض الأنوق" أقرب لك مِن ذاك.
وإذا كنتَ من تنابلة السلطان الذين يحترفون التطبيل والتزمير، والذين يلعقون حذاء مَن أسموه بالقائد، والذين يلعبون دور إبليس الرجيم في تزيين الباطل للرئيس، فاعلم بأنك واحدٌ ممن مكّنوا القذافي من إحكام قبضته الحديدية لمدة أربعة قرون على هذا الشعب المسكين، واعلم بأنك واحدٌ من الذين صنعوا من القذافي واحدًا من أعتى الأباطرة والجبابرة المجرمين السفّاحين في العصر الحديث، وأنك واحدٌ من الذين أسهموا في تأخّر ليبيا علميًّا، وثقافيًّا، وصحيًّا، واقتصاديًّا واجتماعيًّا. وأما ليبيا ما بعد ثورة السابع عشر من فبراير فلن يكون بها قذافي آخر، لتصفّقَ له، ولن يكون بها مجرمٌ سفاحٌ آخر لتزيّن له أفعاله وجرائمه، ولذلك فإنّ بضاعتك ركدتْ، وكسدتْ، وبارت، وعليك أن تتراجع خطوة إلى الوراء، قبل أن يُقالَ لك: "ارجع إلى الوراء؛ هذا ليس مكانك بل إنه مكانٌ لغيرك من الشرفاء".
وإذا كنت من أولئك الذين يتعاطون فكر القذافي، ويُسوِّقون له في المؤسسات العلمية والمعاهد والجامعات والمراكز البحثية، فعليك أن تتأخر إلى الوراء قبل أن يؤخِّروك، حيث قد حان وقت العلم والعمل ووقت الحق والحقيقة بدلا من الهراء والدجل والكذب الذي لا طائل من ورائه.
وإذا كنتَ تؤمن بفكر القذافي ونظرياته وهرطقته وشعوذته وأكاذيبه، وإذا كنتَ تحبُّ أن يكون حكمُ ليبيا حكمًا فرديًّا دكتاتوريا شموليًّا ولكنك لم تكن سببًا مباشرًا أو غير مباشر لإلحاق أيِّ ضررٍ أو أذًى بالوطن أو بالمجتمع أو بأيّ فردٍ من أفراده، ولم تكن واحدًا من المذكورين أعلاه، فإنك في حاجة إلى أن تتخلص مما ران على قلبك من الأقذار والشوائب التي تحتاج إلى فترة لا تقلّ عن ست سنوات للتّخلّص منها، وهذه السنوات الست هي الفترة الانتقالية لمدة سنتين، وفترة الحكم الأولَى لأول حكومة ليبية منتخبة ومدتها أربع سنوات. ولئلا تكون سببا في تعثّرنا وتأخرنا، فإننا نقول لك: "الرجاء خطوة إلى الوراء" في هذه الفترة إلى أن تكون قد شُفيتَ وتخلّصْتَ من هذه الأمراض.
وإذا كان من المفترض أن تنسحب وتتراجع وتتأخّر من تلقاء نفسك، ولكنك كابرتَ أو ظننتَ بأنك ستكون في مأمن، فلا تظنّنّ أن الليبيين مغفّلون أو سُذّجٌ أو بُسطاء، بل إنهم أذكياء، ونجباء. ولذلك فإنهم سيمهلونك الوقت الكافي، ولكنهم لن يمهلوك إلى الأبد، فلماذا لا تعرف قدر نفسك بنفسك، وتنسحب وتتراجع إلى الصف الأخير قبل أن يحين الوقت، ويُراق ماء وجهك عندما يقولون لك: "الرجاء خطوة إلى الوراء، هذا ليس مكانك إنه مكان الشرفاء".
د. الطاهر خليفة القراضي
جامعة الزاوية / ليبيا
algarradi@yahoo.com

الاثنين، نوفمبر 21، 2011

كتاب الأحزاب السياسية... موريس ديفرجيه


في ظلّ التغيرات السياسيَّة التي تشهدها مصر والمنطقة العربيَّة، وما يقتضيها من تعديل في الحياة السياسيَّة وفي الأحزاب السياسيَّة التي هي عماد النظام السياسي في معظم بلدان المنطقة العربيَّة، وإقامةأحزاب جديدة، صدر حديثًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر طبعة جديدة من الترجمة العربيَّة لكتاب الأحزاب السياسية من تأليف موريس ديفرجيه وقام بالترجمة عن الفرنسية على مقلد، وعبد المحسن سعد.
يتناول الكتاب في فصوله أصل الأحزاب وكيف تكوَّنت ودور هذه الأحزاب في اختيار الحكام وتمثيل الرأي العام وبنية الحكومة، أي يطرح الكتاب فكرة التخطيط لنظرية عامة أولية للأحزاب، بالإضافة لرسم إطار عام للدرس، بوضع جدولا بكل المشاكل الأساس، من أجل تصنيف منهجي للأوليات الخاصَّة بتأسيس الأحزاب، ويشير الكاتب إلى أن العلم السياسي لا يمكن أن يتقدَّم تقدمًا ملموسًا، ما دامت أبحاثه ذوات طابع مفكك بحيث تكون أقرب إلى الاستقراء منها إلى العلم، وانطلاقًا من هذه المشاهدات الأوليَّة المتعددة والمنوعة والملموسة، والتي هي بالضرورة مجزَّأة وغير كافية، فقد يحاول هذا الكتاب أخيرًا أن يشرح فرضيات من شأنها أن تؤدي في المستقبل إلى استقصاءات تتيح يومًا ما تكوين قوانين اجتماعيَّة أكيدةوصحيحة.
ويرتكز هذا الكتاب على تناقض أساس إذ يستحيل اليوم وصف ميكانيكيَّة الأحزاب السياسيَّة وصفًا مقارنًا وجديًّا (ولكن من اللازم القيام بذلك)، وهكذا نقع في حلقة مفرغة فالأبحاث المتخصصة السابقة والمتعددة والعميقة وحدها تتيح يومًا ما بناء النظرية العامة للأحزاب، ولكن هذه الأبحاث المتخصصة لا يمكن أن تكون معمقة حقًّا ما لم تكن هناك نظرية عامة عنالأحزاب.
بنية الأحزاب
قسَّم المؤلف "موريس ديفرجيه" كتابه إلى كتابين، الكتاب الأول يشتمل على ثلاثة فصول هي: بنية الأحزاب، ويتناول خلاله هيكل الأحزاب وأشكال الأحزاب غير المباشرة وعناصر البنية غير المباشرة والعناصر الأساسية، وأعضاء الأحزاب، ويتناول مفهوم المنتسب للأحزاب ومراتب المشاركة وطبيعة المساهمة.ثم إدارة الأحزاب، ويتناول اختيار القادة وسلطة القادة والبرلمانيون.
وكأي مفهوم من مفاهيم العلوم الاجتماعية، تتعدَّد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية، على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات، يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو: اتحاد بين مجموعة من الأفراد، بغرض العمل معًا لتحقيق مصلحة عامة معينة، وفقًا لمبادئ خاصة متفقون عليها، وللحزب هيكل تنظيمي يجمع قادته وأعضاءه، وله جهاز إداري معاون، ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب.
وتعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث، فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الاقتصادية، تعبر الأحزاب والنظام الحزبي عن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي.
وقد حافظت الأحزاب السياسية على أهميتها بالرغم من تطور مؤسسات المجتمع المدني، التي اكتسب بعضها مركزًا مرموقًا على الصعيد الخارجي من خلال التحالفات عابرة القومية، ولكن تلك المؤسَّسات لم تستطع أن تؤدي وظيفة الأحزاب في عملية التداول السلمي للسلطة، إضافة إلى وظائفها الأخرى في المجتمع.
يرى الكثير من الباحثين أن تعبير الأحزاب السياسية لا يطعن على أي تنظيم سياسي يدعي ذلك؛ بل وضع بعضهم شروطًا أساس لها هي، التكيف، والاستقلال، والتماسك، والتشعب التنظيمي.
لكن على الرغم من ذلك، فإن الأحزاب السياسيَّة التي ينطبق عليها مثل هذه الشروط لم تنشأ نشأة واحدة، بل نشأت بأشكال ولأسباب مختلفة، أهمها: ارتباط ظهور الأحزاب السياسية بالبرلمانات، ووظائفها في النظم السياسية المختلفة؛ إذ أنه مع وجود البرلمانات ظهرت الكتل النيابية، التي كانت النواة لبزوغ الأحزاب، حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرلمانات المتشابهين في الأفكار والإيديولوجيات أو المصالح، ومع مرور الوقت تلمس هؤلاء حتمية العمل المشترك، وقدازداد هذا الإدراك مع تعاظم دور البرلمانات في النظم السياسية، إلى الحدّ الذي بدأ نشاط تلك الكتل البرلمانيَّة يظهر خارج البرلمانات من أجل التأثير في الرأي العام.
ثم ارتباط ظهور الأحزاب السياسيَّة بالتجارب الانتخابية في العديد من بلدان العالم، وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ الاقتراع العام، عوضًا عن مقاعد الوراثة ومقاعد النبلاء. حيث ظهرت الكتل التصويتيَّة مع ظهور اللجان الانتخابية، التي تشكّل في كل منطقة من المناطق الانتخابية بغرض الدعاية للمرشحين الذين أصبحوا آليًّا يتعاونون لمجرد الاتحاد فيالفكر والهدف. وقد اختفت تلك الكتل –بداية- مع انتهاء الانتخابات، لكنها سرعان ما استمرَّت بعد الانتخابات وأسفرت عن أحزاب سياسية تتألف من مجموعات من الأشخاص متحدي الفكر والرأي؛ أي أن بداية التواجد هنا كان خارج البرلمان، ثم أصبح الحزب يتواجد داخله، وكانت تلك الأحزاب قد سعت إلى تكوين هياكل تنظيميَّة دائمة لكسب الأعضاء، ومراقبة عمل البرلمان والسلطة التنفيذيَّة.
وأيضًا ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكريَّة والهيئات الدينيَّة والنقابات، وقد سعى بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكلٍ أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق الخدمة لأعضائها، ولعلَّ أبرز الأمثلة على ذلك حزب العمال البريطاني، الذي نشأ بداية في كنف نقابات العمال بالتعاون مع الجمعيَّة الفكريَّة، وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب الفلاحين وخاصة في بعض الدول الإسكندنافية، حيث كان أصل نشأتها الجمعيات الفلاحيَّة، إضافة إلى ذلك فقد كان أساس نشأة بعض الأحزاب المسيحية في أوروبا هو الجمعيات المسيحيَّة، أما في أمريكا اللاتينية، فإنه لا يوجد أي أساس للنشأة البرلمانية للأحزاب السياسيَّة، ولذلك فإن البحث في أصول الأحزاب هناك يركز على التحليل الاجتماعي والاقتصادي لأوضاع هذه البلدان بعد جلاء الاستعمار، وبمايعكس مصالح كبار الملاك والعسكريين والكنيسة، وكانت تلك هي اللبنة الأولى لظهور الرعيل الأول من الأحزاب السياسيَّة هناك.
كما ارتبطت نشأة الأحزاب السياسيَّة في بعض الأحيان وليس دائمًا بوجود أزمات التنمية السياسية. فأزمات مثل الشرعية والمشاركة والاندماج أدت إلى نشأة العديد من الأحزاب السياسيَّة، ومن الأحزاب التي نشأت بموجب أزمة الشرعية،وما تبعها من أزمة مشاركة، الأحزاب السياسية الفرنسيَّة التي نشأت إبان الحكم الملكي في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وخلال الحكم الاستعماري الفرنسي في خمسينات القرن الماضي، وبالنسبة لأزمة التكامل، فقد أفرخت في كثير من الأحيان أحزابًا قوميَّة، وفي هذا الصدد يشار على سبيل المثال إلى بعض الأحزاب الألمانيَّة والإيطاليَّة.
على هذا الأساس، بدأت نشأة الأحزاب السياسيَّة بشكلٍ أولي منذ نحو قرنين من الزمان، ولكنها لم تتطوروتلعب دورًا مهما إلا منذ حوالي قرن، وقد تباينت أسباب ودواعي النشأة، لكن الأحزاب بشكلٍ عام كانت إحدى أهم آليات المشاركة السياسية، ومن أهم أدوات التنشئة السياسية في المجتمعات، بالرغم مما قيل عنها في بداية النشأة من أنها ستكون أداة للانقساموللفساد السياسي، وأنها ستفتح الباب عمليًا أمام التدخل الأجنبي، وستكون مصدرًا لعدم الاستقرار السياسي وانعدام الكفاءة الإدارية، وذلك كله على حدّ تعبير جورج واشنطون مؤسّس الولايات المتحدة الأمريكيَّة.
أنماط الأحزاب
أما الكتاب الثاني فاشتمل على دراسة أنماط الأحزاب، متناولا عدد الأحزاب والتعددية الحزبيَّة وما معنى الحزب الوحيد، والأحزاب والأنظمة السياسيَّة وكيفية اختيار الحاكمين وتمثيل الرأي العام وبنية الأحزاب.
ويبيِّن أن هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب، أحزاب أيديولوجيَّة، وأحزاب برجماتية، وأحزاب أشخاص.
الأحزاب الأيديولوجية أو أحزاب البرامج وهي الأحزاب التي تتمسك بمبادئ أو إيديولوجيات وأفكار محددة ومميزة، ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب، ومن أمثلة أحزاب البرامج الأحزاب الاشتراكيَّة الديمقراطيَّة والشيوعيَّة، ولكن منذ منتصف القرن الماضي، بدأ كثير من الأحزاب غي الأيديولوجية يصدر برامج تعبر عن مواقف، فأصبح هناك أحزاب برامج أيديولوجية وأحزاب برامج سياسات عامَّة، وهذه الأخيرة هي الأحزاب السياسيَّة البرجماتيَّة.
أما الأحزاب البرجماتية يتسم هذا النوع من الأحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع، بمعنى إمكانيَّة تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقًا لتطور الظروف.
بينما أحزاب الأشخاص هي من مسماها ترتبط بشخص أو زعيم، فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار، دون خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له، وهذا الانتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم، وتظهر تلك الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينيَّة، حيث انتشار البيئة القبليَّة، وتدني مستوى التعليم.
كما تختلف النظم الحزبيَّة باختلاف شكل النظام السياسي، والمعروف أن هناك ثلاثة أشكال رئيسة من النظم السياسيَّة، هي النظام الديمقراطي، والنظام الشمولي، والنظام التسلطي، وهناك عدة تصنيفات للنظم الحزبيَّة، لكن أكثرها شيوعًا هي النظم الحزبية التنافسيَّة والنظم الحزبيَّة اللا تنافسيَّة.
وتشتمل النظم الحزبية التنافسية على ثلاثة أنواع هي نظم التعددية الحزبية، ونظام الحزبين، ونظام الحزب المهيمن، ولعلَّ الإشكالية الرئيسة التي تقابل أي قائم بدراسة حزب من أحزاب الحكم في نظام الحزب المهيمن، هي كيفية دراسة حزب الدولة المندمج وظيفيًّا وأيديولوجيًّا ونخبويًّا فيها، دون الانزلاق لدراسة الدولة، أو دراسة الحكومة.
بينما يتصف النظام الحزبي باللا تنافسيَّة مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين أحزاب سياسية، إما لوجودحزب واحد، أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب شكلية تخضع لقيادته في إطار جبهة وطنية ليس مسموحا لأي منها بالاستبدال عنها، وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفيَّة في روسيا عام 1917، حيث أقامت تلك الثورة حزبًا ملهمًا للعمال ليس فقط في الاتحاد السوفيتي بل في كل ربوع أوروبا الشرقية فيما بعد. ورغم أن هذا المفهوم سار في تلك البلدان في مواجهة الأحزاب الرأسماليَّة، إلا أنه ظهر في بلدان العالم الثالث كمفهوم موحِّد لفئات المجتمع المختلفة، وبهدف الحد من الصراعالاجتماعي، وقد أصبح الحزب الواحد هو الظاهرة الكاسحة للنظم الحزبية التي نشأت في أفريقيا عقب استقلال دولها، كحزب قائم بغرض الدمج الجماهيري. وعلى هذا الأساس يصنف البعض نظام الحزب الواحد إلى الحزب الواحد الشمولي، الذي غالبًا ما يكونأيديولوجيًّا شيوعي أو فاشي مثلًا، والحزب الواحد المتسلِّط الذي لا يدلهم عن أيديولوجية شاملة.
وظائف الأحزاب
من أسس تقييم الحزب السياسي، مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب، والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية.
وهي تتضمن سواء كان حزبًا في السلطة أو المعارضة، وظائف أساس هي التعبئة ودعم الشرعية، والتجنيد السياسي، والتنمية، والاندماج القومي. والمعروف أن تلك الوظائف يقوم بها الحزب في ظل البيئة التي ينشأ فيها والتي يعبر من خلالها عن جملة من المصالح في المجتمع، وهو في هذا الشأن يسعى إلى تمثيل تلك المصالح في البيئة الخارجية، الأمر الذي يعرف في أدبيات النظم السياسية بتجميع المصالح والتعبير عن المصالح.
فوظيفة التعبئة، تعني حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي، من قبل المواطنين، وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها، وظيفة أحاديَّة الاتجاه، بمعنى أنها تتم من قبل النظام السياسي للمواطنين، وليس العكس، وتلعب الأحزاب دور الوسيط، وبالرغم من أن البعض يربط بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسي، من حيث كونه ديمقراطيًّا أو شموليًّا أو سلطويًّا، إلا أن الاتجاه العام هو قيام النظم السياسية الديمقراطية أيضًا بأداء تلك الوظيفة، غاية ما هنالك، أن النظم السياسية في الدول النامية، تتطلع وهي في مرحلة التنمية الاقتصاديَّة والسياسيَّة والاجتماعية، إلى قيام الأحزاب بلعب دورٍ فاعل لحشد التأييد لسياستيها الداخلية والخارجيَّة، وتختلف طبيعة وظيفة التعبئة التي تقوم بها الأحزاب من نظام سياسي لآخر في النظم التعدديَّة المقيّدة، كما أنها تختلف داخل نفس النظام السياسي المقيد وفقا لطبيعة المرحلة التي يمر بها، متأثرا دون شك بالبيئة الداخلية والخارجية المحيطة به، والنظم السياسيَّة تسعى دائمًا لتجديد سياساتها، نتيجة لطبائع الأمور التي تتسم بالتبدل المستمر للأفكار والأيديولوجيات، وهذا التغير بشكلٍ عام، وأيًّا كان سببه، يحمل قيما ومبادئ، تسعى النظم السياسيَّة القائمة إلى ترسيخها، عبر تبادل الحوار الديمقراطي المفتوح بين الحكومة والمواطنين إذا كانت نظمًا ديمقراطية، وتسعى لإيصالها عبر وسائل غرس القيم السياسيَّة في النظم السياسية الشمولية والسلطوية، فيما يعرف بعملية التثقيف السياسي، وفي جميع الأحوال، تلعب الأحزاب دورا مهمًا في أداء هذا الوظيفة.
يبنما تعرف الشرعيَّة بأنها مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي، وخضوعهم له طواعية، لاعتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة، ويعتبر الإنجاز والفاعلية والدين والكاريزما والتقاليد والأيديولوجيَّة، ضمن المصادر الرئيسة للشرعية في النظم السياسيَّة المختلفة، على أن الديمقراطيَّة تعد المصدر الأقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم، وهناك العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعيَّة، وتلعب الأحزاب وغيرها من المؤسسات دورًابارزًا في هذا المضمار، وتتميز الأحزاب عن تلك الوسائل بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية، بل أنها في النظم السياسية المقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وأيديولوجياتها هي نفسها مصدرًا للشرعيَّة، والحديث عن علاقة الأحزاب بالشرعية الديمقراطية، يفترض أن الأحزاب تتضمن هياكل منتخبة من بين كل أعضائها، وتستمد الأحزاب الحاكمة شرعيتها من تلك الانتخابات ومن تداول السلطة داخلها، ربما قبل الانتخابات العامة التي تأتي بها إلى السلطة، إضافة إلى تطلعها باستمرار إلىالتنظيم الجيد، ووجود دورة للمعلومات داخلها.
أما التجنيد السياسي فيعرف بأنه عملية إسناد الأدوار السياسيَّة لأفراد جُدد، وتختلف النظم السياسيَّة في وسائل التجنيد السياسي للنخبة، فالنظم التقليديَّة والأوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكلٍ عام على معيار المحسوبيةأو الوراثة.. الخ.
أما في النظم التعددية المقيدة، فإنها تسعى -دون أن تنجح في كثير من الأحيان- لأن تكون أداء تلك الوظيفة بها يماثل أدائها في النظم الأكثر رقيًّا وتقدمًا، فيكون هناك ميكانزمات محددة للتجنيد، ويفترض أن تكون الأحزاب في هذه النظم أحد وسائل التجنيد السياسي، وهي تؤدي تلك الوظيفة ليس فقط بالنسبة إلى أعضائها بل وأيضًا بالنسبة إلى العامة، فمن خلال المناقشات الحزبية، والانتخابات داخل هياكل وأبنية الأحزاب، والتدريب على ممارسة التفاعل الداخلي، وبين الأحزاب بعضها البعض، والانغماس في اللجان والمؤتمرات الحزبية، تتم المساهمة في توزيع الأدوار القياديَّة على الأعضاء، ومن ثم تتم عمليَّة التجنيد بشكلٍ غير مباشر، ويتسم أداء الأحزاب في النظم التعدديَّة المقيدة لوظيفة التجنيد السياسي ببعض القيود، إذ أن أعضاء الأحزاب لم يكن قد خرجوا بعد من الميراث الثقافي السلطوي، الذي خلفته تجربة التنظيم الواحد، والذي كان الحزب فيه مجرد أداه للتعبئة لكسب الشرعيَّة للنظام السياسي.
في حين تتمثل الوظيفة التنموية في قيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسيَّة في المجتمع، الأمر الذي يدعم العملية الديمقراطية، والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في النظم السياسية المقيَّدة.
وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة الأحزاب السياسية، مسألة وجود الأحزاب، وكيف أنها تلعب دورًا فاعلًا في عملية التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات، وكذلك دورها في إنعاش مؤسَّسات المجتمع المدني ممثلًا في مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية، وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خلال المساهمة في حلّ مشكلاتهم، ناهيك عن قيام الأحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات، خاصة في عمليتي التشريع والرقابة.
أما وظيفة الاندماج القومي فتنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية، حيث تبرز المشكلات القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان، في ظلّ ميراث قوى من انتهاكات حقوق الإنسان.
ويعد هذا الكتاب من أشهر الكتب في علم السياسة وفي الأحزاب ومقدّمة للدراسة النظريَّة للأحزاب واعتمدته كليات الحقوق والعلوم السياسيَّة مرجعًا أساسًا في أكثر من بلد، أن المؤلف الفرنسي "موريس ديفرجيه" له العديد من الكتب في النظريَّة السياسيَّة منها: مدخل إلى علم السياسة، المؤسسات السياسيَّة والقانون الدستوري الأنظمة السياسيَّة الكبرى، في الدكتاتوريَّة، علم اجتماع السياسة، وغيرها من المؤلفات




نقلا عن منتديات قسيمى نت